الخميس 28 مارس 2024
في الصميم

من الرابح والخاسر في العلاقة بين المغرب ودول الخليج؟!

من الرابح والخاسر في العلاقة بين المغرب ودول الخليج؟! عبد الرحيم أريري
لنقرأ الأرقام التالية الخاصة بتوزيع المغاربة المهاجرين على دول الخليج، وهي أرقام مستقاة من مصالح وزارة الخارجية:
1. السعودية: 49.856 مغربيا
2. الإمارات: 37.945 مغربيا
3. قطر: 6981 مغربيا
4. الكويت: 4555 مغربيا
5. سلطنة عمان: 3907 مغربيا
6. البحرين: 2535 مغربيا
المجموع: 106.274 مغربيا بالخليج.
 
تظهر الأرقام الرسمية المذكورة أن ما يسمى بعلاقة “السمن والعسل” بين المغرب ودول الخليج، هو مجرد شعارات فارغة. إذ لو اختبرنا هذه “العلاقات الأخوية” على أرض الواقع، سنجد أن مجموع المغاربة المهاجرين لدول الخليج ( 106.274 مغربيا)، لا يشكلون سوى 1.7% من مجموع مغاربة العالم. أي أن الثقل الديمغرافي الهجروي لم يتم حله لصالح المغرب عبر فتح آفاق ومنافذ استقرار المغاربة بدول الخليج، بل إن 98.3% من المد الهجروي للمغاربة تم امتصاصه من طرف دول أوربا وكندا وأمريكا وغيرها من الأحواض الجغرافية المختلفة عن المغرب لغويا ودينيا وتاريخيا ومجتمعيا.
ويزداد السؤال حرقة، حين نقارن الامتيازات الهجروية الممنوحة لمواطني دول عربية من طرف دول الخليج مقارنة مع التسهيلات الممنوحة لجذب استقرار المغاربة هناك. إذ من أصل 25.300.000 مهاجر بالخليج العربي، نجد أن المغاربة لا يشكلون سوى نزرا قليلا جدا (0.4% من المجموع العام  للمهاجرين بالخليج !). في حين نجد الجنسيات الشرق أوسطية (مصرية وسودانية وأردنية وباقي دول الشام)، تتمتع بوزن ديمغرافي مهم في خريطة الهجرة بالخليج.
لنأخذ السعودية كنموذج، يشكل المصريون مثلا 28% من مجموع الأجانب المقيمين بالسعودية، يليهم السودانيون بنسبة 16%، ونفس النسبة كذلك للمنحدرين من بلاد الشام (سوريا وفلسطين ولبنان والأردن). معنى ذلك أن حوض الشرق الأوسط يحتكر لوحده نسبة 61% من مجموع المهاجرين بالسعودية، وبالتالي يحتكرون 61% من عقود العمل!
وما قلناه على السعودية ينسحب على باقي دول الخليج، علما أن هذه الدول تشهد فورة اقتصادية وإنجاز مخططات وبرامج ومنشآت مهيكلة كبرى في كافة المناحي (فلاحية، طاقية، سكنية، طرقية، ملاحية، نفطية، كيماوية إلخ…) بشكل يستدعي الحاجة إلى العمالة في كافة التخصصات (مؤهلة وغير مؤهلة). لكن أثناء أجرأة الاتفاقيات يتم تبخيس حق المغرب في الظفر بحصة لامتصاص العاطلين من جهة، والاستفادة من عائد العملة الصعبة عبر تحويلات مغاربة العالم من جهة ثانية. إذ بينت أرقام مكتب الصرف، أن مغاربة الخليج رغم أنهم لا يشكلون سوى 1,7% من مجموع مغاربة العالم (هناك 6 ملايين مغربي بالخارج)، فإنهم يضخون في خزينة المغرب ما يعادل 15% من مجموع التحويلات. أي أن كل مغربي بالخليج يحول لبلاده مبلغ 141 ألف درهم بالعملة كل عام، مقابل 14.400 درهم بالعملة لكل فرد من مغاربة العالم بباقي الدول (حوالي 10 أضعاف).

ترى لو كانت الحكومة المغربية تحسن التفاوض مع دول الخليج لتأطير هجرة المغاربة باتفاقيات آمنة قانونيا وإنسانيا واجتماعيا، وتمت مضاعفة العدد مرتين أو ثلاثة، لأمكن للمغرب إيجاد 200 أو 300 ألف منصب شغل إضافية لتخفيف الضغط محليا من جهة، ولأمكن تأمين عائد سنوي إضافي لخزينة المغرب يقارب 30 مليار درهم بالعملة الصعبة كل عام من جهة ثانية!
لكن للأسف تم تخذير عقول المغاربة بوجود «العلاقة الأخوية والطيبة» بين المغرب ودول الخليج، في حين أنها علاقة غير مفيدة للمغرب على الاطلاق، حتى لا نقول «انتهازية»!.
 ليس هذا وحسب، بل حتى المبادلات التجارية بين المغرب والخليج، تبرز عدم جدية هذه العلاقة، إذ رغم «الهيلالة»، فإن حجم المبادلات مع الخليج لا تمثل حتى 5% من مجموع مبادلات المغرب الخارجية، والطامة الكبرى أن معدل تغطية الصادرات المغربية للخليج لا تغطي سوى 7% من مجموع وارداته من هناك.
وفي شق الاستثمارات الخارجية، فنجد أن دول الخليج (رغم ثراء صناديقها السيادية وتوهج خزائنها بعائدات النفط والغاز) لا تمثل سوى 15% من مجموع الاستثمارات الأجنبية ببلادنا، علما أن معظم هذه الاستثمارات مردها الإمارات العربية المتحدة، وليس قطر أو السعودية أو الكويت.

أما في الجانب السياسي (وخاصة في ملف الوحدة الترابية للمغرب)، فباستثناء الإمارات والبحرين اللتين اتخذتا قرارا شجاعا بافتتاح قنصلية لكل بلد بأقاليمنا الجنوبية، نجد باقي دول الخليج «تضع رجل هنا ورجل هناك»، وخاصة السعودية وقطر والكويت، علما أن المغرب كان له فضل كبير على هاته الدول من الناحية الأمنية والعسكرية منذ تموجات عهد جمال عبد الناصر ومرحلة الإخوان المسلمين وحرب الخليج الأولى والثانية وفي حرب اليمن وضد تحرشات إيران. وبدل أن يجني المغرب ثمار مواقفه واصطفافه، أدارت دول الخليج ظهرها له، لدرجة أن الالتزامات المالية بين مجلس التعاون الخليجي مع المغرب لم يتم الوفاء بها، باستثناء البحرين والإمارات العربية التي كانت مواقفهما قلبا وقالبا مع المغرب.
رجاء، توقفوا عن ترديد أسطوانة «العلاقة الأخوية والتاريخية» بين المغرب ودول الخليج!