هل يراهن بنموسى ومعه الحكومة على الاقتطاع من أجور الأساتذة المضربين لإسقاط الاحتجاج؟
حسم وزير التربية الوطنية، شكيب بنموسى، أمره في الإصرار على توسيع دائرة احتجاج الأساتذة، وتشغيل المزيد من المداخن حول الحوار المزعوم الذي قالت الحكومة إن بابه ما زال مفتوحا. فقد وجه يوم الاثنين 13 نونبر 2023، مذكرة إلي مدراء الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين لا تعني إلا شيئا واحدا، ألا هو الشروع في تنزيل النظام الجديد المثير للجدل، في وقت يطالب فيه رجال ونساء التعليم بسحبه ومراجعته وتجويده.
إقدام بنموسى رجل "النظام الأساسي الجديد" ووزير الداخلية الأسبق والسفير السابق والمشرف الأول على وضع "النموذج التنموي الجديد" الذي يراهن عليه المغرب من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية وتحقيق الرفاه الاجتماعي، لا يمكن تفسيره إلا بخروج الحكومة من "الأزقة الملتوية" باختيارها الانغماس في الأزمة ووضع البلاد على الحواف، دون الارتداد إلى الخلف قليلا من أجل تدبير الأزمة على النحو الذي يرضي جميع الأطراف. فهل يمكن لمسؤول حكومي أن يسحق، بدافع الغضب، قطاعا حيويا يمس، أولا وأخيرا، الأجيال القادمة، علما أنه المسؤول نفسه الذي تحرك المغرب، بكل مؤسساته السياسية والحزبية والمدنية والاقتصادية والعلمية والجامعية، لتيسير مهمته في هندسة «النموذج التنموي»؟ هل يمكن لمسؤول من هذه العيار أن يختار «المقاربة العضلية» و«الحوار السائل» لتحقيق الفوز الوهمي على الأساتذة؟
فهل يراهن بنموسى، ومعه الحكومة، على الاقتطاع من أجور الأساتذة المضربين لإسقاط الاحتجاج؟ هل الاقتطاع هو الطريقة الأنسب لتكبيل أذرع رجال التعليم التي تريد الحركة، خاصة أن أسر التلاميذ بدأت تصاب بتفاد الصبر، بل شرعت في القيام بمجموعة من الوقفات الاحتجاجية؟ عل توسيع رقعة الاحتجاج طريقة في تدبير «الأزمة» تعبر عن رأي الحكومة؟
لقد وعد رئيس الحكومة عزيز أخنوش، عقب لقاءاته مع ممثلي النقابات التعليمية، باستئناف الحوار لنزع فتيل الأزمة داخل قطاع التعليم، غير أن إصرار بنموسى على وضع قيد «نظامه الأساسي» في رقبة الأساتذة يعني أن «الحوار مغشوش» ولن يسفر عن أي تغيير منصف، خاصة أن هؤلاء يصرون، أولا، على إسقاط «النظام الجديد، بدل تفسيره أو شرحه، قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات. الأمر الذي دفع هؤلاء «التنسيقيات والنقابات» إلى الإعلان عن خوض احتجاجات ووقفات جديدة للأسبوع الرابع على التوالي.
إن الحوار الذي يطالب به الأساتذة لا يحتاج إلى الاحمرار والإثارة والرهان على الزمن، بل إلى إنصات والتعبير عن حسن النية للتجاوب مع المطالب وتجاوز الاحتقان، خاصة أنهم ظلوا، لمدة سنتين، ينتظرون «نظاما أساسيا»، عادلا ومنصفا وغفيرا بالإصلاحات. والحال أنهم كانوا فقط أمام صف طويل من الكلام المحمل بالوعود. ذلك أن رئيس الحكومة نفسه لم يجد غضاضة، وهو يعتمر قبعته الحزبية، في تقديم وعده لهم بزيادة قدرها 2500 دهـ في أجورهم!
