الخميس 6 فبراير 2025
سياسة

التوزاني: الجمهورية الصحراوية.. سلطة سياسية صورية منعدمة القدرة (3)

التوزاني: الجمهورية الصحراوية.. سلطة سياسية صورية  منعدمة القدرة (3) الدكتور حكيم التوزاني
يقدم الدكتور حكيم التوزاني، أستاذ القانون الدولي العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق بأيت ملول/جامعة ابن زهر بأكادير، مقترحاته حول المرتكزات القانونية لطرد الجمهورية الصحراوية الوهمية من الاتحاد الإفريقي، وتنسف‭ ‬دعامات‭  هذا ‬الكيان‭ ‬المصطنع‭ ‬الذي‭ ‬"اخترعه" الخيال المريض للعسكر الجزائري. عارضا ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬إثباته‭ ‬من‭ ‬الناحية‭  ‬القانونية‭ ‬كأحد‭ ‬المداخل‭ ‬الأساسية‭ ‬لإعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬البيت‭ ‬الداخلي‭ ‬للاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬بما‭ ‬ينسجم‭ ‬والقواعد‭ ‬الآمرة‭ ‬الضابطة‭ ‬للتفاعلات‭ ‬الدولية‭:
 
يتمثل ‬الركن‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬مقومات‭ ‬تكوين‭ ‬الدولة‭ ‬المادية،‭ ‬ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬يقصد‭ ‬بها‭ ‬السلطة‭ ‬أو‭ ‬الهيئة‭ ‬الحاكمة‭ ‬التي‭ ‬تتولّى‭ ‬إدارة‭ ‬البلاد،‭ ‬والإشراف‭ ‬على‭ ‬الأمور،‭ ‬وتنظيم‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬الشعب،‭ ‬واستغلال‭ ‬ثروات‭ ‬البلاد،‭ ‬وتنظيم‭ ‬اقتصادها،‭ ‬وإدارة‭ ‬سياساتها‭ ‬الخارجيّة،‭ ‬وحماية‭ ‬الوطن‭ ‬من‭ ‬العدوان‭ ‬الخارجيّ،‭ ‬وتحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار،‭ ‬ومنع‭ ‬الاعتداء،‭ ‬وتنفيذ‭ ‬القوانين‭ ‬والأنظمة‭ ‬النافذة،‭ ‬بما‭ ‬يكفل‭ ‬سير‭ ‬الحياة‭ ‬بشكل‭ ‬طبيعيّ،‭ ‬وتحقيق‭ ‬السعادة‭ ‬والرفاهيّة‭ ‬لجميع‭ ‬الأفراد‭. ‬بحيث‭ ‬أنها:‭ ‬«السّلطة‭ ‬السيّدة‭ ‬غير‭ ‬الخاضعة‭ ‬لسلطة‭ ‬أخرى‭ ‬ولا‭ ‬تحدها‭ ‬سلطة‭ ‬عليا،‭ ‬التي‭ ‬تمارسها‭ ‬الدولة»،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تخضع‭ ‬لها‭ ‬أفراد‭ ‬الشعب،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬دائما‭ ‬مصدره‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬القوّة‭ ‬المادية،‭ ‬فحقيقة‭ ‬السلطة‭ ‬أنها‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬رضا‭ ‬المحكومين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬إرادة‭ ‬الحاكمين‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬التحولات‭ ‬المتسارعة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬وبداية‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة‭ ‬أصبحت‭ ‬تلح‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬اعتماد‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬مبادئ‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وضمان‭ ‬الانتقال‭ ‬السلمي‭ ‬للسلطة،‭ ‬وذلك‭ ‬لإمكانية‭ ‬اندماج‭ ‬الدولة‭ ‬بيسر‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬ونسج‭ ‬مختلف‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬محيطها‭ ‬الدولي‭.‬

