لا يمكن الحديث عن الرياضة النسوية في المغرب دون استحضار اسم سميرة الزاولي، فقد نشأت في كنف أسرة رياضية عريقة، بل هي ابنة المرحوم العربي الزاولي الذي جمع بين رئاسة "الطاس" وتدريبها، والذي يعد الأب الروحي لفريق الاتحاد البيضاوي، ومؤسس مدرسة أنجبت لاعبين أكفاء، وزودت بهم الفرق الوطنية على امتداد ربوع الوطن.
منذ صغر سنها تنفست سميرة هواء الكرة، في بيت داخل ملعب "الحفرة" وعايشت أدق تفاصيل فريق كان يعول على جود وسخاء العاطفين. تقول زينب أمين ابنة سميرة الزوالي، إن والدتها ورثت عشق الرياضة وكرة القدم بالتحديد من والدها الراحل العربي الزاولي وكانت ترافقه باستمرار سواء تعلق الأمر بالمباريات الرسمية أو الودية أو خلال الاجتماعات، كما كانت ترافقه وهو يقوم بعملية التنقيب التي ينتقي فيها لاعبين غالبتهم ينتمون لكريان سنطرال: "كانت تستفيق على صافرة الملعب وتنام على حديث الكرة، عايشت كبار اللاعبين الذين بصموا تاريخ كرة القدم المغربية وخلال هذه المرحلة، تعرفت والدتي على كرة القدم عن طريق والدها العربي الزوالي المسير الكبير الذي وضع اللبنة الأولى لأول مركز تكوين لكرة القدم، في وقت لم تكن فيه هذه الفكرة رائجة حينها من أجل ضمان الاستمرارية للفريق، وحتى اللاعبين الذين تكونوا على يده حققوا إنجازات كثيرة في مجال كرة القدم، وغالبيتهم ضمنوا مستقبلهم الاجتماعي عبر جدي الزاولي رحمه الله".
كانت سميرة الزاولي، أول امرأة تترأس فريقا لكرة القدم للرجال ، وكان همها أن يظل اسم العربي الزاولي حاضرا في المشهد الكروي، وأن تعرف بتاريخه وبما قام به خلال مساره الرياضي لكنها ماتت قبل أن تحقق الكثير من أحلامها. تحكي زينب ابنة سميرة الزاولي عن بداية والدتها في المجال الرياضي، مشيرة إلى أنها في عهد العربي الزاولي، كانت رفقة أخواتها وبعض فتيات الحي المحمدي أول من يرتدين بذلة رياضية ويمارسن كرة القدم في وقت كان فيه ممارسة كرة القدم النسوية مرفوضا، كانت سباقة لولوج ملاعب كانت حكرا على الذكور بكل احترام ووقار.
بعد ذلك ترسخت لدى سميرة فكرة ممارسة الفتيات للرياضة بحكم أن غالبيتهن ينتمين لأسر رياضية، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء فريق نسوي لكرة القدم بالحي المحمدي وكان من أول الفرق على المستوى الوطني لكرة القدم النسوي سنة 1982 بعدها سمي بفتيات البيضاء سنة 1982، عندما تولت سميرة الزاولي الرئاسة سنة 1996 سيحمل الفريق اسم الاتحاد الرياضي البيضاوي لكرة القدم النسوية.
لم تذخر سميرة الزوالي، جهدا من أجل إثبات وجود الفتيات على المستوى المحلي والوطني، وكان فريق الاتحاد البيضاوي يمثل 90 في المائة من تركيبة المنتخب الوطني على غرار عميدته اللاعبة نادية مقدي "تيكانا".
