الخميس 28 مارس 2024
سياسة

كيف بسطت فرنسا هيمنتها على المغرب تحت جناح "الطب الاستعماري"

كيف بسطت فرنسا هيمنتها على المغرب تحت جناح "الطب الاستعماري"

 

لم تكن الحملات الطبية التي قادها الأوروبيون بالمغرب في مغرب القرن 19 وبداية القرن العشرين سوى غطاء للتنصير، هذا ما تأكده العديد من المصادر التاريخية، حيث تمركز العمل التبشيري في العيادات الطبية المقامة بالمدن الكبرى الآهلة بالسكان، حيث كان الفحص الطبي مرهونا بالسماع الى قراءة الإنجيل.

 

ويعد الطبيب الفرنسي إميل موشام أشهر المبشرين على صعيد السياسة الخارجية الفرنسية، وقد وصل الى محل عمله في مراكش خلال شهر اكتوبر سنة 1905. ومكنته مهنته الطبية من مراقبة المناورات السياسية التي أدت إلى مطالبة عبد الحفيظ بالعرش ونسج روابط فرنسية مع المطالب بالعرش وأعوانه، رغم النفوذ القوي للتأثير المالي والدبلوماسي الألماني في بلاط عبد الحفيظ.

 

الطب الاستعماري لم يوظف بالتجسس على المغرب فقط، بل كان نظام الطب الاستعماري نظاما للتمييز العنصري، إذ كان يخدم المستوطنين الفرنسيين والأوروبيين والمدراء والبيروقراطية والمهنيين الماهرين، في حين كانت رعاية المغاربة سيئة، وقد غطى الطب الاستعماري المدن الرئيسية ذات التمركز الكبير للمستوطنين، أما في المناطق النائية فقد بنيت مستوصفات يزاول فيها الأطباء بالتناوب، وكانت هناك وحدات متنقلة بين القرى والأسواق. وأوكلت لهؤلاء الأطباء جمع المعلومات ورسم خرائط للمناطق الريفية، وتقدير عدد السكان والموارد الطبيعية، وإحصاء الآبار والقرى وطرق المواصلات.

 

وإذا كان الطب الاستعماري قد ساهم في تحسين صحة المغاربة فإن ما كان الغرض منه توفير يد عاملة قوية يمكن استغلالها من قبل الدول الاستعمارية.

 

أشهر الأطباء الجواسيس في تاريخ المغرب

 

عرف التاريخ المغربي جواسيس وأطباء أوروبيين مشهورين نذكر منهم الجاسوس الألماني جيهارد روهليف،المعروف في المصادر المغربية بمصطفى النمساوي أو مصطفى الألماني. وقد عملضمن اللفيف الأجنبي في الجزائر بصفة طبيب قبل أن ينتقل إلى المغرب بعد حربتطوان، وبالضبط خلال شهر أبريل 1861. آملا أن يلج الجيش المغربي بالصفةالمذكورة. وقد تزين بالزي المغربي (جلابة، طربوش، بلغة...) وتمكن بوصفهطبيبا من دخول بلاط السلطان محمد بن عبد الرحمان والكشف على حريمه.

 

وكان هذاالجاسوس الذي تعلم الشهادتين فقط قد أقام في وزان حوالي سنة، حيث استضافهالشريف مولاي عبد السلام الوزاني وقدم له خدمات علاجية. ثم أصبح الطبيبالأول للسلطان محمد بن عبد الرحمان.

 

وتتطرق المصادر الى التاريخية الى المستكشف الفرنسي دوفوريي الذي اجتاز منطقة الريف متظاهرابمهنة طبيب وذلك سنة 1887، بإيعاز من الشريف مولاي عبدالسلام الوزاني الذيكان يوجد وقتذاك في منطقة وهران، إذ نصحه بانتحال صفة طبيب كي يتمكن منعبور منطقة الريف المعروفة بشدة بأسها بأمان، وقد اعتبر اكتشافه لمجال الريفبهذه الصفة (طبيب) بمثابة فتح عظيم في إطار التعريف بهذا المجالالمجهول رغم قربه الجغرافي من أوربا.

 

ومن العملاء والمنتفعينالمنتحلين لصفة طبيب الألماني كراك، الذي استقر فيالمغرب اعتبارا من سنة 1886، لفترة طويلة فبعد قضائه عدة شهور في تطوانوفاس استوطن مدينة الدار البيضاء وفتح عيادة وصيدلية عام 1894، وقد منعهالقنصل الألماني بها فيش من مزاولة التطبيب بحجة أنه ليس طبيبا حقيقيا بيدأن تتنباش (وزير ألمانيا) الذي كان يدرك أهمية وجود شخص مثل كراك في الدارالبيضاء ومعرفته بأحوال المغرب، أعطى تعليماته بأن يستمر كراك في ممارسةنشاطه الطبي بالرغم من كونه مجرد طبيب مزيف.

 

كما تتوقف المصادر التاريخية عند ظاهرة انتحال ضباط الجيش، صفة طبيب للقيام بالعمل الاستخباري، مثال ما قام به الضابط الاسباني جيلفز الذي كان يتقن اللغةالعربية، حيث سبق أن خدم في تطوان وقد تقمص دور طبيب اسباني بهدف استطلاعالأوضاع في منطقة تطوان وما جاورها في خضم الاضطرابات التي عرفها المغربالشرقي إبان تمرد الجيلالي الزرهوني "بوحمارة" وذلك سنة 1905.

 

تفاصيل أخرى حول هذا الملف تجدونها في العدد الأخير لأسبوعية "الوطن الآن" الذي نزل للأكشاك