يقدم الدكتور حكيم التوزاني، أستاذ القانون الدولي العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق بأيت ملول/جامعة ابن زهر بأكادير، مقترحاته حول المرتكزات القانونية لطرد الجمهورية الصحراوية الوهمية من الاتحاد الإفريقي، وتنسف دعامات هذا الكيان المصطنع الذي "اخترعه" الخيال المريض للعسكر الجزائري. عارضا ما يمكن إثباته من الناحية القانونية كأحد المداخل الأساسية لإعادة ترتيب البيت الداخلي للاتحاد الإفريقي بما ينسجم والقواعد الآمرة الضابطة للتفاعلات الدولية.
" أنفاس بريس" تبسط مقترحات الدكتور حكيم التوزاني، عبر حلقات:
حينما نصف الكيان المزعوم المسمى: بـ "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" بكونه وهميا، فلأنه يفتقد للمكونات المادية والقانونية لمفهوم الدولة. هذه الأخيرة التي عرفها "أندرو بونار" بكونها: "وحدة قانونية دائمة، تضمن وجود هيئة اجتماعية لها حق ممارسة سلطات قانونية على إقليم محدد، وتباشر الدولة حقوق السيادة بإرادتها المنفردة، عن طريق استخدام القوة المادية التي تحتكرها". أما "أوبنهايم" (L. Oppenheim) فقد ألغى التمايزات الجغرافية بين الدول في تعريفه بكون الدولة" تتواجد عندما يستوطن شعبا إقليما معينا بغض النظر عن مساحته تحت سلطة حكومة ذات سيادة"، أما "شاو" (Shaw.N.M) فيضيف إلى الشعب والإقليم والسلطة، عنصرا آخرا للدولة من حيث هي شخص دولي، هو الأهلية لإقامة علاقات دولية مع الدول الأخرى.
وفي هذا الإطار أقر القانون الدولي العام العرفي ضرورة توافر بعض العناصر الضرورية لنشوء الدولة، فمحكمة التحكيم بين ألمانيا وبولونيا عام 1928 حول سيليزيا العليا اشترطت في قرارها توافر ثلاثة عناصر لنشوء الدولة وهي: السكان والإقليم وسلطة عامة تنظم شؤون السكان على الإقليم. بينما نصّت المادة الأولى من اتفاقية "مونتيفيديو" بين الدول الأمريكية حول حقوق وواجبات الدول سنة 1933: "يجب أن تمتلك الدولة الصفات التالية لكي تعتبر شخصا للقانون الدولي: سكان دائمين، إقليم معين، حكومة، قدرة الدخول في علاقات مع دول أخرى". وهو ما تطابق وبعض المعايير الأساسية المحددة؛ حتى تنال الاعتراف بعضويتها في منظومة الدول من جانب الدول الأخرى في منظومة الدول العالمية؛ فلا بد أن يكون لها أرض محددة، وسكان دائمون، وحكومة قادرة على الاحتفاظ بسيطرة فعالة على أراضيها وإقامة علاقات دولية مع الدول الأخرى.
مما يجعلنا، نستنتج من ذلك أن الدول تشترك في ضرورة توفرها على عناصر تكوينية أساسية تتمثل في السكان والإقليم والسلطة السياسية، تدعمها عناصر قانونية تتحدد في السيادة والشخصية القانونية واعتراف المجتمع الدولي.
أولا: مزعومة الشعب كمبرر للمتاجرة بمعاناة ساكنة تندوف
وتفصيلا لما سبق؛ لا يمكن تصور دولة في الحقل الدولي دون ثلاثية: السكان والإقليم وحكومة فاعلة، ذلك أن الدولة تتطلب سكان دائمون؛ بحيث إن أي دولة لكي توجد لا بد لها من عنصر بشري، ويشترط أن يكون هؤلاء السكان دائمون بمعنى أنهم ليسوا مجرد أشخاص يأتون لزيارة الإقليم.
وتأسيسا على هذا المفهوم القانوني للشعب، لا يمكننا الحديث عن "شعب صحراوي" مستقل يتميز بالخصوصية عن باقي ساكنة المناطق الأخرى المنضوية ضمن حدود المملكة المغربية نظرا لعدد من الاعتبارات، يحصرها "توفيق القباج" فيما يلي:
1- الظروف اللاقانونية التي نشأ فيها الإقليم في إطار ما كان يسمى سابقا بـ "الصحراء الإسبانية "نتيجة الاقتسام الكولونيالي المشترك منذ عام 1900 على حساب المغرب.
2- اعتراف فرنسا وإسبانيا بوجود روابط وثيقة بين سكان المنطقة مع اتخاذ قرار تدبيري يتعلق بحرية التنقل للأشخاص عبر الحدود المصطنعة التي وضعوها .
3- خلال إعداد إسبانيا للقانون التنظيمي لإفريقيا المغربية الإسبانية، أخذت بعين الاعتبار المرسوم التنظيمي بتاريخ 29 غشت 1934 الذي قرر الارتباط العضوي لإيفني والصحراء بالمغرب، وقد فسرت ذلك بكون سكان أقاليم الشمال الغربي لإفريقيا حيث تمارس إسبانيا حقوق الحماية حقوق الامتياز أو السيادة تتميز بتجانس واضح من حيث الأصل واللغات والتقاليد، وبحكم هذا التجانس والتواؤم والنمط الترحالي لسكان الصحراء الإسبانية،
4- لم يسبق لسكان الصحراء المغربية أن تمتعوا بجنسية صحراوية، وقد استفادوا من جهة إسبانيا ببطاقات الهوية الإقليمية، مما يدل على الصعوبة التي لاقاها المسؤولون الإسبان على مستوى إدماجهم أو منحهم جنسية خاصة إلى جانب تلك التي حملوها قبل الاستعمار الإسباني بمقتضى روابط البيعة التي تربطهم بسلطان المغرب .
وبمقتضى المفهوم القانوني للشعب، فإن سكان الصحراء لا يشكلون شعبا مكونا للجمهورية الصحراوية طالما أنهم يجسدون فسيفساء من التيارات والتوجهات تفتقد لتلك الرابطة المعنوية التي تمیز حقيقة الشعوب. والحالة هاته، فإنه لا يمكننا أن نذهب في سياق دعاية جبهة البوليساريو المروجة لكون الجبهة هي الممثل الشرعي والوحيد لأهالي الصحراء، "فقضية اللاجئين الصحراويين الفارين من القمع الاستعماري إلى شمال المغرب وغيرها من المناطق الآمنة، والمحتجزين الصحراويين الذين لا يزالون يعيشون في مخيمات تندوف لاستمالة الرأي العام الدولي واستدرار معونات المنظمات الدولية، إلى جانب العائدين من هذه المخيمات والفارين من وهج الأسلاك الشائكة وديماغوجية الخطب والمنشورات. كل هذا وغیرہ يفصح عن عدم الانسجام والتوافق بين سكان الصحراء، وسيطرة أقلية قليلة على دواليب "السلطة".
ذاك أن جمهورية الوهم لا تتوفر على هذا الركن بحكم أنها لا تتوفر على شعب صحراوي يتميز بالانسجام المعنوي المبني على اتحاد الجنس واللغة والدين والأماني ووحدة التاريخ، إذ أن الصحراوين مقسمين بين المغرب ومالي وموريتانيا والجزائر، والأساس في ذلك أن الرابطة السياسية والقانونية المتمثلة في الجنسية تبقى منعدمة؛ خاصة أن هذه الدولة المزعومة التي تقارب من نصف قرن من حياتها اللاشرعية لا توفر لساكنيها حقوق المواطنة وما يترتب عنها من حقوق سياسية واقتصادية وثقافية...، وبالتالي فلا وجود لشعب صحراوي لانعدامه في الأرشيف التاريخي للمنطقة ككل ولانعدام جنسية صحراوية.
ثانيا: شبح الدولة في إقليم (دولة الملجأ)
أما ثاني الأركان التأسيسية للدولة فتتمثل في إقليم محدد؛ باعتباره الوعاء الجغرافي الذي تمارس الدولة عليه سيادتها، ما يجعل من الإقليم هو ذلك الحيز المكاني الذي تستأثر به الدولة وتمارس عليه اختصاصاتها السيادية، وتبسط عليه نفوذها، في إطاره الثابت والمحدّد بحدود معروفة ومعترف بها، وهو الأرض التي يعيش فيها السكّان، سواء كانت: أرضاً متّصلة كأرض النمسا، أم منفصلة كعُمان، وسواء كانت أرضاً برّيّة فقط كالمجر، أم أرضاً برّيّة تتخلّلها بحيرات أو بحار كسويسرا، أو تكون أرضاً وبحراً كفرنسا. وقد يتكوّن الإقليم من مجموعة جزر صغيرة وكبيرة كبريطانيا، أو جزر متباعدة أو أرض منفصلة بينها بحار ودول كباكستان سابقاً. وهي بالتالي، تلك الرقعة المحددة المساحة والتي تشمل الإقليم الأرضي والفضاء الجوي والمجال المائي.
وتأسيسا عليه وبالنظر إلى وضعية الجمهورية الوهمية فيمكن الجزم بعدم تواجد إقليم صحراوي لانعدام ثبات شعب عليه ولغياب حدود واضحة له، كما أنه لا يصح تأسيس دولة في المنفى وتقسيم شعب هذه الدولة بين مجموعة من الدول. ذلك أن القبائل الرحل التي تنتقل من مكان إلى مكان حسب المراعي، وكذلك الجماعات القومية التي ليس لها إقليم ثابت مستقر تقيم فيه لا تعتبر دولا. وللإقليم في الدولة الحديثة خاصيتان بارزتان: فهو ثابت ومحدود:
أ- ثابت، بمعنى أن مجموعة قومية من البشر تقيم فوق هذا الإقليم بشكل دائم. وهذا يدعى بالسكان المقيمين الذين استقروا فوق هذا الإقليم ليقضوا حياتهم فيه. أما القبائل الرحل، وإن توافرت لها العناصر الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية، فإنها تبقى مفتقرة إلى الصفة القانونية،
ب - محدود، وهو يشمل حدود واضحة وثابتة، يمارس الحاكمون والمحكومون نشاطهم ضمنها. وهذه الحدود تعني الحيز حيث تنتهي الاختصاصات الإقليمية.
وتأسيسا على هذا التحديد، فإن الحديث عن «إقليم صحراوي» كدولة سيكون حديثا دونما موضوع، لأنه لا تتوفر فيه خصائص الإقليم من الناحية القانونية، ولا يشكل إقليما متميزا من الناحية العملية، ولم يشهد استقرارا سكانيا إلا بعد مرحلة التمدين التي شهدها منطقة الصحراء المغربية بعد استرجاعها إلى حضيرة الوطن بمقتضى اتفاقيات مدريد الثلاثية، وبمقتضى المجهودات التي يمكن نعتها بالجبارة، التي بذلتها الدولة المغربية من أجل تنميتها وتحديثها. اللهم إلا إذا استقر الوضع على تكوين دولة قائمة الذات غرب الجزائر في المخيمات التي ولدت واستقرت فيها لنصف قرن من الزمن.