شرطة المرور استوعبت جيدا المعنى الحقيقي لـ "الإمساك" في شهر الصيام.. و"دخلات رمضان في مدونة السير". فجعلت هذا الشهر هو "شهر الإمساك"، أي إمساك أي سائق سيارة سواء ارتكب المخالفة أم لم يرتكبها، أليس رمضان "شهر الإمساك"؟
هناك أمور أخرى على السائقين (وأخص بالذكر هنا السائقين) معرفتها، لأن "اجتهادات" إخواننا في شرطة المرور ينبغي أن تدرس في المعاهد العالمية لرجال الشرطة.
وأنت تقود سيارتك -عزيزي السائق- في شهر الصيام أمسك عن الإمساك بأي شيء تمسك به، المسموح لك فقط هو أن تمسك بمقود سيارتك، وخصوصا الهواتف النقالة. لأن الإمساك بالبورطابل يعني أن لديك النية المبيتة لاستخدامه في أي لحظة، وهذا قد يجلب لك "المتربصين" من رجال الشرطة الذين "يتبربصون" بالسائقين إما وراء شجرة أو عند ناصية شارع أو خلف إشارة مرور. ففي هذا الوطن يتمنى بعض رجال الشرطة -قليلو النية- أن ترتكب المخالفة، ولا يعرفون أن دورهم هو بث الأمان في الطرقات، لهذا يجزع بعض السائقين في حالة رؤية شرطي مرور كأنه رأى "عفريتا" أو "تمساحا"، ويصاب بالذعر، ويتشتت تفكيره، ويتردد هل يتوقف لأن إشارة المرور هي "بين المنزلتين"، أي "ماشي صفرا وماشي حمرا"، ولما يتوقف يساوره الشك هل تجاوزت عجلاته الخط الأبيض المفروض ألا يلمسه ولو بشبر... ومع كل هذه "الاحترازات" تحصل.. تحصل.. إيلا محصلتيش اليوم تحصل غدا... البوليس له صبر أيوب. وهذا ما يفسر علاقتنا المضطربة و"نسبية" احترامنا لقوانين السير. بعض السائقين ينتقمون لأنفسهم من المذلة التي يعانون منها من قبل بعض رجال شرطة الطريق بالإمعان في اختراق قوانين السير ومع سبق الإصرار والترصد في الأوقات التي تغيب فيها "الحراسة"، فتتشابك السيارات، وتختلط الألوان، وتتقاطع الخطوط.
لنعد إلى صلب الموضوع، موضوع "الإمساك"، وما يجوز لك -عزيزي السائق- أن تمسك به وما لا يجوز لك أن تمسك به في "شهر الإمساك". وصلتنا شكاية مواطن "ممسوك به" من قبَل "شرطة الإمساك"، لأنه كان "مُمسكا" بهاتفه النقال، أي أن واقعة "التلبّس" لم تحدث بعد، لكن الشرطي "توقّع" أو "تهيّأ" له أن السائق بما أنه "يمسك" بأداة المخالفة فكأنه ارتكب المخالفة والمفروض "إمساكه".
البورطابل في هذه الحالة هو "أداة الجريمة" والسائق هو "المجرم"، والشرطي هو "القاضي" ووحده يملك السلطة التقديرية لتوصيف هذه الحالة هل السائق في عداد "الجانحين" و"المخالفين" في مدونة السير، لأن أول رد فعل سيقوم به الشرطي أو الدركي هو أن يُشهر أمامك مدونة "غلاب" ويتلو عليك بند المخالفة والرسوم الواجب دفعها.
المواطن "الممسوك" صاحب الشكاية الماثل أمام الشرطي "الماسك" لا يعرف بماذا يرد وكيف سيدافع عن نفسه وماذا سيقول في هذه النازلة: هل البورطابل من "نواقض" قوانين السير؟
نريد فتوى جازاكم الله في شهر "الإمساك" هذا، وفي النازلة هاته.