تحتفل فرنسا اليوم الجمعة 14 يوليوز 2023 بعيدها الوطني لأول مرة على إيقاع إجراءات أمنية مشددة وفي غياب خطاب للرئيس ماكرون. انه احتفال ممزوج بطعم المرارة و الانكسار والخيبة، في ظل الاحتجاجات الضخمة التي شهدتها فرنسا خلال هذه السنة بسبب طرح مشروع قانون تمديد سن التقاعد، وهي الاحتجاجات التي توسعت دائرتها بشكل ملفت إثر حادث قتل فتى لا يتعدى عمره 17 سنة من طرف الشرطة الفرنسية، حيث خرج الفرنسيون إلى الشوارع واحتشدوا في الساحات العمومية في كبريات المدن الفرنسية للتعبير عن غضبهم وسخطهم الشديد من سياسات ماكرون، وللتنديد بعنصرية الشرطة الفرنسية ، قبل أن تتطور إلى أعمال عنف وعمليات تخريب للشركات والمحلات التجارية والوكالات البنكية.
جيراالد دارمانان، وزير الداخلية الفرنسي قال بشأن سياق الاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي هذه السنة، إنه العيد الوطني الفرنسي يأتي في سياق خاص بعد ليالي عدة من العنف الشديد والتي انتهت بتدخل الشرطة الفرنسية، مضيفا بأن الحكومة تحاول تفادي عودة تلك الأحداث بتوجيه من الرئيس ماكرون، عبر اتخاذ إجراءات استباقية، مثل تعزيز انتشار قوات الشرطة والأمن في الشوارع لتأمين التظاهرات، والتدخل السريع اذا لزم الأمر.
كما أعلن قصر الإليزيه أن الرئيس الفرنسي لن يلقي خطابا كما كان معهودا في 14 من يوليوز 2023 احتفالا بالعيد الوطني، وهو قرار نابع – بحسب المحللين – من تفادي تأجيج الغضب الشعبي وشعور الرئيس الفرنسي بالاحباط الشديد بعد فشله الذريع في التجاوب مع مختلف القضايا والإشكالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، بنهجه أسلوب كسر العظام والآذان الصماء، و تغليبه للمقاربة الأمنية في التعاطي مع مختلف التظاهرات والاحتجاجات التي تعرفها فرنسا احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وهو الأمر الذي بدا واضحا – يضيف هؤلاء – منذ القمع الشديد الذي تعرضت له حركة السترات الصفراء والتي كانت تحمل مطالب مشروعة .
ويشهد الوضع الاجتماعي في فرنسا حالة من الغليان منذ عام 2019، بعدما دخلت فئات مهنية جديدة على خط التنديد بسياسات الحكومة الليبرالية، خاصة في المجالات الحيوية مثل التعليم والنقل والصحة.
وخرجت مظاهرات حاشدة لعمال قطاع الصحة ضد قرار الحكومة خصخصة بعض المستشفيات العمومية، كما شهدت الجامعات الفرنسية حركة احتجاجية واسعة .
كما خرجت مظاهرات حاشدة لكبريات النقابات العمالية، في مختلف القطاعات الحيوية رفضا لقانون إصلاح التقاعد
ويرى بعض المحللين أن تقاطع مطالب الرافضين لقانون إصلاح التقاعد مع مطالب باقي الفئات المهنية الأخرى، على أرضية اجتماعية وسياسة واحدة، شكل عنصر ضغط كبير، وتحول إلى عامل يوحد نضالاتها، وهو ما شكل ضربة قاضية لطموحات ماكرون للترشح لولاية ثانية، مما فرض عليه الاحتجاب عن الظهور والامتناع عن إلقاء خطابه بمناسبة العيد الوطني الفرنسي، وهو عيد له رمزيته السياسية والتاريخية، حيث ظلت فرنسا تحتفل به منذ عام 1880، منذ أن أقرّته الجمهورية الثالثة عيدا وطنيا، من خلال قانون لم تتم الإشارة فيه بشكلٍ مباشر إلى الحدث المرتبط به. لكن الجميع يعلم أن يوم 14 يوليوز يصادف ذكرى استيلاء الشعب على سجن الباستيل عام 1789، وهو يشكل كذلك صدى لعيد الفيدرالية عام 1790، ويحمل بين طيات أحداثه جميع معاني " المصالحة الوطنية "، لكن وجه المفارقة اليوم، هو كون العيد الوطني الفرنسي في عهد ماكرون أصبح عنوانا لزرع بذور الفرقة والشتات وإثارة الكراهية والبغضاء والحقد بين أبناء الوطن الواحد .