المتأمل في حركية الشعب المغربي العظيم، وتفاعله الإنساني الرائع مع الأحداث الأليمة التي خلقها الزلزال المدمر، المتأمل في ما جرى، لا يملك إلا أن يطرح السؤال تلو الآخر عن سر هذا الشموخ المبهر الذي يسر الناظرين، ويمتع السامعين، ويحير المتتبعين، بَيْدَ أن كثيرا من علامات الاستفهام سيزول إذا علمنا أن الحس التضامني متأصل لدى المغاربة عبر التاريخ، فأجدادنا كانوا يتقاسمون كل شيء، حتى إن الموسر منهم كان، وقت الجفاف، يوزع القمح والشعير على المعسرين، في انتظار جني المحصول، واسترجاع ما قدمه دون زيادة، بالإضافة إلى اجتماعهم لمؤازرة منكوب أو مساعدة مصاب، أو تقديم العون لفقير، داهمه مرض، أو حلت به مصيبة.
ثمة سبب آخر، ساهم في رسم لوحة الكرم الحاتمي المغربية بأناقة كبيرة، يتمثل في طبيعة المنكوبين من أهل المناطق الجبلية، هؤلاء طيبون إلى أبعد الحدود، كرماء إلى حد الخيال، قد لا يملك أحدهم إلا دراهم معدودات، لكن فطرته السليمة تأبى عليه أن يتخلى عن استضافتك وتقديم أعز ما يملك من طعام إليك.
طبعي، والحالة هذه، أن يقيد الله لهؤلاء الطيبين من يغيثهم ويسعفهم، لاشك أن بين كثير منهم، وبين الله خبيئة، جعلته سبحانه يلين القلوب ويوجهها تجاههم.
يقال إن الخير قد يكون كامنا في الشر، وها نحن نشاهد ملحمة خيرٍ تُرسم بأيادي المغاربة، لتمحوَ شر الزلزال، وما كان لهذا الخير أن يصل إلى المستوى الذي وصل إليه لولا أن المنكوبين قدموا كثيرا من النبل والإنسانية في رخائهم النسبي، فوجدوا بعضا مما بذروه في شدتهم هذه.
هذه عبرة لنا جميعا، إخوتي وأحبتي، لنكن أخيارا كرماء، وليكن عندنا اليقين التام أن خيرنا هذا هو استثمار، سنجني أرباحه عاجلا وآجلا، تذكروا قول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء"