الأحد 24 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

شيماء ابن الحاج:تشغيل الأطفال في المغرب.. بين الإكراهات الاجتماعية والواقع القانوني

شيماء ابن الحاج:تشغيل الأطفال في المغرب.. بين الإكراهات الاجتماعية والواقع القانوني شيماء ابن الحاج
لمطالب العدالة الاجتماعية عدة تجليات، وتتمظهر خصوصا في مدى تفعيل حوار اجتماعي بناء لمناهضة ظاهرة تشغيل الأطفال والتي تتجدد بمناسبة 12 يونيو لكل سنة كذكرى لتخليد اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال. فالطفولة اليوم تشكل النواة الصلبة لكل أسرة وللمجتمع جمعاء، لذا فتجليات أهمية هذا الموضوع لا تنحصر فقط في حقوق الأطفال وواجباتهم ولكن كذلك في الإكراهات الداخلية والخارجية التي أصبحت تعيق مسار النضج والنمو الفكري والوجودي للأطفال.
من بين المعيقات التي تحتل صدارة إكراهات أطفال اليوم ورجال الغد، هي العمل المبكر في ظروف غير لائقة، ولا بد من استحضار أن أعضاء منظمة العمل الدولية المكونين من 187 دولة من بينهم المغرب قد صادقوا جميعا على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 المؤرخة في 1999 والتي تهم مناهضة عمل الأطفال. فأمام هذا التصديق العالمي، يتجدد السؤال حول مدى نجاعة السياسات الحكومية في مجال حماية الطفولة والدور الاستراتيجي لجمعيات المجتمع المدني لخلق حوار موضوعي وجدي حول هذه الظاهرة.
وارتباطا بنفس الموضوع، أصدرت المندوبية السامية للتخطيط مذكرتها السنوية حول وضعية الأطفال المشتغلين في المغرب في سنة 2022 وسنعرض أسفله أهم النقط التي جاء بها التقرير وهي:
- يضم المغرب اليوم ما يناهز 7 ملايين طفل (ة) الأقل من 18 سنة، وبلغ عدد الأطفال الشغلين خلال سنة 2022 127000 طفل وهو ما يمثل 1.6% من مجموع الأطفال،
- بالمقارنة مع السنوات الماضية، عرف عدد الأطفال انخفاضا ب14% مقارنة بسنة 2021 و48,6% بالنسبة لسنة 2017 مع ارتفاعها في صفوف الذكور أكثر من الإناث،
- 60,5 في المائة هي نسبة الأطفال من بين 127000 الذين يزاولون مهن خطيرة على صحتهم الجسدية والنفسية،
- ترتفع ظاهرة التشغيل في المجال القروي أكثر من المجال الحضري، وأهم القطاعات التي يشتغل فيها الأطفال تهم الفلاحة والصيد البحري أولا وتليها الخدمات والصناعة،
في ظل ما قيل، يمكننا الجزم على أن هذه الظاهرة تنخر الهيكل النابض للمجتمع وتستلزم أخذ الحيطة والحذر اللازمين للحد من آثارها السلبية، ولعل أول مسبب يجعل من تفشي هذه الظاهرة سهلا هو الهدر المدرسي خصوصا في العالم القروي، إذ أن المشاكل التي تعترض الأطفال في جميع أسلاك تعليمهم تشكل عائقا واقعيا لعدم تمكنهم من إتمام دراساتهم الأولى، والنهوض بهذا القطاع يوجب بالأساس على وزارة التعليم تحمل جميع مسؤولياتها في هذا الصدد من خلال تقريب التمدرس بجميع أسلالكه وإتاحته لفائدة الأطفال في العالم القروي. اليوم، أصبحت المسؤولية متشاطرة بين الجميع، لأن هذه القضية كونية، ومستقبل المغرب في ظل التطورات التكنولوجية والجيل الخامس لا يمكن تأسيسها ومواكبتها إلا من خلال استحداث آليات تعليمية جديدة وإرادة شعبية وسياسية حقيقية للنهوض بقطاع التعليم الذي يشكل اللبنة الأولى والقاطرة البناءة للنهوض بالورش الاجتماعي.
أمام واقع التشغيل المبكر للأطفال، يتم التساءل حول الحماية القانونية للأطفال، إذ يجدر بالذكر أنه وبعد المصادقة على اتفاقية منظمة العمل رقم 182 التي تعنى بحماية الطفولة، كان لا بد من إحداث آليات قانونية لحماية الأطفال من التشغيل المبكر، إذ أن القانون 65-99 المتعلق بمدونة الشغل ينص في مادته 143 على تحريم كلي لتشغيل الأطفال دون 15 سنة، وهو ما يتناسب جملة وتفصيلا مع اتفاقية العمل الدولية رقم 138 المتعلقة بتحديد الحد الأدنى لسن التشغيل. كما حرص المشرع على توفير حماية للأحداث دون سن 18 عشر في الفصول من 144 إلى 151 من خلال التنصيص على مجموعة من المقتضيات التي تعنى بحماية الطفولة من أي عمل يمكن أن يشكل تهديدا حقيقيا لصحتهم الجسدية أو النفسية كتحريم تشغيلهم في الألعاب الخطرة أو الإشهارات الاشتغلالية. وحث القانون 12-19 المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين الصادر في 10.08.2016 على المعاقبة بغرامة مالية تتراوح بين 25000 و30000 درهم كل شخص قام بتشغيل طفل أقل من 16 سنة كعامل منزلي.
إضافة إلى ذلك، فقد تم استصدار العديد من القرارات الوزارية في مجالات مختلفة تمنع منعا باتا من تشغيل الأطفال، كالقرار الوزاري الصادر في 18 فبراير 1938 الذي يمنع تشغيل الاطفال الأقل من 16 سنة للعمل في الممرات الباطنية للمحاجر وفي الآلات ذات محركات ميكانيكية أو مولدات بخارية في المؤسسات المعدنية، وظهير 24.12.1964 الذي ينص في فصله 21 على منع تشغيل الأطفال الأقل من 18 سنة في المعامل المنجمية في باطن الأرض.
فأمام هذه الترسانة القانونية، إلا أن واقع الحال يتنافى في كثير من الأحيان مع ما استجد به القانون كما أن العقوبات التي تم إقرارها لا تشكل ردعا لادغا لما يتعرض له الأطفال من استغلال في العمل. فاليوم ورغم الانخفاض التدريجي المستمر في صفوف الأطفال الشغلين، إلا أن نسبة كبيرة كما تم رصدها في التقرير السالف الذكر تعاني من ويلات أعمال شاقة، وتستمر التجاوزات في التفشي نظرا لغياب شبه تام للمراقبة الميدانية لمفتشي الشغل في جميع القطاعات وهو ما يوجب اليوم ولتفادي استفحال هذه الظاهرة الخطيرة تكاثف الجهود مع خلق حوار اجتماعي شامل لحث الجميع على مضاعفة الجهود من أجل توفير أدنى شروط العمل اللازمة للأطفال فوق 15 سنة من جهة، وحذر التشغيل تحت سن الخامسة عشر سنة لما لذلك من آثار صحية ونفسية وخيمة في صفوف رجال الغد.
في الختام، إن ظاهرة تشغيل الاطفال تشكل خرقا سافرا وصريحا للقيم الانسانية وتستوجب اليوم وفي ظل الإكراهات الحالية للطفولة أن يتم إعمال آليات رقمية جديدة للتبليغ عن أي تجاوز يطال الأحداث مع وجوب توفير حماية رقمية للطفولة المغربية في ظل تنامي ظاهرة التحرش والاستغلال الرقمي عبر الأنترنيت.