السبت 14 ديسمبر 2024
كتاب الرأي

عز الدين العلام: يا أيها المسلمون اسمعوا وأطيعوا..

عز الدين العلام: يا أيها المسلمون اسمعوا وأطيعوا..

تتساءل العديد من كتب التراث السياسي الإسلامي عما يجب على المحكومين إن جار الحاكم، ولا نجد من جواب غير سلسلة من الأقوال والروايات والأحاديث والمأثورات تحث كلّها على تحمّل مصائب السلطان الجائر وظلمه: "فإذا جار السلطان، فعليك الصبر وعليه الوزر"، و"من خرج من السلطان شبرا واحدا مات ميتة جاهلية"... إلخ. ليس من حق "المحكومين"، تحت أي ذريعة كانت، إعلان ثورتهم على الحاكم التي لا يرون فيها غير حدوث "الفتنة"، وتفرق كلمة الإسلام، وكأنّها أصلا مجموعة!.

يتضمن تحريم "حق الثورة" على الحاكم الإسلامي "واجب الطاعة" الذي يكاد لا يخلو من ذكره والثناء عليه كتاب سياسي إسلامي إلى حد اعتباره "من أعظم الواجبات الدينية، مع ما  يستتبع ذلك طبعا من تداخل بين الذات الإلهية والحاكم السياسي حيث تصبح طاعة الله من طاعة السلطان، بل ويصبح وجود السلطان في "الأرض" دليلا على وجود الله في "السماء".

وعن هذا الواجب المركزي المتمثل في السمع والطاعة تتفرع مجموعة من الالتزامات الفرعية الواجبة على المحكومين، إن سلبا بتحاشيهم لأفعال لا تُحمد عقباها، أو إيجابا بالإتيان بأفعال تجعل منهم رعية مُحبة لدينها و مخلصة لإمامها.

حسب العديد من النصوص، هناك ثلاثة مجالات لا حق للمسلمين المحكومين في النبش فيها، وتخص "السياسة" و"الشريعة" و"شخص السلطان". فعليهم أولا اجتناب السياسة وما يتّصل بها أو "الخوض في أسبابها"، وحصر كل نشاطهم في الكد والكسب وكل ما يرتبط بالمعيش (أو بما هو مدني بلغة حديثة) دون المجال السياسي الذي يعود أمر تدبيره إلى صاحب الوقت. وعليهم ثانيا اجتناب الخوض في علوم الدين و"تأويل الشريعة" التي يعود أمر البت فيها إلى أهلها الملمين بإشكالاتها. وعليهم أخيرا أن يتركوا شخص الحاكم وشأنه "فلا ينشغلوا بسبّه" و"لا يتتبعوا أسراره" أو "يطعنوا عليه" أو "يقتاتون عليه في التعرض لكل ما هو منوط به" وأن يتحاشون كل "اغتياب" في شخصه.

مقابل الامتناع عن هذه الأفعال، يستحسن الفكر السياسي الإسلامي أن تمتثل أمّة الإسلام لبعض الأوامر الدالة على حصول الطاعة وصدقها، وانقيادها لأولي الأمر، وأهمها "النصح والإرشاد اللطيف" ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، و"التعظيم والتفخيم لشأن السلطان في الباطن والظاهر"، والدعاء له والعمل على "تربية الأولاد" في هذا الاتجاه، بل وعليهم أيضا "التماهي" مع صاحب الأمر والنهي في حالاته النفسية، فيظهروا "الاستبشار إذا اتفق له سرور وفرح" أو "يشاركوه في حزنه إذا عرضت له بلية أو حزن"، وعلى هذه "الأمة" أخيرا  تمكين حكّامها المسلمين من التصرف في كافة  "الحقوق المالية..." المقرّرة شرعا وسياسة ، وبأي شيء تريد...

وأخيرا، أدعو القارئ إلى مقارنة الأسس الحديثة التي تجمع الحاكم بالمحكوم في دولة الحق والقانون مع ما يدّعيه كلّ أولئك الذين لا يزالون ينفخون في تراث سياسي إسلامي اصفرّت أوراقه...