قال الله تعالى " أم حسبتم أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ".
قد تعتقد أن الشخص له درجة متقدمة من الوعي، فيبدو لك أنه يعمل عقله في كل ما يقوم به، ويحتكم إلى ضوابط المنطق. بيد أنه عندما ترى بالواقع الملموس سلوكاته وطريقة تعامله مع نفسه ومحيطه، تجده أقرب طبيعة إلى المخلوقات غير البشرية التي تنساق وراء غريزتها البهيمية.
فصحيح أن الغرب شهد منذ زمن النهضة الأوروبية تقدما مضطردا أوصله إلى الوضع الراهن. وقد بدا وكأن هذا التقدم أتى معه بكل أسباب السعادة والعيش السهل. إلا أن ما بتنا نشاهده ونسمعه من أخبار وحقائق، هو أن المجتمع الغربي يساق تدريجيا نحو حياة من نوع جديد، إذ راح الكثيرون منه ينقبون عن راحة نفسية لم يحالفهم الحظ للعثور عليها وملامستها بفضل التطور التكنولوجي. فقد تأكد لهم أن الحياة المادية ليست السبيل من أجل تحقيق السعادة واكتساب السكينة المفقودة. ولذلك وجدت شرائح مهمة منهم ضالتها في الهروب من نمط العيش الحالي وتجريب أسلوب الحياة البهيمية. وهذا ما أدى إلى تفشي " ظاهرة الحيونة البشرية ".
لقد أصبح بعض الأشخاص في الغرب يتقمصون دور كلب أو خنزير، حيث تخلوا عن وضعهم الاجتماعي ووظائفهم وحياتهم الأسرية، وفضلوا العيش كحيوانات، فتجد الشخص يضع نفسه رهن إشارة شخص آخر بمقابل أو مجانا ويعيش معه كأنه كلب أليف، فيتصرف تصرف الكلاب ويلبس لباسها ويأكل أكلها وينام حيث تنام. وقد تنامت الظاهرة حتى أصبحت بعض البلدان تأوي عشرات الآلاف من مثل هؤلاء، وسنت القوانين لحمايتهم، كما عملت جمعيات المجتمع المدني على مساندتهم.
وإن كنا لا نعيش هذه الظاهرة داخل مجتمعنا بالشكل نفسه، فإننا منذ زمن ليس بالبعيد، كنا قد دخلنا إلى مرحلة " الحيونة البشرية " ولكن بأسلوب مخالف.
أليست سلوكات الكثير من أفراد مجتمعنا أقرب إلى السلوكات البهيمية؟ ألم نعد نتعامل مع بعضنا البعض في غياب تحكيم العقل والمنطق؟ أليس المسؤول الإداري الذي يتمادى في جعل أمر الرشوة أمرا عاديا كالضاري المفترس؟ أليس المطففون ذئابا خادعة؟ أليس البائعون الغشاشون ثعالب ماكرة؟ أليس النمامون والمغتابون كالحرباء التي تغير لونها مرات ومرات في اليوم الواحد؟ أليس مثل هذه السلوكات دليلا على أننا نعيش مرحلة " حيونة بشرية "؟
فإذا كان الغرب يأمل من وراء تجربة عيش حياة الحيوانات الهروب من الحياة المادية، فإن الكثير منا يعيش عيش الدواب بحثا عن حياة مادية أبانت عن فشلها بالنسبة للغرب.
إن حيونة المجتمعات في الوقت الراهن، رغم تباين طرقها وأساليبها، تدل بكل تأكيد على الفراغ الروحي والابتعاد عن القيم الأخلاقية والدينية. فكلما تزايد الابتعاد تزايدت درجة الحيونة وأصبح العالم غابة تحكمها القوانين البهيمية.