يمكن القول ان إحساس الخوف من الهجرة سيطر على فرنسا هذه السنة، التي أصدرت قانونا متشددا اعتبره اليمين المتطرف انتصارا أيديولوجيا، وعلى نفس المسار سارت البلدان الاوربية التي صوتت في نفس الأسبوع على ميثاق للهجرة تميز هو الاخر بالتشدد تجاه الهجرة.
لكن ما ميز هذه السنة أيضا بفرنسا هو صدور قانون التقاعد من دون تصويت البرلمان، لعدم توفر ايمانويل ماكرون على اغلبية مطلقة، وبعد عدة أشهر من الاحتجاجات شابها العنف والاعتقالات ضد قانون التقاعد التي تبنته الحكومة من خلال قانون خاص دون تصويت البرلمان.
فرنسا أيضا شهدت في صيف سنة 2023 مقتل الشاب نائل برصاص شرطي بدم بارد، وهو ما أشعل النار واحداث الشغب في الضواحي الشعبية بفرنسا والتي تسكنها الأقليات المغاربية والأجنبية. ويظل الميز وعنف الشرطة في هذه الاحياء التي تسكنها نسبة مهمة من المغاربيين مستمرة رغم مرور 40 سنة على المسيرة من اجل المساواة التي رفض القدماء احياء هذه الذكرى الى جانب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي وجه لهم الدعوة لاستمرار الميز والتهميش وعنف الشرطة، القاتل أحيانا ضد أبناء المهاجرين حسب قدماء مسيرة المساواة.
قانون الهجرة الجديد تضمن الميز في الدعم الاجتماعي ضد الاجانب، رفض حق الأرض، سحب الجنسية، تجريم الهجرة غير النظامية، وهو قانون اعتبره عدد من نواب البرلمان الفرنسي خيانة من الرئيس الفرنسي الذي صوتت عليه المعارضة واغلب الفرنسيين من اجل ان يكون حاجزا ضد زعيمة اليمين المتطرف وضد قيم اليمين الفاشي لكنه، حسب هؤلاء الفرنسيين، تبنى قانونا يتوافق مع قيم هذا اليمين.
الهجرة كابوس وهمي يخيف الفرنسيين
كانت الهجرة احد القضايا التي شغلت الفرنسيين هذه السنة، وما ميز هذا الانشغال هو النظرة السلبية من هذه الظاهرة والخوف بصفة عامة وهو ما يطرح عدة أسئلة، خاصة ان فرنسا تستقبل عددا اقل من اللاجئين والمهاجرين بأوروبا حسب الاحصائيات الاوربية لأرورستات، قانوا الهجرة الجديد والذي اقره البرلمان الفرنسي في هذا الشهر بتصويت اليمين المتطرف عليه، بعد ان قضى 18 شهرا من التجول بين الغرفتين، اعتبر هو الأكثر تشددا في تاريخ فرنسا، وستكون مهمته هي تعقيد حياة المهاجرين بفرنسا والحيلولة دون اندماجهم خاصة الجدد او الذين لا يتوفرون على اقامة قانونية، وعددهم ربما يناهز مليون شخص، حسب التقديرات الغير الرسمية و700 الف حسب وزارة الداخلية، هؤلاء المهاجرون سوف يفقدون المساعدة الطبية لدولة التي يستفيد جزء قليل منها، وهذه الهجرة بدون إقامة تمس عددا كبيرا من المهاجرين من جنسية مغربية، وهو احد المواضيع التي كانت وراء توثر العلاقات بين الرباط وباريس بشكل غير مباشر، هذه الأخيرة التي كانت تعتبر ان السلطات الرسمية بالرباط لا تقبل عددا مهما من الذين يتم ترحيلهم قصريا من التراب الفرنسي. وعلى اثر ذلك تبنت السلطات الفرنسية إجراءات سنة 2022 في أجواء الانتخابات الرئاسية وتم بموجب ذلك تقليس التأشيرات بنسبة 50 في المائة وهو موضوع اضر بالعلاقات واعتبرته النخبة الفرنكوفونية المغربية التي تتردد على باريس إجراءات انتقاميتا وهو ما ترك اثرا سلبية على العلاقات الثنائية.
