الجمعة 22 نوفمبر 2024
مجتمع

"الترمضين" عند المغاربة أو حين تتحول العبادة إلى عربدة

"الترمضين" عند المغاربة أو حين تتحول العبادة إلى عربدة

"شاب يطعن سائق طاكسي ويرديه قتيلا". "بائع سمك يبتر يد زبون". "رجل يقطع أذن مواطن". "أب وابنه يجهزان على جارهما". "جريمة قتل جديدة قبل الإفطار بالبرنوصي". "امرأة تشق رأس خضار بالمحمدية". هذه عينة فقط من عناوين بعض الأخبار الكثيرة التي تناقلتها وسائل الإعلام خلال النصف الأول من شهر التسامح والتراحم، وقاسمها المشترك هو حدوثها بسبب نرفزة و"طلوع دم" الصائمين بدعوى"مرمضن". هذه  اللازمة التي لم يعد غريبا تداولها أثناء هذا الشهر من كل سنة كناية على حالة عصبية على وشك الانفلات، وخير ما يمكن التعامل به مع صاحبها هو "تبدل ساعة بأخرى" قبل أن يستبد الغضب وتتطور الأمور إلى أشياء قد يسيل معها الدم أو في أحسن الأحوال تتشابك الأيادي وتتقاذف عبارات السب والقذف. فالحياة بطبيعتها مخنوقة ولا تحتاج لضغوطات إضافية من البشر، يقول الحسين، مستخدم، مضيفا "شي ناس كيجيو حتى لهاد الوقت فرمضان وكيديرو ليك المشاكل على والو. وكيفاش ما يمكنش تكعى". وكان هذا الشاب الذي يعمل قابضا للتذاكر بإحدى حافلات النقل الخاص في الدار البيضاء قد انتهى من نزاع مع أحد الركاب الذي أصر على تسلم ما بقي له من صرف 100 درهم، في الوقت الذي عبر له الحسين عن عدم توفره في تلك اللحظة على المبلغ كاملا متعللا بكونه "يالاه بدا السربيس". وتعد الحافلات من أكثر أماكن نشوب الخلافات بسبب "الترمضين"، يؤكد قابض التذاكر، مشيرا إلى أنه يعاين مشاهد لا حصر لها تكشف عن هذه الحالة التي لا تستثنى منها النساء اللاتي لا تتوانى بعضهن في "التسياف وتخراج العينين لأبسط الأسباب"، مما يؤكد على أن المسألة ليست مسألة إدمان أو "مقطوع" أو ما شابهه، ولكن "بنادم كيبغي يجبد الصداع وصافي بحال إلى صايم بالجميل. احنا مقهورين أصلا بالصهد ديال الله وكيزيدك الصهد ديال العبد". وليست الأزقة والحافلات وفضاءات العمل ما تشهد اشتعال "ترمضينة" المغاربة، بل أيضا بداخل البيوت ووسط العلاقات الأسرية، حيث لا تخفي العديد من الزوجات خشيتهن من حدة مزاج أزواجهن خلال نهار رمضان، مما قد تترتب عليه خصومات ومشاحنات وأحيانا عنف جسدي. وبالنسبة لحياة، أم لأربعة أبناء، فإن زوجها الذي يعمل نادلا في أحد المقاهي يتخذ من رمضان عطلة سنوية له، ويُفسد عليها حياتها في أيام هذا الشهر المبارك، فهي تحاول جهدها أن لا تقوم بأي شيء قد يُشعل فتيل الحرب بالمنزل. وتقول إنها تدعو الله تعالى دوما أن لا يقع مكروه خلال رمضان بسبب حدة طباع زوجها، خاصة أنه يمكث في المنزل طيلة اليوم، الأمر الذي يجعل احتمالات وقوع سوء الفهم كثيرة بينه وبين أبنائه. وتشرح هذه السيدة بأن زوجها يصبح في نهار رمضان شديد العصبية، ولا تنتهي تعليقاته على كل شيء في البيت، سواء تعلق الأمر بالنظافة أو بالمطبخ أو تدبير الوقت أو كيفية تهيئة مائدة الإفطار. مضيفة أنها تتمنى أحيانا أن يقضي زوجها يومه كله مستغرقا في النوم حتى لا تحدث الصراعات بينهما. وإذا كانت حياة تحاول امتصاص "ترمضينة" زوجها بفضل مرونتها وذكائها، فإن زوجة أخرى تقول إن دهاءها لم ينفع في منع زوجها من مضاعفات الترمضين، فقد أضحى شهر رمضان لدى خديجة، الأم لثلاثة أطفال، شهر العراك اليومي مع زوجها المدمن على التدخين. ووصفت في حديثها السويعات القليلة التي تمتد بين وصول زوجها إلى البيت بعد انتهاء العمل وبين موعد الإفطار، بأنها جحيم  حقيقي، تتجرع خلاله مرارة كلماته المهينة، ويصل الأمر أحيانا إلى حد التعنيف الجسدي.