يقدم الدكتور حكيم التوزاني، أستاذ القانون الدولي العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق بأيت ملول/جامعة ابن زهر بأكادير، مقترحاته حول المرتكزات القانونية لطرد الجمهورية الصحراوية الوهمية من الاتحاد الإفريقي، وتنسف دعامات هذا الكيان المصطنع الذي "اخترعه" الخيال المريض للعسكر الجزائري. عارضا ما يمكن إثباته من الناحية القانونية كأحد المداخل الأساسية لإعادة ترتيب البيت الداخلي للاتحاد الإفريقي بما ينسجم والقواعد الآمرة الضابطة للتفاعلات الدولية:
يتمثل الركن الثالث من مقومات تكوين الدولة المادية، في السلطة السياسية التي يقصد بها السلطة أو الهيئة الحاكمة التي تتولّى إدارة البلاد، والإشراف على الأمور، وتنظيم العلاقات مع الشعب، واستغلال ثروات البلاد، وتنظيم اقتصادها، وإدارة سياساتها الخارجيّة، وحماية الوطن من العدوان الخارجيّ، وتحقيق الأمن والاستقرار، ومنع الاعتداء، وتنفيذ القوانين والأنظمة النافذة، بما يكفل سير الحياة بشكل طبيعيّ، وتحقيق السعادة والرفاهيّة لجميع الأفراد. بحيث أنها: «السّلطة السيّدة غير الخاضعة لسلطة أخرى ولا تحدها سلطة عليا، التي تمارسها الدولة»، في حين تخضع لها أفراد الشعب، الذي لا يكون دائما مصدره الخوف من القوّة المادية، فحقيقة السلطة أنها تكمن في رضا المحكومين أكثر من كونها تكمن في إرادة الحاكمين.
غير أن التحولات المتسارعة في نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة أصبحت تلح على ضرورة اعتماد الدولة على مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وضمان الانتقال السلمي للسلطة، وذلك لإمكانية اندماج الدولة بيسر في المجتمع الدولي ونسج مختلف العلاقات مع محيطها الدولي.
وفي الحالة قيد الدرس المتعلق بالجمهورية الوهمية للكيان الصحراوي فليس لها تمثيليات دبلوماسية متبادلة وليس لها اتفاقيات دولية ذات آثار قانونية ولا قوانين تصدر لتفرض على شعب داخل الحيز المكاني المفروض لهذه الدولة، بل الأنكى من ذلك أن الأمين العام لجبهة البوليساريو والرئيس المفترض لدولة الوهم الصحراوية لا يتنقل إلا بجواز سفر جزائري وفي بعض الحالات الخاصة قد يضطره الأمر إلى تغيير اسمه وصفته وجنسيته...
وعليه، ففيما يخص السلطة السياسية فتبقى منعدمة لانعدام مقومات الشعب والإقليم الصحراويين، إذ لا يجوز أن تكون هناك سلطة سياسية خارج حدود ترابها المفترض، هذا بالإضافة إلى انعدام سيادتها الداخلية والخارجية على حد سواء، مما يبرر انعدام شخصيتها المعنوية أمام تبعيتها للجزائر.
ولئن توفرت دولة ما على الأركان المادية «الإقليم» السكان «السلطة السياسية» لكنها تجد نفسها عاجزة عن ممارسة دورها الداخلي كما في حقل العلاقات الدولية، إذا لم تحز عناصر قانونية تترجم من خلالها إرادتها في التفاعل، تتمثل أساسا في تمتعها بالسيادة واستئثارها بالشخصية الدولية وفي اعتراف المجتمع الدولي بها.
رابعا: سراب السيادة لكيان وهمي الذي يميز الدولة عن غيرها من الجماعات والهيئات الأخرى هو معيار السيادة الذي يتخذ مظهران، أحدهما داخلي والثاني خارجي:
أ- السيادة على المستوى الداخلي، أو ما يسمى بالسيادة الإقليمية وهي مكونة من مجموعة سلطات قانونية معترف بها الدولة ما من أجل تمكينها، في مجال معين، من ممارسة وظائف حكومية، أي من القيام بأعمال ذات نتائج قانونية «كالأعمال التشريعية والإدارية والقضائية...»، ومكونة من مهام وظيفية يبرر وجودها كونها تهدف إلى خدمة الصالح العام. وهذه الصفة تتفق مع مهام الدولة التي لم توجد إلا للقيام ببعض الوظائف وتحقيق الأهداف التي لا تعنيها شخصيا، إذ لا مبرر لوجودها إلا في خدمة مصالح رعاياها». ويستبع ذلك، حرية الدولة في التصرف في شؤونها الداخلية، وفي تنظيم حكومتها ومرافقها العامة، وفي فرض سلطاتها على كل ما يوجد على إقليمها من أشخاص وأشياء، والنظر في كل ما يقع من أحداث على إقليمها في إطار الانفرادية بالاختصاص، واستبعاد أي اختصاص آخر للدول ضمن الإقليم الذي تمارس فيه سيادها.
ب- السيادة على المستوى الخارجي، ومعناها قيام الدولة بإدارة علاقاتها الدولية وعدم خضوعها في هذا الشأن لأية سلطة عليها. ويترتب على ذلك أن قواعد القانون الدولي تنشأ برضا الدول واتفاقها ولا تفرض عليها .
ويستتبع سيادة الدولة الخارجية تمتعها بمبدأ الاستقلال والمساواة. فالاستقلال معناه، استبعاد سلطة أية دولة أو هيأة أجنبية. فالقول بأن الدولة هي أعلى سلطة في إقليم معين يستتبع أنها مستقلة وأنها حرة في إدارة شؤونها الداخلية والخارجية، وأن لها في هذا الشأن سلطة تقديرية مطلقة طالما أنها غير مقيدة بمعاهدة أو بقاعدة من قواعد القانون الدولي، ويعتبر تدخل دولة في شؤون دولة أخرى أمرا مخالفا للقانون الدولي. أما المساواة، فإنها تعني أن جميع الدول متساوية أمام القانون الدولي تتمتع بالحقوق التي يقررها هذا القانون وتلتزم بالتزاماته، وذلك بصرف النظر عن مساحتها أو عدد سكانها أو مقدار تقدمها وفي إطار هذه الخصائص، فإن الحديث عن السلطة السياسية التي تتمتع بها قيادة البوليساريو من منطلق کونها، حسب ادعائها، الممثل الشرعي والوحيد ل «الشعب الصحراوي» تعتريه الريبة والشك طالما أن لا أحد يجادل في تبعية الجبهة للسلطات الجزائرية، بل وبأنها صنيعة الجزائر على المستوى الدبلوماسي والإعلامي والواقعي. والحالة هاته، فإن مفهوم استقلال وسيادة السلطة السياسية ل «الجمهورية الصحراوية» المزعومة أقرب ما يكون إلى عالم المثل لأن لا جنسية لهم ولا بطاقات هوية ولا جوازات سفر ولا تمثيل دبلوماسي...