وفي‭ ‬الحالة‭ ‬قيد‭ ‬الدرس‭ ‬المتعلق‭ ‬بالجمهورية‭ ‬الوهمية‭ ‬للكيان‭ ‬الصحراوي‭ ‬فليس‭ ‬لها‭ ‬تمثيليات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬متبادلة‭ ‬وليس‭ ‬لها‭ ‬اتفاقيات‭ ‬دولية‭ ‬ذات‭ ‬آثار‭ ‬قانونية‭ ‬ولا‭ ‬قوانين‭ ‬تصدر‭ ‬لتفرض‭ ‬على‭ ‬شعب‭ ‬داخل‭ ‬الحيز‭ ‬المكاني‭ ‬المفروض‭ ‬لهذه‭ ‬الدولة،‭ ‬بل‭ ‬الأنكى‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬لجبهة‭ ‬البوليساريو‭ ‬والرئيس‭ ‬المفترض‭ ‬لدولة‭ ‬الوهم‭ ‬الصحراوية‭ ‬لا‭ ‬يتنقل‭ ‬إلا‭ ‬بجواز‭ ‬سفر‭ ‬جزائري‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭ ‬الخاصة‭ ‬قد‭ ‬يضطره‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬اسمه‭ ‬وصفته‭ ‬وجنسيته‭...‬

وعليه،‭ ‬ففيما‭ ‬يخص‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬فتبقى‭ ‬منعدمة‭ ‬لانعدام‭ ‬مقومات‭ ‬الشعب‭ ‬والإقليم‭ ‬الصحراويين،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬سلطة‭ ‬سياسية‭ ‬خارج‭ ‬حدود‭ ‬ترابها‭ ‬المفترض،‭ ‬هذا‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬انعدام‭ ‬سيادتها‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬مما‭ ‬يبرر‭ ‬انعدام‭ ‬شخصيتها‭ ‬المعنوية‭ ‬أمام‭ ‬تبعيتها‭ ‬للجزائر‭. ‬

ولئن‭ ‬توفرت‭ ‬دولة‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬الأركان‭ ‬المادية‭ ‬«الإقليم»‭ ‬السكان‭ ‬«السلطة‭ ‬السياسية»‭ ‬لكنها‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬ممارسة‭ ‬دورها‭ ‬الداخلي‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تحز‭ ‬عناصر‭ ‬قانونية‭ ‬تترجم‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬إرادتها‭ ‬في‭ ‬التفاعل،‭ ‬تتمثل‭ ‬أساسا‭ ‬في‭ ‬تمتعها‭ ‬بالسيادة‭ ‬واستئثارها‭ ‬بالشخصية‭ ‬الدولية‭ ‬وفي‭ ‬اعتراف‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬بها‭.‬
رابعا: سراب السيادة لكيان وهمي الذي‭ ‬يميز‭ ‬الدولة‭ ‬عن‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الجماعات‭ ‬والهيئات‭ ‬الأخرى‭ ‬هو‭ ‬معيار‭ ‬السيادة‭ ‬الذي‭ ‬يتخذ‭ ‬مظهران،‭ ‬أحدهما‭ ‬داخلي‭ ‬والثاني‭ ‬خارجي:
أ-‭ ‬ ‬السيادة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الداخلي،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالسيادة‭ ‬الإقليمية‭ ‬وهي‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬سلطات‭ ‬قانونية‭ ‬معترف‭ ‬بها‭ ‬الدولة‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تمكينها،‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬معين،‭ ‬من‭ ‬ممارسة‭ ‬وظائف‭ ‬حكومية،‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بأعمال‭ ‬ذات‭ ‬نتائج‭ ‬قانونية‭ ‬«كالأعمال‭ ‬التشريعية‭ ‬والإدارية‭ ‬والقضائية‭...‬»،‭ ‬ومكونة‭ ‬من‭ ‬مهام‭ ‬وظيفية‭ ‬يبرر‭ ‬وجودها‭ ‬كونها‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬خدمة‭ ‬الصالح‭ ‬العام‭. ‬وهذه‭ ‬الصفة‭ ‬تتفق‭ ‬مع‭ ‬مهام‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬توجد‭ ‬إلا‭ ‬للقيام‭ ‬ببعض‭ ‬الوظائف‭ ‬وتحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعنيها‭ ‬شخصيا،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬مبرر‭ ‬لوجودها‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬مصالح‭ ‬رعاياها»‭. ‬ويستبع‭ ‬ذلك،‭ ‬حرية‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬التصرف‭ ‬في‭ ‬شؤونها‭ ‬الداخلية،‭ ‬وفي‭ ‬تنظيم‭ ‬حكومتها‭ ‬ومرافقها‭ ‬العامة،‭ ‬وفي‭ ‬فرض‭ ‬سلطاتها‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يوجد‭ ‬على‭ ‬إقليمها‭ ‬من‭ ‬أشخاص‭ ‬وأشياء،‭ ‬والنظر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يقع‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬على‭ ‬إقليمها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الانفرادية‭ ‬بالاختصاص،‭ ‬واستبعاد‭ ‬أي‭ ‬اختصاص‭ ‬آخر‭ ‬للدول‭ ‬ضمن‭ ‬الإقليم‭ ‬الذي‭ ‬تمارس‭ ‬فيه‭ ‬سيادها‭.‬

