اختاروا أن يمشوا حفاة إلى ما يعيدهم من ذلك الانكسار الذي فرضه عليهم "الحاقد الأكبر محمد ابراهيم بوخروبة" «الاسم الحقيقي للرئيس الجزائري الهواري بومدين»، في الثامن من دجنبر 1975، حين لم يتوان عن فصلهم عن ممتلكاتهم وأشغالهم وأقاربهم، بقوة حديد المدافع.
إنهم المغاربة المطرودون من الجزائر الذين آمنوا أن ليس هناك أي حق منسي إذا كان وراء طالب ملحاح، وأنه آن الأوان لإفراغ كل تلك الحقائب الممتلئة عن آخرها بالجراح.
إنهم المغاربة المطرودون من الجزائر الذين آمنوا أن ليس هناك أي حق منسي إذا كان وراء طالب ملحاح، وأنه آن الأوان لإفراغ كل تلك الحقائب الممتلئة عن آخرها بالجراح.
مر الآن 48 عاما، أي ما يقارب نصف قرن على تلك «الجريمة»، وما زال الدم ينزف في صدور المغاربة المرحلين قسرا، في عيد «الأضحى»، من بلاد اعتبروها بلادهم الثانية، ومنهم من حمل السلاح دفاعا عنها، ومنهم من لا يعرف له أرضا غيرها. تم حشرهم بوجوه تغطيها الدموع وعقول يغشاها عدم التصديق، في شاحنات خاصة بالبناء ونقل البهائم والمتلاشيات في ظروف أقل ما يقال في شأنها أنها «لا إنسانية». والسبب هو النجاح الكبير الذي حققته المسيرة الخضراء التي أطلقها الملك الراحل الحسن الثاني، والتي شارك فيها ما يقرب من 350 ألف مغربي.
لم يهضم الرئيس الجزائري الهواري بومدين ذلك النجاح الساحق لمسيرة المغاربة، ورأى فيه «إهانة» له، ولجيشه، ولأطماعه الأطلسية. لم يتوقع أن يحقق المغرب ذلك الأثر دون إطلاق رصاصة واحدة ضد إسبانيا لاسترجاع صحرائه، فانتهى به الحقد إلى الرد بـ «مسيرة كحلاء» نكاية في المغرب، وذلك بصنع «محنة اجتماعية» للملك الراحل الحسن الثاني، ومحاولة سحق «مسيرة المغاربة نحو صحرائهم» بجريمة فظيعة غير متوقعة في حق مدنيين عزل إلا من حبهم للجزائر التي أقاموا فيها وأسسوا عائلات وأصبحوا جزءا لا يتجزأ من شعبها.
جراح غائرة ما زالت تنخر صدور هؤلاء المغاربة المرحلين بالقوة من الجزائر، خاصة أنهم خسروا كل شيء «ممتلكاتهم المنقولة والعقارية التي تقدر بالملايير»، وشِيءَ لهم، في ظل الفورة الحقوقية على المستوى الدولي، أن يستمروا في تلقي السياط، وأن يواجهوا الرعب الذي عاشوه بتجاهل الحق سلاحا ضد دولة الغاز والعسكر؛ وهو أمر غير مقبول على الإطلاق؛ ذلك أن هذا الحق لا ينقاد إلى التقادم ولا يسقط به، مما يستدعي بالفعل اتخاذ مجموعة من الخطوات والإجراءات لإنهاض هذا الملف من غفوته غير المفهومة، وذلك بالعمل على:
- إنهاء حالة التشتت التي تعيشها الجمعيات المدافعة عن المغاربة المطرودين من الجزائر، والتي تمثل 45 ألف مغربي كانوا يستقرون بشكل قانوني في الجزائر منذ القرن التاسع عشر، وتنظيم مؤتمر دولي تحت اسم «العدالة للمغاربة المطرودين من الجزائر» تشارك فيه كل الجمعيات التي تناضل من أجل هذا الملف.
- توحيد ملف تعويض المتضرّرين من قرار التّرحيل، وتدقيق وإحصاء وجرد ممتلكاتهم المنقولة والعقارية (بيوت، عقارات، محلات تجارية، حسابات بنكية، حقول..إلخ)، والتي تقدر بالملايير (حوالي 40 مليار دولار، حسب بعض التقديرات)؛ وذلك بتشكيل لجنة لإدارة مشروع حصر «الممتلكات المغربية في الجزائر».
