من أجمل اللحظات التفاعلية مع تراثنا اللامادي والمادي التي عشتها خلال تنشيطي لعروض فن التبوريدة بمعرض الفرس للجديدة خلال منافسات جائزة محمد السادس (أكتوبر 2022). تلك المشاهد الجميلة التي ستظل راسخة في ذهن المتلقي والجمهور الكبير، حين اصطف على جنبات محرك التبوريدة فرسان أفارقة من دولة نيجيريا يمتطون لأول مرة صهوة الخيول بلباس وزي تقليدي وسروج مغربية أصيلة، حيث كانت لحظة متميزة، صفق لها الجمهور والمتتبعون والمراقبون بحرارة النكهة الإفريقية ـ المغربية بطعم التراث اللامادي الإنساني. علما أنه من بين ضيوف دورة 2022 كانت عدة دول إفريقية إلى جانب بعض الدول العربية والأوروبية التي دأبت على المشاركة بمعرض الفرس بمدينة الجديدة.
لقد تتبع جميع عشاق تراث فن ورياضة التبوريدة تلك اللحظة التاريخية الممتدة للعمق الإفريقي والتي صنعها العقل الديبلوماسي الثقافي والتراثي المغربي تزامنا مع إدراج تراث التبوريدة كمكون عالمي إنساني ضمن لوائح منظمة اليونيسكو. (تتبعها الجميع) بتفاصيلها الرائعة التي تؤكد أن المغرب يسير مرفوع الرأس بخطى ثابتة لتثمين وتحصين موروثه الثقافي والتراثي والحضاري الغني والمتنوع الخصوصيات والروافد.
في هذا السياق انفتحت الجهات المعنية (الجامعة الملكية للفروسية ـ جمعية معرض الفرس بالجديدة ـ الشركة الملكية لتشجيع الفرس...) بتراث التبوريدة على العمق الإفريقي، من خلال التواصل المستمر، وإشراك الوفود الإفريقية في التعرف على قيمة الموروث الثقافي التراثي والحضاري المغربي، والإطلاع على طقوس وتقاليد التبوريدة ومنتوجات الصناعة التقليدية ذات الصلة التي برعت في تصميمها أنامل الصانع (ة) والحرفي (ة) المغربي.
بدون واق لصدورهم اخترق سهم عشق التبوريدة كل قلوب الضيوف الأفارقة بالمغرب وهم يتجولون طيلة فعاليات معرض الفرس بأروقة المعارض التي تبهر العين، وأثناء زيارتهم لفضاءات أنواع رياضات وألعاب ومنافسات الفرسان والخيول الأصيلة (العربية ـ والعربية البربرية)، والاستمتاع بعروض التبوريدة بمحرك سنابك الخيل والبارود، وخصوصا وفد نيجيريا الذي قرر نقل متعة وجمالية تقاليد وطقوس التبوريدة المغربية إلى شعبهم وأرضهم، حيث اقتنوا سروجا مغربية أصيلة وحملوها معهم إلى أرض نيجيريا، للإستئناس والاستمتاع بتراث الفروسية التقليدية هناك، لكن لا بد من تقديم بعض الملاحظات التي لن تفسد للود قضية، والتي نجملها في الآتي:
- ملاحظات في كيفية تَسْنِيحْ وتَزْيِينْ خيول فن التبوريدة:
مدني مؤخرا أحد عشاق التبوريدة ومربي الخيول بالمغرب بصورة اعتبرها شخصيا وثيقة استثنائية تؤرخ لاستعراض بعض الفرسان النيجيريين على صهوة خيولهم بولاية "كَانُو Kano" النيجيرية، بلباسهم التقليدي المتميز (انظر الصورة)، حيث يبدون كجنود يشكلون كتيبة حراس يحملون رماحا، ويضعون سيوفا على خاصرتهم في استعراض جميل أمام مواطنيهم بشوارع ولاية "Kano" النيجيرية.
الملاحظة بالعين المجردة، من خلال طريقة تجهيز وتَسْنِيحْ الخيول من طرف هؤلاء الفرسان النيجيريين، تمكن المشاهد من الوقوف على عدة أخطاء طالت كيفية استعمال السّرج ومستلزماته المعروفة، بعد أن وُضِعَتِ السّروج المغربية الأصيلة على صهوة الخيل (بالمناسبة تم اقتنائها من معرض الفرس من أروقة بعض الصناع التقليديين) بطريقة وصفها أحد المراقبين بـ "العشوائية".
