الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

رضوان زهرو: القضية الفلسطينية.. الملك محمد السادس والموقف الثابت

رضوان زهرو: القضية الفلسطينية.. الملك محمد السادس والموقف الثابت رضوان زهرو
يدخل صنع القرار الخارجي عمليا، ضمن المجال الحصري والخاص للملك.
ففي النظام المغربي، الملك باعتباره أمير المؤمنين يشكل النواة المركزية لبنية صنع القرار الاستراتيجي عموما، ومنها بلورة السياسة الخارجية لبلادنا؛
"الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية"(الفصل 41)
إنه وضع متميز جدا للمؤسسة الملكية، في التأثير على تحديد خيارات هذا الجانب من السياسة العامة لبلادنا؛ ف”الملك، رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة.
الملك هو ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة (الفصل 42)
 فيما (الفصل 52) يقضي بوجوبية الامتثال للمنظومة الدلالية والاستدلالية، لما يمكن أن تصدره السلطة الأعلى من قرارات وتوجيهات حول قضايا مصيرية، من خلال الخطب الملكية كقناة ومسلك رئيسي لإسناد الأوامر وتوجيه التعليمات وتعيين الأهداف والأولويات المرتبطة بالقضايا الخارجية "للملك أن يخاطب الأمة والبرلمان، ويتلى خطابه أمام كلا المجلسين، ولا يمكن أن يكون مضمونه موضوع أي نقاش داخلهما".
ومن المعلوم كذلك أن القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية تندرج ضمن التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة التي تتخذ قرارتها من داخل المجلس الوزاري "يتداول المجلس الوزاري في القضايا والنصوص التالية :
- التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة…"
(الفصل 49)  والملك هو الذي يقرر بفعل ترأسه له "يرأس الملك المجلس الوزاري، الذي يتألف من رئيس الحكومة” والوزراء(الفصل 48).
وعلى صعيد التعبير عن رضا الدولة تجاه الالتزامات الدولية، فحتى تكون جميع المعاهدات  نافذة و منتجة لأثارها  القانونية، يجب أن يصادق عليها الملك. والتصديق على المعاهدات هو إحدى السلطات التي منحها الدستور للملك وحده، حيث "يعتمد الملك السفراء لدى الدول الأجنبية والمنظمات الدولية، ولديه يُعتمد السفراء، وممثلو المنظمات الدولية.
يوقع الملك على المعاهدات ويصادق عليها” (الفصل 55) وليس محلا للتفويض بحيث لا يمكن تصور إجراء المصادقة على المعاهدات من طرف سلطة أخرى عكس التوقيع.
هذا التأثير المباشر على إدارة دفة الشأن الخارجي دبلوماسيا، له ما يدعمه عسكريا، فهو يستقي وجوده من إكفاح الملكية للمؤسسة العسكرية، والتحكم في التركيبة التنظيمية لها بتوليه شخصيا إدارة القيادة فيها؛ ف"الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية. وله حق التعيين في الوظائف العسكرية، كما له أن يفوض لغيره ممارسة هذا الحق"(الفصل53)
بحكم مسؤولية الإمامة العظمى التي تستوجب الذود على حوزة التراب الوطني.
من هذا المنطلق يمكن قراءة بلاغ الديوان الملكي الأخير الذي  جاء لإعادة تأطير الحزب الإسلامي  تجاه  السياسة الخارجية للمملكة وتجاه قضية مركزية بالنسبة لجلالة الملك وبالنسبة للمغرب والمغاربة .
فإذا كان الصراع الفلسطيني الإسرائيلي صراع متشعب ومعقد ومتعدد الأبعاد والأطراف كذلك ؛ فهو أكبر من أن يفهم عمقه أو  يستوعب كنهه أو يحيط بكل جوانبه كيان من الكيانات أو يخوض فيه حزب من الأحزاب كيفما كان ولأي سبب كان.
إن خدمة القضية الفلسطينية لم ولن تتحقق  بالاستغلال السياسي أو بالابتزاز أو من خلال المزايدات والحسابات الانتخابية الضيقة؛ إن خدمة القضية الفلسطينية: سياسة دولة وأولوية ملك.