- وضع استراتيجية واضحة من طرف الدبلوماسية المغربية في تعاطيها مع الموضوع.
- المساهمة في إنعاش هجوم الدبلوماسية المغربية في المحافل الدولية في علاقتها بهذا الملف الإنساني، عبر رفع الجرعات في الترافع عنه لدى المنظمات الحقوقية الدولية، وأيضا لدى المؤسسات الديمقراطية التابعة للدول الصديقة.
- أرشفة وتوثيق عملية الطرد (عبر الصور والشهادات والربورتاجات والأفلام الوثائقية)، على النحو الذي يجعل المؤثرين في القرار الحقوقي الدولي يتبنون هذا الملف من زاوية أنه يشكل انتهاكا صارخا للاتفاقيات والأعراف الدولية من طرف الجزائر.
- توظيف ورقة المطرودين الذين يعيشون بأوروبا، والذين يملكون دلائل قوية تدين النظام العسكري الجزائري، في المحافل الأوروبية، وخاصة منها البرلمان الأوروبي، وتطوير آليات التواصل والاحتجاج من طرف جمعيات الضحايا داخل وخارج المغرب.
- مواجهة التضليل الجزائري، حقوقيا وإعلاميا، خاصة أن عسكر قصر المرادية يسخر فيالقه الاسترزاقية، كلما انتهى إلى علمه أن المغاربة المطرودين يعتزمون مقاضاتهم، للترافع، زورا وبهتانا، عن ممارسة الرباط لضغوط لطرد الجزائريين المقيمين في المغرب.
- فتح قنوات التواصل مع المنظمات الحقوقية والأحزاب السياسية الجزائرية التي لا تدور في فلك عصابة العسكر الجزائري، وأيضا مع الأقارب الذين تركوا هناك، لخلق رأي عام يساند عدالة القضية.
- الدفع في اتجاه إقرار قانون يوجب تضمين جميع قرارات عودة العلاقات الديبلوماسية بين المغرب والجزائر "تعويض المغاربة عن فقدان ممتلكات في الجزائر". وهو ما يعني تبني الدولة المغربية لهذا الملف والدفاع عنه في مختلف المحافل الدولية، الأممية والافريقية والعربية والاسلامية.
- المرافعة حقوقيا وقضائيا أمام المنظمات الدولية، وخاصة اللجنة الأممية لحقوق الإنسان، من أجل استرداد حقوق ممتلكات وفوائد التأخير لهؤلاء المغاربة المطرودين التي قدرت من طرف خبراء دوليين بأكثر من 40 مليار دولار.
- رفع دعاوى قضائية في الجزائر نفسها لاستعادة أملاك المغاربة المطرودين، ومطالبة الدولة الجزائرية بتقديم تعويضات عن المساس بحقوق المتضررين وأملاكهم المادية والعقارية، خاصة أن الجزائر انضمت سنة 1989 إلى العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية الذي يتضمن الحفاظ على أملاك الأجانب في حالة الحرب والنزاعات.
- حث المتضررين على رفع الملف إلى الهيئات القضائية الدولية، ومؤسسات القانون الدولى، والمطالبة بالتعويض المضاعف عن معاناتهم المعنوية، وعن ممتلكاتهم وحقوقهم التي تركوها في الجزائر.
لقد قامت جمعية المغاربة ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر، حتى الآن، بعمل جبار لدى المنظمات الحقوقية الأممية، وكان تحركها خاليا من أي "إسناد حكومي رسمي" يدفع بالملف إلى أقصاه، خاصة أن الفعل الحاقد والحقير للرئيس الجزائري الهواري بومدين كان موجها بالأساس إلى الدولة المغربية. غير أن التطورات الحقوقية الراهنة، على المستوى الدولي، ونضج الملف وتوفر جماعة ضاغطة تدافع عنه، تفرض على الجهات الرسمية الوطنية أن تبادر إلى تبني الملف حقوقيا وديبلوماسيا، وأن تعمل على إسماع صوت المتضررين في المحافل الدولية، والضغط بهذا الملف العادل على عصابة الجزائر من أجل الاعتراف بجريمة الدولة الجزائرية النكراء في حق مغاربة لا ذنب لهم إلا أنهم يحملون الجنسية المغربية، وشاءت لهم روابط الأخوة والعروبة واللغة والتاريخ والدم أن يكونوا جزءا من شعب الجزائر، لكنهم دفعوا الثمن غاليا حين سلبت منهم كرامتهم وممتلكاتهم.
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية" الوطن الآن"