Monday 18 August 2025
مجتمع

الحسن زهور: الأضرحة في ثقافتنا المغربية

 
 
الحسن زهور: الأضرحة في ثقافتنا المغربية الحسن زهور وصور من ضريح بو لفضايل
النبش والتدنيس الذي تعرض له ضريح " سيدي بوالفضايل" بماسة من طرف لصوص الكنوز، أثار الكثير من الكلام الكتابي في "حيوط" الفايسبوك، لكن الغريب في أمر هذه الكتابات ان الكثير منها هللت لهذا التدنيس ولهذا النبش، معتبرة إياه تحطيما للفكر الخرافي المتمثل، في نظر اصحاب هذه التعليقات والأقلام، في هذه الأضرحة المنتشرة في وطننا، لكن تبقى بعض الكتابات القليلة عقلانية وموضوعية في تنديدها بهذا النبش والتدنيس للحرمات.

هنا أود أن اورد بعض الملاحظات:
- الموقف الديموقراطي يحتم علينا أولا التنديد بهذا النبش وهذا التدنيس لحرمات الأموات.
- الموقف الديموقراطي يحتم علينا التنديد بجريمة السرقة، أيا كان السارق، والسرقة سرقة ولو غلفناها بالمساحيق الدينية أو الإيديولوجية.
- الفكر العقلاني يحتم علينا نشر الوعي وليس التهليل بالإعتداءات على الأحياء أو الأموات، فالذين يؤمنون بكرامات الأشياخ والأولياء سيومنون بها ولن تعوزهم التبريرات لتبرير ما يعتقدون به.
- ما وقع لضريح "سيدي بوالفضايل" فرح له من يدعي "العقلانية" ومن يدعي السلفية، ف"العقلاني" هنا كما السلفي وجهان لعملة واحدة هي تشجيع السرقة والإعتداء وتبخيس الناس معتقداتهم.
- السلفي في المغرب يريد بايديولوجيته السلفية سلخ المغاربة عن هويتهم بتبديع المواسم التي ترتبط بالأولياء والقديسين وتبديع القراءة الجماعية للقرءان، والدعاء الجماعي في المساجد، وتكريم الفقهاء و"الطلبة" باستدعائهم في المناسبات الاجتماعية للاسر المغربية.. وتبديع التجمعات الدينية الثقافية مثل "لمعروف"، والتجمعات الروحية لمريدي الزوايا (الدرقاوية والتيجانية والبودشيشية...)، وتبديع الإحتفالات الإعتقادية مثل "بلغنحا، بيلماون، إمعشارن، لالا تاغلا..."...
- من يصف نفسه ب"العقلاني" في بلدنا يسقط أحيانا بدوره في ايديولوجية السلفي وهو لا يدري ليلتقي الطرفان في نفس الهدف، لكن السلفي يعطي بديلا ونموذجا لما ينتقده ويحاول هدمه، ونموذجه الثقافي والسياسي هو الوهابية او الإخوانية أو السلفية المتطرفة...، في حين من يصف نفسه ب "العقلاني" المغربي يقطع مع جذوره الثقافية ليقفز إلى بديل كوني، منقطعا عن ثقافته لينفصل عنها وعن جذوره.
- الإستهزاء من أضرحة القديسين هو هروب من إصلاح المجتمع، وإصلاح المجتمع ثقافيا وفكريا  وحقوقيا هو الإنطلاق من ثقافة هذا المجتمع، فالمثل الأمازيغي  يقول في هذا الشأن:" أژرو ن تمازيرت أسا ئبنا يان"، الإصلاح   يعتمد على إعطاء البديل والنضال من أجل تحقيقه، فالمواطن الذي يتوفر على حقوقه الأساسية كمجانية الإستشفاء ممثلة في مستوصف أو مستشفى مجهز في منطقته لن يحتاج إلى الضريح ليتجه إليه طالبا من صاحبه الشفاء من مرض ما لم يجد دواءه في المستوصف او لبعد المستشفى عنه بتكاليفه التي لا يتوفر عليها.. 
.فالهدم سهل لكن البناء صعب، والبناء يتطلب قراءة تميزنا الثقافي والإنطلاق منه نحو الفكر الإنساني والكوني لكن بقاعدة ثقافية متجذرة، ولنا مثال في الصراع الذي احتدم حول مدونة المرأة  بين الإسلاميين الذين اعتمدوا على المرجعية الشرقية وبين الحركات النسوية التقدمية التي اعتمدت على المرجعية الكونية الغربية، وكلا الطرفين انقطعا عن جذورهما الثقافية المغربية، وكان من الممكن ان تكون الجذور ممثلة في الثقافة الأمازيغية قاعدة الإنطلاق الى ما هو كوني (فقه النوازل).  
- تبخيس المعتقد لا يكون بتبرير سرقة الأضرحة وتشجيع نبش القبور(من بعض من يدعي العقلانية ) ولا هدم الأضرحة ( كما تريد السلفية اسوة بالوهابية), كما ان تمجيد وتقديس الأضرحة دون تشذيب الشوائب المتعلقة بها (بتشجيع ممن يستفيد من ارباحها) هو عرقلة تطوير المجتمع..
- الأضرحة جزء من ثقافتنا شئنا أم أبينا، كما يقول المثل الأمازيغي " ؤر اد تسنتلت تافوكت س تالونت".. الأضرحة مرتبطة بواقع إقتصادي وإجتماعي وثقافي متجذر  في ثقافتنا ولا يمكن محوه؛ ما يجب ان نقوم به هو توظيفها  بالتنمية لتكون فعالة في تنمية بعض المناطق المغربية ( وهي فعلا تساهم في هذه التنمية: المواسم، اللقاءات الروحية، السياحة الثقافية: المزارات ومنها المزارات اليهودية...)، ومع نشر التعليم ستسقط حتما عن الأضرحة بعض الممارسات الغيبية والخرافية التي تلتصق بها، لتبقى وسيلة روحية او ثقافية مثلها مثل المزارات والمعالم الثقافية المغربية الأخرى، ولكن الأساسي هنا هو  ما يرتبط بها، أي بالأضرحة، من مواسم إقتصادية وإجتماعية وثقافية والتي تساعد في تنمية الرواج الاقتصادي والثقافي والسياحي في بعض المناطق المغربية المهمشة.