قانون الهجرة هذا من المنتظر ان يخلق مشكلا لطلبة الأجانب وان يضر بفرنسا كأحد اهم وجهات الطلاب الأجانب بالعالم وهو ما انتبه له رؤساء الجامعات الفرنسية الذين عبروا عن رفضهم لهذا القانون ومطالبتهم بحذفه من خلال بيان لصحافة.
طبعا مجال الهجرة وصدور قانون اعتبره البعض تمييزيا وعنصريا هو مؤشر على انتصار أيديولوجية اليمين المتطرف حتى قبل وصوله الى الحكم بفرنسا، وهو الامر الذي لم تخفيه زعيمة هذا التيار، وهو ما يفتح الطريق لوصوله الى سدة الحكم بفرنسا في الانتخابات المقبلة وهي ظاهرة أصبحت عامة في أوروبا التي أصبحت قارة يغلب عليها سياسيا الانكماش والانطواء على الذات واقفال الحدود وهو ما يفسره البعض بأفول اوربا وتراجع دورا في عالم اليوم على جميع المستويات بالإضافة الى تطبيعها مع الفكر الفاشي.
قانون الهجرة الفرنسي، شهد مساندة اوربية بصدور ميثاق الهجرة الأوربي والذي يعتبر هو الاحر متشددا حسب المنظمات الحقوقية الاوربية ويعقد الوصول الى التراب الأوربي.
العلاقات المغربية الفرنسية
العلاقات المغربية الفرنسية هي الأخرى، مازالت لم تخرج من مرحلة التوتر رغم مؤشرات الإيجابية على إمكانية تحسنها في السنة المقبلة. هذه التدهور مس علاقات كانت تعتبر مثالية ويضرب بها المثل في التفاهم والتعاون على جميع الأصعدة، خاصة ان علاقة البلدين لم تتأثر بمرحلة الحماية كما وقع بين فرنسا وعدد من مستعمراتها القديمة.
لكن تعقد هذه العلاقات وبرودها يرتبط بموقف القيادة الحالية بباريس، من قضية الصحراء المغربية، والعلاقة بالجزائر، وقضايا التجسس بالإضافة الي تدهور العلاقة الشخصية بين قادة البلدين. والتغطية الإعلامية التي قام بها الأعلام الفرنسي لزلزال الحوز، والنظرة الاستعلائية والاستعمارية التي تصرف بها زادت من توثر هذه العلاقات بعد ان كانت على طريق المصالحة. هذا الاعلام الذي لم يستوعب قدرة المغرب على تدبير هذه الازمة بقدراته الذاتية، وحقه في انتقاء بعض أصدقائه للمساهمة في مواجهة هذه الفاجعة.وان يكون بتعبير بسيط بلد دو سيادة يختار شركاءه واصدقاءه.
كما ان قضية التأشيرات واستعمالها ضد المغاربة الراغبين في زيارة فرنسا في خريف 2021 زادت من تعقيد العلاقات الثنائية، وأثارت غضبا كبيرا خصوصا في أوساط الفرنكوفونية بالمغرب. وزادت من اضعاف الحضور الفرنسي بالمغرب على جميع المستويات.
حاليا هناك اقتناع بحاجة البلدين لبعضهما البعض، فرنسا جربت محاولة التقارب مع الجزائر الذي ادخلها في متاهات لا تنتهي، وفقدت في هذه المتاهة شراكتها المتميزة مع المغرب. اليوم يبقى على فرنسا اختيار الشريك الملائم بالمنطقة، وموقف المغرب أصبح قويا بالاعتراف الأمريكي بمغربية الأقاليم الجنوبية، والدعم الكبير للمبادرة المغربية للحكم الذاتي كمبادرة أساسية وأكثر جدية واقعية وهو موقف عدد من البلدان الاوربية نذكر منها اسبانيا، المانيا على الخصوص. وهو الامر الذي لا يترك مجالا كبيرا لباريس التي كانت سباقة في الماضي في دعمها لقضايا المغرب.
