أشارت مختلف الإعلانات والبلاغات والمقالات إلى الاجتماع المشترك لمجلسي البرلمان "لتقديم السيد رئيس الحكومة لتصريح حول الدعم الاجتماعي المباشر"، مع ربط هذا الاجتماع بالفصل 68 من الدستور.
وأعتقد أن هذا التصريح، فرصة لفتح مناقشة سياسية ودستورية حول هذه الممارسة، وذلك قصد تدقيق المصطلحات والمفاهيم المستعملة في الدستور من جهة، والابتعاد عن الممارسة الإشهارية للسياسة العامة للحكومة في المجال الاجتماعي، ومجهوداتها في تنفيذ التوجيهات الملكية الوزارة بخطاب افتتاح السنة التشريعية يوم 13 أكتوبر 2023، دون فتح المجال أمام مك نات البرلمان، لإبراز وجهة نظرها.
وهكذا، سنعالج في البداية انفراد الحكومة بالإشهار لنفسها، رغم أن الأمر يتعلق بورش ملكي من حق الجميع تثمينه (أولا)، قبل معالجة مدلول الجلسات المشتركة لمجلسي البرلمان وفق الدستور (ثانيا)، ومضامين هذه الجلسات (ثالثا)، والوضعية الدستورية لتصريحات رئيس الحكومة ضمن العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية (رابعا)، ثم الطابع السياسي للتصريح وتمييزه عن "تقديم بيانات" (خامسا).
أولا، إن مضمون "تصريح" رئيس الحكومة، يعتبر في جوهره، برنامجا تنفيذيا للورش الملكي للحماية الاجتماعية، بالتالي من حق جميع مكونات الأمة تثمينها، وليس الحكومة لوحدها. إن تقديم "تصريح" من قبل رئيس الحكومة لا يُمكن من هذه الزاوية إلا اعتباره استئثارا بمشروع ملكي يحق حتى للمعارضة الافتخار به من خلال منحها الكلمة لإبراز وجهة نظرها، خاصة وأن "التصريح" تم بثه مباشرة على أمواج الإذاعة والتلفزة، مما يُعطي الانطباع للفئات المستهدفَة أن الفضل في هذه المكتسبات يرجع، بعد الملك، للحكومة لوحدها.
إن المعارضة البرلمانية، هي أحد مكونات البرلمان وفق دستور 2011، ولا يُمكن إقصاؤها من الإدلاء بوجهة نظرها في ورش الحماية الاجتماعية، الذي هو ورش ملكي بامتياز، تتساوى أمامه الأغلبية والمعارضة.
إن الفصل الأول من دستور 2011، بل وكل الدساتير السابقة، كانت تحدد طبيعة نظام الحكم بالمغرب على أنه نظام ملكية دستورية ... واجتماعية، وبالتالي فمن المهم جدا ترسيخ الطابع الاجتماعي للملكية، حتى لا يبقى هذا الورش عرضة للمزايدات الانتخابية والسياسوية.
ثانيا، باستقراء الحالات المتعلقة بالجلسات المشتركة لمجلسي البرلمان، الواردة بالفصل 68 من الدستور، يتبين أن عددها هو 5 حالات، وهي كما يلي:
- افتتاح الملك للدورة التشريعية في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر، والاستماع إلى الخطب الملكية الموجهة للبرلمان؛
- المصادقة على تعديل الدستور وفق أحكام الفصل 174؛
- الاستماع إلى التصريحات التي يقدمها رئيس الحكومة (Les déclarations)؛
- عرض مشروع قانون المالية السنوي؛
- الاستماع إلى خطب رؤساء الدول والحكومات الأجنبية.
ويضيف الفصل "كما يمكن لرئيس الحكومة أن يطلب من رئيسي مجلس النواب والمستشارين عقد اجتماعات مشتركة للبرلمان، للاستماع إلى بيانات تتعلق بقضايا تكتسي طابعا وطنيا هاما (La présentation d’information)".
إلا أن الملاحظ، هو أن كل حالة من هذه الحالات، مرتبطة بفصول أخرى من الدستور تحدد طبيعة أو مضمون أو مجال الاجتماع بتفاصيل أكثر.