73 سنة مرت على ما سمي حينها بالنكبة  ومنذ ذلك التاريخ، لم تتوقف الأحداث، ولن تتوقف برأيي؛ طالما لم يستوعب البعض بأن السياسة واقعية وبراغماتية، حوار وتفاوض، أخد وعطاء، توافقات وتنازلات من جميع الأطراف؛ وما لا يدرك كله لا يترك بعضه كما يقال.
لا أظن أن هناك مستفيد من الصراع ؛ الكل خاسر، سواء في إسرائيل أو في فلسطين ؛ لا أحد من الطرفين يقبل بأن يعيش في حالة الخوف والرعب واللااستقرار كل هذه العقود من الزمن.
سنوات عديدة مرت والظروف وموازين القوى تغيرت كثيرا، وإسرائيل اليوم ليست هي إسرائيل الأمس؛ ولا أتصور أن الحل في استمرار أحد الطرفين في العمل بكل ما أوتي من قوة لإزاحة الطرف الآخر، سواء فلسطين أو إسرائيل؛ حل الدولتين يبقى هوالمخرج الوحيد الواقعي لهذا الصراع.
صحيح يجب المقاومة ثم المقاومة، ولكن ليست المقاومة إلى ما لا نهاية ؛ بالموازاة مع ذلك، يجب التفاوض للوصول إلى حل ؛ فلا مقاومة من أجل المقاومة ومن دون فتح جبهة للتفاوض.
وهذا ما أدركه جيدا مبكرا ملوك المغرب ؛ فكانت لهم ولا تزال، صولات وجولات وبصمات ومواقف مضيئة، وباع كبير فيما يتعلق بقضية الشرق الأوسط الأولى ؛ القضية الفلسطينية.
إن بصمات جلالة الملك  محمد السادس تجاه القضية الفلسطينية،  بصمات عديدة ومتنوعة ودائمة في الزمن، شعبيا وسياسيا وماليا ودبلوماسيا كذلك.
كان جلالة الملك دائما ولا يزال، حاضرا إلى جانب الفلسطينيين ؛ موقف المملكة المغربية من القضية الفلسطينية موقف مبدئي واضح وثابت ولا رجعة فيه ورائد كذلك في كل الوطن العربي والإسلامي، بل وكان دائما منحازا لأصحاب الحق ؛ حق الفلسطينيين في أن تكون لهم دولة كاملة الأركان.
القضية الفلسطينية بالنسبة للمغرب وبالنسبة للمغاربة وبالنسبة لجلالة الملك على الخصوص، قضية مركزية لا توازيها سوى قضية وحدتنا الترابية.
دعم القضية الفلسطينية التزام شخصي من جلالة الملك محمد السادس ؛ وكذلك كان من قبل، بالنسبة للملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله.
جلالة الملك أمير المومنين ويرأس لجنة القدس، والتي ينبثق عنها بيت مال القدس الشريف الذي يقوم بالدعم على أكثر من صعيد، وأحيانا كثيرة، بدعم مالي مباشر من جلالته.
تدخلات كثيرة ومتنوعة لبيت المال هذا، في عدة مجالات، نذكر ببعضها على سبيل المثال فقط، في الصحة وفي التعليم وفي ترميم الدور العتيقة، وحتى في تسديد الغرامات المفروضة على أصحاب هذه الدور ؛ كل ذلك لتثبيت السكان المقدسيين حيث هم، والحفاظ في الوقت نفسه، على الطابع التاريخي والحضاري للدور السكنية
ولأماكن العبادة.
إذن، هو مجهود كبير ومقدر، وعمل جبار ينجز بالفعل، بإشراف شخصي ومباشر من جلالة الملك، وليس بالقول الطنان أو بالشعارات الرنانة، كما تصنع بعض الدول التي بدأت تبحث متأخرة جدا، عن موطئ قدم لها داخل هذا الصراع.
فأين كانت هذه الدول عندما كان المغرب يحتضن القمم والمؤتمرات، ويترأس اللجن والمجموعات، ويعطي وبسخاء المكرمات، ويرسل المعونات والمساعدات، ويقيم المستشفيات الميدانية، ويجوب رجالاته العالم طولا وعرضا، معرفين بالقضية الفلسطينية، ومحذرين من تبعات ما يتعرض له الفلسطينيون والأماكن المقدسة من عنف واعتداء؟