الخميس 6 فبراير 2025
كتاب الرأي

صافي الدين البدالي: الريع الاقتصادي والفساد.. أية علاقة؟؟

صافي الدين البدالي: الريع الاقتصادي والفساد.. أية علاقة؟؟ صافي الدين البدالي
من المعلوم أن اقتصاد الريع حسب تعريف مجموعة من الباحثين الإقتصاديين هو "الحصول على "ثروة" أو منصب أوامتياز، يضمن مداخيل جزافية قارة دون أن يكون مقابل ذلك أي واجب يذكر، أو جهد فكري أو جسدي. وغالبا ما تتجلى هذه الامتيازات في رخص النقل البري والصيد البحري في أعالي البحار أو المقالع الرملية أو أراضي مخزنية أو رخص بيع الخمور أو مناصب عليا. وإن  المستفيد من تلك الامتيازات دون غيره، غالبا ما تكون له قرابة بالحاكم أو بأصحاب القرار والنافذين في الدولة. وتعطى هذه الرخص أو الامتيازات لأشخاص بطرق ملتوية لاعتبارات غير معروفة تجعلهم يحققون مداخيل مالية مهمة ترفع من مستوى ثرواتهم حتى أصبحوا يشكلون لوبيا خطيرا على الاقتصاد الوطني.
إن تفشي ظاهرة اقتصاد الريع تجد سبيلها في غياب المساءلة والمحاسبة وفي غياب ديمقراطية حقيقية، إذ تجد عددا كبيرا من كبار موظفي الدولة يحتلون مواقع اقتصادية استراتيجية تدرعليهم الملايير ويصبحون بين عشية وضحاها من كبار الأثرياء. ويشمل النشاط الريعي مختلف أشكال المداخيل الطفيلية والهجينة غير الناجمة عن استثمار رأسمالي أو عن عمل، وهي مداخيل ريعية مرتبطة بالأساس بطبيعة النظام الاقتصادي والاجتماعي القائمين في البلاد. إن مختلف مداخيل الأنشطة الريعية لا تساهم إلا في خنق الاقتصاد الوطني وفتح الباب للفساد المالي والاقتصادي.
 إن اقتصاد الريع بالمغرب، ارتبط منذ زمن بعيد بالامتيازات التي تمنحها الدولة على شكل رخص استغلال المقالع الرملية أو لاكريمات النقل أو استغلال المناجم أو الصيد في أعالي البحار أو منح رخص الاستيراد والتصدير. ولم يعرف المغرب حكومة تضع حدا للريع الاقتصادي لما يشكله من عرقلة على مستوى النمو والتقدم. وقد انتظر المغاربة حكومة أخنوش، التي قالوا عنها إنها حكومة الكفاءات. واعتقد الجميع بأنها ستكون الحكومة التي ستقطع مع الفساد ومع اقتصاد الريع والقطاع غير المهيكل من أجل تنزيل المشروع التنموي تنزيلا صحيحا. لكن سرعان ما تحولت إلى حكومة ترعى الفساد واقتصاد الريع. وسرعان ما أظهر الواقع عدم مصداقية الكفاءات الحكومية. لأن الكفاءة ليست هي الشهادة العليا أو تجربة تسيير شركة، بل هي قدرة  الشخص على القيام بعمل فيتم وتجويده واتقانه ليصبح عملا  متميزا  قابلا للتصرف وللتصريف.
والكفاءة هي القدرة على تدبير الموارد المالية والبشرية من أجل تحقيق نتائج أكثر إيجابية بقليل من التكلفة، وتحويل التراكم السلبي للحياة العامة للمجتمع في البلاد إلى تراكم إيجابي لها، وكذلك حماية الوطن من نزيف ثرواته الطبيعية، البرية والبحرية والغابوية ومن اختناق اقتصاده وماليته بوجود ظاهرة الأنشطة الريعية.
فحكومة الكفاءات لا يمكنها جهل أو تجاهل هذا النوع من الاقتصاد الذي اعتبره الأكفاء في الاقتصاد بأنه من بين الأنشطة الطفيلية التي تصدى لها الرأسماليون منذ العهود الأولى. ولقد توصل آدم سميث وريكاردو، مفكرا الرأسمالية بامتياز إلى "وجود صراع بين البرجوازية وبين الفئات التي تعيش على الريع، على اعتبار بأن الريع يؤثرعلى الربح الرأسمالي وعلى تقدم المجتمع ورفاهيته."
 لقد عرفت بلادنا على امتداد عقود من الزمن  النشاط الريعي الذي ظل يطبع  العلاقات السياسية والاجتماعية. وظل يساهم بشكل كبير في خنق الاقتصاد الوطني وفي تبديد قدرات المجتمع على جميع المستويات، مما أدى إلى عرقلة انطلاق عجلة التنمية المستدامة والتقدم. وإن ما وصلت إليه البلاد من تراكم الديون الخارجية الذي بلغ في 2023 إلى حوالي 100 مليار دولار بزيادة 10 في المئة على أساس سنوي كان نتيجة تنامي الاقتصاد الريعي. وهو ما ساهم في المزيد من اختناق الاقتصاد الوطني ومن تردي الأوضاع الاجتماعية للبلاد من خلال ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية وأسعار الخدمات الاجتماعية. ومن تداعيات هذا الوضع الريعي هو تنامي ظاهرة البطالة والبطالة المقنعة والترويج في الممنوعات وفي مقدمتها الكوكايين وأنواع الأقراص من حبوب الهلوسة التي تجتاح صفوف الشباب. إن النشاط الريعي في ظل حكومة" الكفاءات" يزداد توغلا وتنوعا وضاربا أطنابه في البنية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وهوما جعل الفساد ينتشر ويطغى على حساب  تقدم البلاد ورفاهية المجتمع ويحول دون تحقيق أية ثورة ديمقراطية حقيقية، ولا ثورة اقتصادية تخرج البلاد من نفق الاستغلال ومخاطر التبعية.