الخميس 6 فبراير 2025
مجتمع

حبيبي: من المستفيد من الحملة ضد وقار الموت وضد تقديم وجبة "الكسكس" في طقوس العزاء؟

حبيبي: من المستفيد من الحملة ضد وقار الموت وضد تقديم وجبة "الكسكس" في طقوس العزاء؟ طقوس العزاء بالمغرب.. منظومة عرفية صمدت لقرون في وجه الحملات
كلمة أولية في مابلغنا من "منع طقوس العزاء "بدعوى " حماية أهل المتوفين من مصاريف" قد لا يتحملونها... يقول الأمازيغ في رمزية الطعام:
"أور يكي اطْعام إحْلاّل ..قن أذي وث اوناّ يخظان"
الترجمة: "ليس الطعام كذبا..قد يصيب كل من تجرأ المس به"
كيف يمكن القبول بمنع "عادة العزاء "بقرار جماعي كما تم نشره وتداوله، قرار يهم جماعة تنتمي لمنطقة بولمان بالأطلس المتوسط... القرار الذي آثار ردود أفعال متباينة في الغالب خجولة ومسايرة، وخاصة من لدن المقربين من هذه المنطقة، أعني بعض سكان الأطلس المتوسط..
المستهدف في العملية هو "الكسكس" أي الأكل خلال مراسيم العزاء.. يعني أن الطعام هو المتهم الرئيسي في هذه النازلة لهذا ينبغي للعزاء أن يكون "جافا" "حسبيا"، كما يقول المغاربة .. يختصر في كلمات باردة على غرار:"عظم الله الأجر" ومع السلامة "، أو "الله إرحم من زار وخفف". وذلك بدعوى أن أهل "الميت" لا يمكنهم توفير الأكل للمعزين، والتكفل بكل من أتى من بعيد، كان من الأهل أو من المعارف أو من القبائل المجاورة... 
الهدف هنا هو تبديد عرى التواصل والإتصال التي دوما ما كان "الطعام" هو القانون الضابط لها.. 
رمزية الطعام في الأطلس المتوسط وغيره من مناطق المغربية، ذات عمق ثقافي متجذر في العقلية والنفوس حيث زادته العقيدة قوة وشرعية... لهذا نجد عادة تقديم الطعام ليست مجرد عملية "تناول للكسكس" فقط، فبقدر ماهي خبرة متوارثة تهدف إلى إعادة ضبط العلاقات على عقارب الزمن القبلي العرفي العميق، بقدر ماهي مناسبة لتجديد التأكيد على متانة الروابط وعمقها ودوامها رغم الشدائد والأزمات والطوارئ المالية وغيرها من المتغيرات الزمنية والاجتماعية، وإلا ستنقرض كل العادات بحكم  سيطرة منطق "الحاجة" و"قلة الحيلة"، أي منطق الرأسمالية والأنانية الفردية التي تصاحبها الرغبة الدفينة في القضاء على كل الروابط الرمزية بين المغاربة التي لا يمكن لأي إيديولوجية مستوردة أن تستوعب فحواها أو أدوارها المفترضة...لأنها وليدة التاريخ المحلي والشعور الجماعي والتشريع العرفي غير المدون...
حينما حرّم بعضهم مصاحبة الجنازة بترديد  الشهادة الإسلامية "لا إله إلا الله محمد رسول الله" بدعوة أنها بدعة وغير واردة في السنة النبوية، لاحظنا أن المشيعين وجدوا أنفسهم يملؤون هذا الفراغ بأحاديث هامشية بينهم، لا علاقة لها بجلال الموت وهيبته، بل قد تسمع أحاديث لها علاقة ب "البارصا" و"ريال"، وكأنك في مقهى وليس في موكب جنائزي مهيب .. ولا أحد احتج عن هذا الانحراف الذي أفقد الموت وقاره وجلاله.. الأمر فيه تصفية عادات متأصلة في الوجدان المغربي: تارة بدافع ديني وتارة بدافع "عقلاني براجماتي"'، وبينهما سيضيع رأسمال رمزي اللامادي من المفروض حمايته وتطويره وتطهيره من الشوائب، بدل اتخاذ قرارات انفعالية قد تسبب مبررا للإجهاز على كل المنظومة العرفية التي صمدت لقرون في وجه الكثير من الفتاوي والتلوينات المختلفة وكأننا نشرع للجرائم والجنح المضرة بالناس والممتلكات...
ليست كل التقاليد سلبية، كما أنها ليست بالضرورة إيجابية، لكنها تظل مرآة فيها نتعرف على بعضنا البعض، وفيها نعيد اكتشاف هويتنا وخصوصيتنا وتفردنا عن باقي الجماعات والأمم..إذا كانت هناك عيوب فيجب إصلاحها بدل قتل العادة كلهاا..