منذ انتخاب المغرب على رأس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف واستلام السفير عمر زنيبر مهامه في حينه يوم 10 يناير 2024، توافدت على المملكة المغربية التهاني والتبريكات من دول صديقة ومنظمات دولية وشخصيات سياسية ومفكرين.
ومما لا شك فيه أن هذا التتويج هو مجهود دولة، بكل مكوناتها. انطلق بالانخراط الإرادي للمغرب في المنظومة المعيارية الدولية حتى وإن كانت وثيرة الملائمة مع التشريعات الوطنية تقتضي سرعة أكبر ما دامت إرادة الأمة في هذا المجال تم حسمها في دستور المملكة لسنة 2011 .
إضافة إلى مراجعة وإغناء الترسانة القانونية وإقرار سياسة عمومية ذات الصلة بقضايا حقوق الإنسان خاصة تلك التي تهم الفئات الهشة، الأشخاص في وضعية الإعاقة، الأطفال، المهاجرون الأشخاص ضحايا التجار بالبشر والآن الورش المفتوح والمتعلق بمراجعة مدونة الأسرة.
كما أن إحداث عدد من المؤسسات العمومية الخاصة بالحكامة باعتبارها قوة للرصد والتنبيه والاقتراح، والتي تساهم بشكل يومي في مواكبة وحماية المواطن سواء في علاقته بالإدارة أو مع كل الجهات المسؤولة على إنفاذ القانون إذا ما اختار سبيل هذه المؤسسات. ليبقى القضاء أولا وأخيرا السلطة الضامنة لحماية حقوق الإنسان.
في حين لعب المجتمع المدني بكل مكوناته من خلال الدينامية المجتمعية التي خلقها ادوارا محورية في هذا التتويج الحقوقي بإذكاء وترسيخ قيم المواطنة وتشجيع المشاركة في الحياة العامة ورفع منسوب المسؤولية والاهتمام بالشأن المجتمعي، سواء كهيئات محلية للقرب مع تقديم الخدمات الأساسية أو كمنظمات وطنية للترافع من أجل قضايا هامة ذات الصلة بحقوق الإنسان والتنمية المستدامة ….
ومما لا شك فيه أن النسيج الجمعوي المغربي المكون بشكل قانوني وفق ظهير الحريات العامة لسنة 1958 كما تم تعديله بلغ أكثر 260 ألف جمعية والتي تعتز بالعمل في الميدان منذ ما يقارب 70 سنة.
ولا زال بإمكانه أن يقدم الكثير لبلادنا كما لا زال الطموح اكبر إذا ما علمنا ان عدد الجمعيات بالنسبة لكل من 100الف نسمة من الساكنة ببلادنا لا تتجاوز في أحسن الأحوال 150 جمعية في مقابل اكثر من 600 جمعية بفرنسا بمجموع يتجاوز مليون و400 ألف جمعية .
أما كندا فكل فرد ينتسب لثلاث جمعيات على الأقل .ولهذا يحز في النفس عندما نلاحظ عودة الاشارة إلى بلدنا في بعض التقارير الدولية والوطنية المتعلقة بحقوق الإنسان بشأن المشاكل الادارية المرتبطة سواء بتأسيس جمعيات جديدة أو بتجديد هياكلها ،وهي بدون شك حالات محدودة لا على مستوى العدد ولا على مستوى المجال مقارنة مع الإحصاء العام للجمعيات ،لكن يبقى من الضروري تجاوز هذا الوضع في زمن أصبحت ادوار المجتمع المدني مدسترة في وثيقة 2011 وأحدث قطاع وزاري مسؤول على تدليل الصعاب اما م الجمعيات مع بلورة استراتيجية وطنية للمجتمع المدني صادقت عليها الحكومة في بداية السنة الماضية .
صحيح أن نسيجنا الجمعوي القائم على التطوع يعاني الاستمرارية والديمومة ومن ضعف التأطير والتمويل ومن تعدد المخاطبين والمتدخلين العموميين وايضاً محدودية المعطيات المتوفرة بشكل عام .
ولهذا فالجمعيات المغربية تنتظر مراجعة ظهير الحريات العامة وإخراج السجل الوطني للجمعيات والبوابة الوطنية للجمعيات وينتظرون توسيع مجال الاستفادة من امتيازات وضعية الجمعيات ذات النفع العام التي لا يتجاوز عددها بالمغرب حاليا 240 جمعية، والى بلورة نظام خاص بمستخدمي الجمعيات مع عقلنة مصادر التمويل سواء الوطنية أو الدولية.
فالجمعيات رافعة للتنمية في بعدها البشري والاقتصادي والاجتماعي.
مع التنبيه ان كل جمعية لا يتم تشجيعها اداريا لترى النور ولتمارس أنشطتها في واضحة النهار فان اعضائها لن يدوبوا في الطبيعة .فمن يحلموا بفكرة او مشروع لن يتخلوا عنه، ولكم ان تتخيلوا ماهو عدد الجمعيات التي يمكن ان تمارس في النظام غير المهيكل في جنح الظلام في غالب الأحيان .
الأمل معقود على المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي -المنصوص عليه في الفصل 33 من الدستور والمحدث بقانون -ان يكون الفضاء الطبيعي للحوار والتداول في كل ما يهم النسيج الجمعوي مع تقديم توصيات واقتراحات للسلطة التنفيذية حتى تتدارك كل الاختلات سواء المرتبطة بالنصوص او الممارسة .
فبلدنا في حاجة إلى جمعيات مسؤولة وليس إلى نوع جديد من التنسيقيات في المجال الجمعوي كما هو الحال في المجال النقابي.