ب-‭ ‬السيادة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الخارجي،‭ ‬ومعناها‭ ‬قيام‭ ‬الدولة‭ ‬بإدارة‭ ‬علاقاتها‭ ‬الدولية‭ ‬وعدم‭ ‬خضوعها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬لأية‭ ‬سلطة‭ ‬عليها‭. ‬ويترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬قواعد‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬تنشأ‭ ‬برضا‭ ‬الدول‭ ‬واتفاقها‭ ‬ولا‭ ‬تفرض‭ ‬عليها‭ . ‬

ويستتبع‭ ‬سيادة‭ ‬الدولة‭ ‬الخارجية‭ ‬تمتعها‭ ‬بمبدأ‭ ‬الاستقلال‭ ‬والمساواة‭. ‬فالاستقلال‭ ‬معناه،‭ ‬استبعاد‭ ‬سلطة‭ ‬أية‭ ‬دولة‭ ‬أو‭ ‬هيأة‭ ‬أجنبية‭. ‬فالقول‭ ‬بأن‭ ‬الدولة‭ ‬هي‭ ‬أعلى‭ ‬سلطة‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬معين‭ ‬يستتبع‭ ‬أنها‭ ‬مستقلة‭ ‬وأنها‭ ‬حرة‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬شؤونها‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية،‭ ‬وأن‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬سلطة‭ ‬تقديرية‭ ‬مطلقة‭ ‬طالما‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬مقيدة‭ ‬بمعاهدة‭ ‬أو‭ ‬بقاعدة‭ ‬من‭ ‬قواعد‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬ويعتبر‭ ‬تدخل‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬دولة‭ ‬أخرى‭ ‬أمرا‭ ‬مخالفا‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭. ‬أما‭ ‬المساواة،‭ ‬فإنها‭ ‬تعني‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬متساوية‭ ‬أمام‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬تتمتع‭ ‬بالحقوق‭ ‬التي‭ ‬يقررها‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬وتلتزم‭ ‬بالتزاماته،‭ ‬وذلك‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مساحتها‭ ‬أو‭ ‬عدد‭ ‬سكانها‭ ‬أو‭ ‬مقدار‭ ‬تقدمها وفي‭ ‬إطار‭ ‬هذه‭ ‬الخصائص،‭ ‬فإن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بها‭ ‬قيادة‭ ‬البوليساريو‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬کونها،‭ ‬حسب‭ ‬ادعائها،‭ ‬الممثل‭ ‬الشرعي‭ ‬والوحيد‭ ‬ل‭ ‬«الشعب‭ ‬الصحراوي»‭ ‬تعتريه‭ ‬الريبة‭ ‬والشك‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يجادل‭ ‬في‭ ‬تبعية‭ ‬الجبهة‭ ‬للسلطات‭ ‬الجزائرية،‭ ‬بل‭ ‬وبأنها‭ ‬صنيعة‭ ‬الجزائر‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬والإعلامي‭ ‬والواقعي‭. ‬والحالة‭ ‬هاته،‭ ‬فإن‭ ‬مفهوم‭ ‬استقلال‭ ‬وسيادة‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬ل‭ ‬«الجمهورية‭ ‬الصحراوية»‭ ‬المزعومة‭ ‬أقرب‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬المثل‭ ‬لأن‭ ‬لا‭ ‬جنسية‭ ‬لهم‭ ‬ولا‭ ‬بطاقات‭ ‬هوية‭ ‬ولا‭ ‬جوازات‭ ‬سفر‭ ‬ولا‭ ‬تمثيل‭ ‬دبلوماسي‭...‬