وثيرة اللقاءات الرسمية بدأت تتنامى بين مسؤولي البلدين، عينت الرباط سفيرة لها بباريس في شخص سميرة سطايل. موقف فرنسا خلال تدارس مجلس الامن لقضية الصحراء في أكتوبر الماضي كان إيجابيا رغم برود العلاقة بين البلدين. وهي كلها مؤشرات في طريق تحسن العلاقة بين العاصمتين في القريب العاجل.
فرنسا تفقد العديد من البلدان الافريقية
عاشت فرنسا هذه السنة أيضا صعوبات في علاقاتها مع العديد من البلدان الافريقية. فقد انسحبت اخر القوات الفرنسية من النيجر بعد تدهور العلاقات بين باريس ونيامي وأقفلت السفارة بهذا البلد، وهو ثالث بلد من بلدان الساحل تسحب منه فرنسا قواتها بعد مالي وبوركينا فاسو. وهو ما يعكس انحسار نفوذ باريس العسكري بهذه المنطقة بعد حضورها لعدة عقود.
وبعد 10 سنوات بعد انطلاق عمليات سيرفل لمحاربة الحركات الجهادية بمالي والساحل والتي كللت بالفشل ومطالبة هذه البلدان التي شهدت سلسلة من الانقلابات العسكرية بانسحاب هذه القوات. وهو ما قضى على التواجد الفرنسي بالمنطقة ويعتبر فشلا كبيرا لسياسة الخارجية لفرنسا سواء بالساحل او بالمغرب العربي. وهو الوضع الذي استفادت منه منافستها روسيا.
وبعد مواجهة استمرت شهرين مع السلطات الجديدة في نيامي التي ألغت عددا من الاتفاقات العسكرية مع باريس، انتهى الأمر بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الإعلان في نهاية شتنبر عن رحيل القوات الفرنسية من النيجر بحلول نهاية العام.
تحيز فرنسي لإسرائيل في حربها على الفلسطينيين
الفشل الفرنسي بأفريقيا هذه السنة، تلاه فشل اخر، وهو الدعم المطلق الذي عبرت عنه فرنسا لإسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين بغزة، ورغم ان الموقف الفرنسي تطور مؤخرا وطالبات باريس بوقف العدوان الاسرائيلي وبضرورة تجنب إبادة المدنيين خاصة الأطفال والنساء والذين تم إبادة أكثر من 20 ألف منهم حتى الان. فرنسا كانت في وضعية صعبة، فهي لم تتمكن قيادتها من اتخاذ موقف متوازن في حرب الإبادة هذه التي تقوم بها قوات الاحتلال الصهيوني ضد الفلسطينيين. الذين من المؤكد سوف يتأسفون على الموقف الفرنسي وغياب قائد مثل دوغول قادر على ادانة السياسة الاستعمارية والعنصرية لتل ابيب.
كما ان الأغلبية الساحقة لهذا الاعلام تبنت الرواية الرسمية الاستعمارية لإسرائيل وحكومتها الفاشية وجردت الفلسطينيين من انسانيتهم، وكان اعلامها يستضيف عسكريين، اغلبهم لم يشارك في اية حرب من اجل تبرير هذه الإبادة والدفاع عن أطروحة الاستيطان الاستعمارية وابادة المدنيين. بالاضافة الى المراسلين بعين المكان والذين ينقلون ما يقدمه لهم مكتب الاعلام الرسمي لإسرائيل من روايات يومية حول تصوه للحرب.
وهو ما جعل موضوعية واعلام هذا البلد تختفي بشكل نهائي، واختفت العجرفة والاستعلاء الذي يتعامل بهما مع مناطق أخرى من العالم مثل افريقيا، ليتحول هذا الاعلام الى بوق لدعاية الصهيونية بشكلها البدائي والمتخلف، ويقوم بنشر التقارير الصحفية التي تطلب منه، والمواضيع التي يتم اختيارها له.