ويبقى السؤال مطروحا بخصوص مضامين هذه الاجتماعات المشتركة، بما فيها المقتضيات الدستورية التي تنظم "التصريحات" التي يقدمها رئيس الحكومة؟
ثالثا، فبخصوص تفاصيل الاجتماعات المشتركة لمجلسي البرلمان، نُلاحظ أنها تتعلق بما يلي:
فبالنسبة للملك، يتعلق الأمر بجلسات الافتتاح الواردة بالفصل 65، والخطاب الموجه للبرلمان الوارد بالفصل 52؛
وبالنسبة لجلسات تعديل الدستور، يلزم الرجوع للفصل 174 الذي حدد نوعية التعديل ومسطرته؛
كما أنه بخصوص قانون المالية السنوي، يتطلب الأمر الرجوع للفصل 75 المتضمن لمختلف تفاصيل القانون المالي؛
لكن، ماذا عن "تصريحات" رئيس الحكومة؟
رابعا، إن استقراء مختلف فصول الدستور ستجعلنا نقف أمام الفصل 103 الذي يعالج موضوع التصريحات،والذي ورد في إطار "العلاقات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية".
غالأمر يتعلق بالفصول التالية:
- الفصل 100، المتعلق بالأسئلة الأسبوعية وأسئلة السياسة العامة الشهرية؛
- الفصل 101، حول الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، والجلسة السنوية لتقييم السياسات العمومية؛
- الفصل 102، المخصص جلسات الاستماع لمسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية من قبل اللجان؛
- الفصل 103، المنظم لربط رئيس الحكومة، مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها، بتصويت يمنح الثقة بشأن "تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة، او بشأن نص يطلب الموافقة عليه"؛
- الفصل 104، جول حل مجلس النواب من قبل رئيس الحكومة، وتقديم "تصريح يبين فيه دوافع قرار الحل وأهدافه"؛
- الفصل 105، المتعلق بتقديم ملتمس الرقابة من قبل مجلس النواب قصد إجبار الحكومة على تقديم استقالتها؛
- الفصل 106، المتعلق بتقديم ملتمس مساءلة من قبل مجلس المستشارين.
خامسا، عودة إلى الفصل 103 نجد أنه يتضمن نفس مسطرة منح الثقة للحكومة عند تقديمها للبرنامج الحكومي (الفصل 88)، ونفس مسطرة التصويت على ملتمس الرقابة (الفصل 106)، وما يفهم من هذه المقارنات، أن تقديم "تصريح" ينبغي أن يتم في هذا السياق، أي سياق مراقبة البرلمان للعمل الحكومي. وباختصار يتعلق الأمر بممارسات ذات طابع سياسي محض، لا علاقة لها بتقديم "تصريح" في شكل عرض.
إن عملية سياسية من هذا النوع، فرصةٌ لنقاشٍ سياسي، وليس للاستماع إلى تصريح "جامد"، كان من الممكن توزيعه بشكل موسع في شكل كتابي على كل الرأي العام، برلمانا وسائل إعلام، بل والقيام بحملات تحسيسية واسعة تتناسب مع المستوى التعليمي للفئات الهشة المعنية بهذا الدعم الاجتماعي. كما أن اللحظة، بهذا المدلول السياسي، فرصة للحكومة لإبراز مدى استمرار تماسك أغلبيتها، وفرصة للمعارضة لتوضيح وجهة نظرها في موضوع يهم كافة مكونات الأمة.
وأخيرا، أعتبر أن "التصريح" المقدم من قبل رئيس الحكومة ليس له أي سند صلب.
فمن حيث الشكل، كان من الأفضل الابتعاد عن استعمال تقنية "التصريح" كما شرحناها أعلاه، وكان من الأفضل استعمال صيغة "تقديم بيانات"، حيث أنه يمكن لرئيس الحكومة، وفق الفصل 68 نفسه، دعوة مجلسي البرلمان لجلسة مشتركة، ولكن ليس لتقديم تصريح، بل لتقديم بيانات تتعلق بقضايا تكتسي طابعا وطنيا هاما (La présentation d’information)". وسيكون لذلك وقْعٌ أكبر لو تم فتح المجال أمام نواب الأمة، أغلبية ومعارضة، لمناقشتها؛
ومن حيث المضمون، فإن الأمر يدخل فقط في إطار ممارسة إشهارية، قامت بها الحكومة لنفسها، في سياق سياسي معين، لإبراز سياستها العامة في المجال الاجتماعي، ومجهوداتها في تنفيذ التوجيهات الملكية الوزارة بخطاب افتتاح السنة التشريعية يوم 13 أكتوبر 2023.
بن يونس المرزوقي،أستاذ القانون الدستوري،كلية الحقوق وجدة