بالموازاة مع ذلك بصمت سميرة الزاولي، في سجل تاريخ الرياضة الوطنية كاسم لامع في التسيير الرياضي، حين نالت ثقة الجميع لكي تصبح أول امرأة في تاريخ المغرب تترأس فريقا لكرة القدم للرجال، في سابقة في المجال الرياضي المغربي، بالإضافة إلى كونها كانت عضوا في اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية، وفي اللجنة المركزية لكرة القدم النسوية داخل الجامعة، فضلا عن مهام أخرى في الهيئات الجهوية لكرة القدم، وكلها مناصب ساعدتها على إسماع صوتها ونقل مشاريعها، لأنها كانت من أوائل النساء الذي نادوا بضرورة وجود بطولة وطنية لكرة القدم النسوية، إلى جانب مشاريع للتكوين الخاص بالفتيات، إضافة إلى تنظيمها لملتقيات عبر التراب الوطني من أجل النهوض بالتمثيلية النسائية في المشهد الكروي.
شكلت سميرة الزوالي، علامة بارزة في المشهد الرياضي الوطني، وذلك على امتداد عشرات السنين لكنها واجهت العديد من الصعوبات بحنكة واقتدار. تقول ابنتها زينب وهي تستحضر شريط نضال والدتها: "عانت سميرة صعوبات عديدة، ونحن من عايش ذلك لأنها كانت تحرص على الظهور بصورة قوية، كانت تخفي آلامها لكن في الكواليس كانت معاناتها مع المرض والضغوطات النفسية التي كانت تعيشها وكذلك المحيط الذي لم يكن يتقبل فكرة مسيرة رياضية بلا حدود. لكنها بذلت مجهودا كبيرا من أجل الجمع بين عملها وأسرتها والرياضة، فقدت وظيفتها حيث كانت تشتغل بمجال التعليم لأزيد من 28 سنة لكنها لم تغادر هذا المجال يوما وهو ما جعلها اسمها خالدا وجعل اسم العربي الزوالي حاضرا".
في يوم الثلاثاء 20 أكتوبر2015، استيقظت سميرة كعادتها مبكرا، تأبطت ملفها الطبي وركبت سيارة أجرة مختنقة في اتجاه مصحة الضمان الاجتماعي بشارع الزيراوي بالدار البيضاء، كانت تشعر بآلام على مستوى البطن، وهي التي أجرت عملية جراحية للتخلص من فتق البطن الذي لازمها طويلا. كان فكرها منشغلا بالمرض وبالكرة. لم تجد من الهيئات الرياضية التي ناضلت داخلها سندا في المحنة الصحية، وكانت تقتسم مصاريف عيش أسرتها مع الكرة ومحيطها، فارتفع ضغطها الدموي، ولأول مرة تقرر سميرة التزام البيت والاعتذار عن حضور الأنشطة الرياضية التي لم تكن تخلف مواعيدها مهما كانت وضعيتها الصحية أو المادية.
استلقت سميرة على فراشها ففاضت روحها، وتبين بعد معاينة طبيب أن أزمة قلبية أجهزت على أول رئيسة لفريق كرة القدم ذكوري وهو الاتحاد البيضاوي، لتنتهي رحلة المعاناة، لم يكن لسميرة إرث تتركه لأسرتها سوى عشق الطاس، لذا سيحمل زوجها الأمين عبء المسؤولية ويقرر استكمال الرحلة مع نجلته زينب التي أصبحت رئيسة للاتحاد البيضاوي لكرة القدم النسيوة رغم الإكراهات التي واجهتها من أشخاص يسعون للتخلص من تركة الزاولي.
ماتت سميرة حزنا على عائلتها التي لا تملك إلا إسما على ملعب، في زمن تنكر فيه كثير من أبناء الحي للعربي الزاولي الذي كان ملتصقا بلاعبيه أكثر من أبنائه الذين لم يترك لهم سوى ديون متراكمة صرفها على اللاعبين ووثائق وبذل رياضية ومسكن بسيط بجوار الملعب والحي المحمدي. قالت سميرة في آخر حوار أثيري، بنبرة حزينة، إن والدها كان عنوانا للإيثار، فقد كان جميع أفراد الأسرة في خدمة الفريق، وليس الفريق من كان في خدمة الأسرة كما يفعل بعض المسؤولين، فإخوتي يجمعون الكرات ويدربون الصغار ويقودون سيارة نقل اللاعبين ويحرسون الملعب.