فمن خلال الصورة دائما يتبين أن الطريقة التي تمت بها وضع وترتيب مكونات السّرج المغربي الأصيل تكشف على عدة أخطاء دون الدخول في التفاصيل الكثيرة من بينها مثلا:
ـ مكان وضع ما نسميه بـ "النَّشَّاشَةْ" لم يكن موفقا، بحيث أنها تجاوزت عيني الحصان في الوقت الذي كان من المفروض أن توضع فوق عينيه وليس تحتهما.
ـ وضع السّرج المغربي الأصيل على صهوة الحصان مباشرة دون وضع "الْعَظْمْ" الخشبي الذي يضفي على السّرج رونقا وصلابة على مستوى جلوس وراحة الفارس.
ـ غياب ما نسميه بـ "التَّرْشِيحْ".
ـ عدم استعمال "الرْكَبَاتْ" التقليديين، اللذين يساعدان الفارس على الركوب وتثبيت قدميه وقيادة الحصان، فضلا على أن نفس "الرْكَبَاتْ" المستعملة لا تليق بالسرج المغربي الأصيل.
ـ غياب "الْفَاسْ" و "الصْرَاعْ" و "السِّكِّينْ" و "لَحْرَافْ" و "دَلِيلْ الْخَيْرَاتْ"...
وبدون المضي في تعداد الأخطاء والنقائص في طريقة لباس السّرج المغربي، وعلى اعتبار أن الفرسان بنيجيريا قد أخذوا بزمام المبادرة مشكورين، يمكننا القول بأنه ينتظر الجهات المعنية عمل كبير على مستوى التأطير والتلقين والإرشاد في سياق نشر ثقافة التبوريدة وطقوسها وعاداتها وتقاليدها كتراث عالمي إنساني، بحيث أنه من المفروض على كل فارس شراء السّرج المغربي بكل مكوناته ومستلزماته المعلومة والمعروفة، وأن يتم تلقين المبتدئين منهم طريقة وضع السّرج وترتيب حاجياته الأساسية.
في هذا السياق أكد العديد من المراقبين من عشاق الفروسية التقليدية بأن فكرة استعمال و وضع سروج مغربية أصيلة على صهوة خيول نيجيريا خلال الاستعراض الاحتفالي بولاية "Kano" النيجيرية جد جيدة، واعتبروا أن مبادرة الفرسان النيجيريين اعتراف جميل بتراث فن التبوريدة المغربية، بل أن هناك من مثلهم بسفراء التبوريدة في عمق إفريقيا ترجمة لمفهومها العالمي والإنساني كما حددتها لوائح منظمة اليونسكو، لكن الأخطاء التي وقعوا فيها من خلال وضع السّروج على صهوة الخيول يجب إعادة النظر فيها وتداركها بالتواصل والشرح والتفسير وإقامة ورشات تعليمية ميدانية لتصحيحها.
لن يتناطح عنزان كون أن فرسان نيجيريا قد ابتاعوا السّروج المغربية بواسطة متدخلين مرافقين لهم بمعرض الفرس، بمعنى أن المسؤولية يتحملها من كان يرافقهم أثناء زيارتهم للمعرض الفرس. فلماذا يا ترى تم الاقتصار خلال شراء السّرج المغربي على ما نسميه بلغة الْبَّارْدِيَّةْ والصّناع التقليديين بـ (السْقَاطْ) فقط أي (الدْجَاجَةْ" و "الزِّيفْ" و "الْقُبْ" و "النَّشَّاشَةْ" و "الْقِلَادْةْ"...بل كان من المفروض تفسير وشرح معنى مكونات السّرج المغربي الأصيل لفرسان نيجيريا ضيوف المعرض، وإضافة النقائص من شروط مكوناته المعلومة التي لاحظناها وكشفناها من خلال الصورة المرفقة لهذا المقال.
ونختم هذه المادة الإعلامية بتصريح لأحد فعاليات فن التبوريدة الذي استغرب للعدد المهول لجمعيات المجتمع المدني ذات الأهداف المشتركة على مستوى تراث التبوريدة حيث قال: "لدينا في المغرب أزيد من 1034 جمعية تهتم بفن التبوريدة (عدد كبير جدا) لكن هناك فراغ تام ميدانيا و واقعيا، وهذا هو أصل المشكل". وأضاف موضحا بقوله: "كان من الممكن أن تنخرط بعض هذه الجمعيات في التأطير والتوعية وتقوم بدورها الميداني في الإرشاد والنصح وتوضيح كل ما يتعلق بلباس الفارس وكيفية تجهيز الخيول وتَسْنِيحِهَا، وتساهم بدورها في تقديم كل المعلومات ذات الصلة بتاريخ التبوريدة وطرقها ومدارسها".
طريقة تسنيح الحصان بالسرج المغربي الأصيل