على أخنوش، إذن، الاعتراف بأنه انحدر كثيرا في «إنتاج» أزمة لا طائل منها مع رجال التعليم. فهذا الملف المجتمعي الدقيق تعوزه الأناقة السياسية، وتحكمه أهواء «القوة» و«الحزم» مع المطالب الاجتماعية لرجال التعليم. ألم يعدهم بالزيادة في الأجور؟ ألم يستقلل الزيادة في أجورهم واعتبرها، أثناء الحملة الانتخابية لحزبه، لا تشكل أي عبء يذكر على ميزانية الدولة؟ فلماذا يتنصل من وعوده، مصرا على رمي كرة النار، تارة في حجر شكيب بنموسى، وتارة أخرى، في حجر يونس السكوري «وزير التشغيل»؟
إن الحكومة، في ما يظهر، لا تعبر عن قوة التأثر، ولا عن صراحة الحزن من فداحة الأزمة الحالية وانعكاساتها الوخيمة على المنظومة التعليمية، ذلك أن الوزراء «المقحمين إقحاما» في الملف ليسوا بحاجة إلى النظر إلى أزمة التعليم بعدسات مكبرة. فخروج آلاف رجال التعليم إلى الشارع يجعلهم المسؤولين الحكوميين تشتبكون مع الأزمة بأذرع طويلة.
كل المؤشرات تقول الآن إن بنموسى أصبح عدوا نفسه، وأن «حقيبة» التعليم توشك أن تسقط من يده، خاصة أنه أغلق عينيه وأذنيه ومضى في إقرار استجابة فورية للنظام الجديد، دون تحسب لوقوع المحظور، والسير الحثيث نحو سنة بيضاء! فمن نصدق الحكومة التي ترد بحماس شديد على أن الحوار مفتوح، بينما تؤكد أنها حريصة على تنفيذ الاقتطاع من الأجور! أم الأساتذة الذي يقولون إن وعود الحكومة تفوح منها رائحة الثعالب، وألا سبيل إلى الحوار الحقيقي سوى الاستمرار في الإضراب إلى غاية إسقاط النظام الأساسي؟
لقد أثبت بنموسى أنه لا يملك لا القوة، ولا القدرة على إدارة الأزمة، وإقناع رجال التعليم ونسائه بالتراجع عن التصعيد والاستمرار في الإضرابات والوقفات الاحتجاجية. كما أثبت التعامل الحكومي مع الأزمة أن العدو الأساسي للحوار هو «التغول» والتمادي في استعراض القوة، والحال أن الحكومة مدعوة إلى الانخراط بشكل تام في تدبير الأزمة وإنهاء أسبابها بسحب النظام الأساسي الجديد وتعليق العمل به، والشروع في الحوار الجدي والتشاركي مع ممثلي النقابات والتنسيقيات من إجل إيجاد حلول متوافق حولها، بدل إطلاق ألسنة بعض الوزراء الحمقى لإذكاء الفتنة وصب النار على الزيت، والانزلاق نحو إنتاج بؤر احتجاجية كبيرة، لا تنحصر في رجال التعليم، بل تتجاوز ذلك إلى آباء وأولياء تلاميذ المدرسة العمومية، وقد تشمل المجتمع برمته، خاصة أن الاحتجاج أصبح مفتوحا على جميع الاحتمالات، ومقرونا بإرادة حكومية تسمح بتعليق «النظام الأساسي» وإطلاق جولة حوار جديدة.
إن النهج السليم للجلوس إلى طاولة الحوار ليس هو ذلك الالتزام بعدم الاستجابة الذي يغوي بعض الوزراء، ويغذي إحساسهم بالوجود الصارم وقوة الشخصية السياسية، بل أساسا وضع مصلحة المغاربة فوق جميع الاعتبارات، والعمل على إبداع الحلول على أساس تشاركي عادل، وهو الشيء الذي يعوز هذه الحكومة..
تفاصيل أوفر تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية " الوطن الآن"