الأربعاء 5 فبراير 2025
كتاب الرأي

عبد الهادي مزراري: فخر الصناعة المغربية.. ما يجب علينا فعله

عبد الهادي مزراري: فخر الصناعة المغربية.. ما يجب علينا فعله عبد الهادي مزراري
"لا يمكن أن تقهر عدوك إلا بالنجاح"، عبارة طالما أحببتها لكن بتحفظ، أحببتها لأنها تشفي الغليل وتحقق المراد، وبتحفظ لأن الغاية من النجاج ليس النيل من عدو حسود، وإنما النجاح في حد ذاته، هو شيء رائع يصبو إليه كل واحد منا بالكد وبالعمل.
بحسن نيه نعتبر الجهل عدو، والفقر عدو، والبطالة عدو. لكن في حال وجود أعداء بشريين، وهم أعداء النجاح، وصناع الفشل، وحلفاء الحسد، نقول بكل فخر إن نجاحنا يضيق عليهم الخناق الذي وضعهوه على رقابهم أكثر فأكثر. فسحقا لهم وللفشل وللجهل وللتخلف ولكل المعيقات التي تدمر الفرد من داخل المجتمع وتدمر المجتمع من بعد ذلك.
الشابان اللذان قدما انتاجيهما لجلالة الملك محمد السادس، وهما سيارتان ذكيتان صديقتان للبيئة في أبهى حلل التكنواوجيا الحديثة، قطعا مسارا ليس بالسهل حتى الوصول إلى تلك اللحظة التاريخية.
سيظل الاستقبال الذي خصهما به الملك يحمل دلالات على مر الزمن، لأن عملهما اكتمل في توقيت جد حساس بالنظر إلى الظروف الوطنية والإقليمية والدولية.
على الصعيد الوطني، أثبت الشابان أن المغرب لم يدخل مجال صناعة السيارات بدون رؤية استراتيجية، أو أنه اكتفى بجعل نفسه مجرد محطة إنتاج في سلسلة الانتاج العالمية لقطاع السيارات. وإنما إلى جانب إنتاجه سيارات من ماركات أجنبية حقق فيها نسبة نمو تجاوزت دول صناعية كبرى، فإنه في الوقت نفسه وضع نصب عينيه خط انطلاق جديد يقوم على الابتكار والتطور وتجاوز مستوى التقليد.
من جهة أخرى، قدم الشابان درسا وطنيا بأن المستحيل ليس مغربيا، ففي الوقت الذي يعاني الشباب من انحصار الأفق بسبب ظروف صعبة، جاءت نتائج الجهد الذي بدلاه معا في صورة حدث تاريخي يجب اعتباره انتصارا وفخرا للصناعة المغربية.
لم يكن جهدهما ليعط ثماره، لو لم تكن هناك رعاية، وهذا أحد أهم المواضيع التي يجب أن نركز عليها على الصعيد الوطني، ونستلهم منها الدرس بأن في البلاد طاقات يجب أن تستثمر في أحسن الظروف وتقدم لها الإمكانيات المعنوية والمادية، وتصبح في صلب استراتيجية الدولة في قطاعات البحث العلمي والصناعة والتسويق الداخلي والخارجي.
أفضل هدية بمكن أن نقدمها لهذا الجهد الذي قام به الشابان بعد التوسيم الملكي، هو توفير فضاء التطوير والانتاج والتسويق.
على الصعيد الإقليمي، وفي سياق السباق المحموم الذي تفرضه ظروف خارجية على المغرب سواء كان سباقا اقتصاديا من طرف الشريك الاوروبي، أو سباقا سياسيا من طرف دول معادية للمغرب ولوحدته الترابية. فإن المغرب بهذا الحدث (تصنيع سيارات متطورة تعمل بطاقة الهيدروجين الأخضر) وسع الهوة بينه وبين من يجاريه، مقدما بذلك نموذجا للاستثمار المستقبلي.
بارك الله الملك محمد السادس، الذي دشن مئات المشاريع الاستراتيجية عبر البلاد، لكن الاستقبال الذي خص به الشبان المغربيان وبصحبة انتاجبهما "صنع في المغرب"، شكل حدثا فارقا في تاريخ المغرب والمنطقة، حاملا معه رسالة مفادها أن "معركتنا هي معركة ضد التخلف والفقر والجهل، وطموحنا لا سقف له، والقافلة تسير".
أما على الصعيد الدولي، وكما أظهرت وسائل الإعلامية العربية والعالمية اهتمامها بالابتكار المغربي في قطاع تكننولوجيا السيارات، فإن أهمية الحدث تكمن في الحل السحري الذي يقدمه الانتاج المغربي في وقت يثير فيه استهلاك الوقود جدلا مزدوجا على صعيد أزمة النفط والغاز من جهة، وعلى صعيد أزمة تلوث المناخ من جهة ثانية.
بذلك يقدم المغرب تكنولوجيا بديلة عن ميكانيك النفط والغاز، تكنولوجيا صديقة للبيئة، وهو ما يجعله مثالا حقيقيا للبلد الناشط في تفعيل الاتفاق العالمي لحماية المناخ.
يحق للمغاربة ان يفخروا بهذا الانجاز، ويدعمه كل من موقعه، ولا يجب أن نفصل هذا الابتكار عن الاستراتيجية الشمولية لتطوير الطاقات المتجددة، من ضمنها بناء وحدات انتاج الهدروجين الاخضر، والتي بتوفر المغرب على مؤهلات لا حدود لها في هذا المضمار.
إننا في كل مرة نحقق إنجازا ما في قطاع ما يفرض علينا إلتزاما باحترام العقول الذكية، التي ساهمت في ذلك الانجاز. والاحترام الحقيقي هنا هو إضافة إبتكار جديد للابتكار السابق.