الجمعة 29 مارس 2024
مجتمع

البحيري يقدم قراءته حول ملاءمة الدستور المغربي للإتفاقيات الدولية في مجال المحاكمة العدالة

البحيري يقدم قراءته حول ملاءمة الدستور المغربي للإتفاقيات الدولية في مجال المحاكمة العدالة العميد يوسف البحيري وجانب من أشغال الندوة

نظمت محكمة الاستئناف بمراكش يوم الاثنين 13مارس2023، ندوة علمية جهوية حول موضوع: " ضمانات المحاكمة العادلة وتحديات الممارسة في ضوء الدستور والعمل القضائي والمواثيق الدولية".

وتميزت الندوة بالمداخلة التي تقدم بها العميد يوسف البحيري أستاذ التعليم العالي بجامعة القاضي عياض، تحت عنوان: ملاءمة الدستور المغربي للاتفاقيات الدولية في مجال ضمانات المحاكمة العدالة قرينة البراءة نموذجا، وفيما يلي نص المداخلة:

 

"ينص الدستور المغربي لعام 2011 في الفصل الأول على الثوابت الأساسية التي تستند عليها الأمة في حياتها العامة وهي: الدين الإسلامي والوحدة الوطنية متعددة الروافد والملكية الدستورية والاختيار الديمقراطي.

كما يتضمن التصدير الذي هو جزء لا يتجزأ من الدستور على مجموعة من الدعامات الدستورية لبناء دولة القانون والمؤسسات ومنها التشبث بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، كذلك الالتزام بحماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق وعدم قابليتها للمتجزأ، وحظر ومكافحة جميع أشكال التمييز وسمو الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب فور نشرها على التشريعات الوطنية والعمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه هذه المصادقة.

فالالتزام الصريح بمبدأ سمو الاتفاقيات الدولية في التصدير، يفسر اتساع مجال حماية حقوق الانسان في وثيقة 2011 التي تتضمن 21 فصلا مقارنة مع دستور 1996 الذي أورد 11 فصلا، ومنها دسترة ضمانات المحاكمة العادلة في سياق الالتزام بمبدأ سمو الاتفاقيات الدولية، وهو ما سأتناوله بالتحليل في القسم الأول من هذه المداخلة:

القسم الأول: دسترة ضمانات المحاكمة العادلة في سياق الالتزام بمبدأ سمو الاتفاقيات الدولية

صادق المغرب على الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان ذات الصلة بضمانات المحاكمة العادلة، نذكر منها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بتاريخ 3 ماي1979 والذي ينص في المادتين 9 و14 على مبادئ المحاكمة العادلة:

- قرينة البراءة ؛

- حق ضحية الاعتقال التعسفي أو التوقيف غير القانوني، في التعويض؛

- المعاملة الإنسانية للشخص الموضوع في الحراسة النظرية،

- كفالة حق المتهم في الدفاع، والمساعدة القضائية،

- تطبيق مبدأ العلنية، ما عدا في حالة المساس بالحياة الخاصة للأفراد ؛

- خضوع عدالة الأحداث لإجراءات خاصة ؛

- عدم تطبيق الاعتقال الاحتياطي في حالة وجود ضمانات المثول أمام المحاكمة ؛

- عدم إصدار العقوبة الحبسية بسبب عدم القدرة على الوفاء بالتزام تعاقدي؛

القراءة التحليلية للوثيقة الدستورية لعام 2011تؤكد على ملاءمة مبادئ المحاكمة العادلة المنصوص عليها في المواثيق الدولية مع الدستور الوطني. حيث يتضمن الباب السابع الخاص بالسلطة القضائية في الشق المتعلق "بحقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة" (من الفصل117 إلى الفصل 128) مجموعة من الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة في سياق الملاءمة والأخذ بمبدأ سمو الاتفاقيات الدولية نذكر منها : قرينة البراءة كأصل، الحق في الدفاع، سرعة الفصل في الدعوى، الحق في المناقشة الحضورية لوسائل الاثبات، الرقابة القضائية على اماكن الحرمان من الحرية، علنية الجلسات وغيرها.

الفصل 119 :يعتبر كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة بريئا، إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به.

الفصل 120 :لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول. حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم.

الفصل 122: يحق لكل من تضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة.

الفصل 123: تكون الجلسات علنية إلا في الحالات التي يقرر فيها القانون خلاف ذلك.

ومن الملاحظات الأساسية التي يمكن تقديمها بشأن ضمانات المحاكمة العادلة التي وردت في الدستور:

-الملاحظة الأولى: اعتبر الدستور قرينة البراءة هي الأصل وكرس الطابع الاستثنائي للتدابير السالبة للحرية، كما خصص لقرينة البراءة حماية خاصة في البابين الثاني والسابع: ففي الباب الثاني المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية، ينص (الفصل 23 ) على أن "قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان"، وذلك في إطار منع الاعتقال التعسفي، حيث يؤكد هذا الفصل : "لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته، إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون، الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري، من أخطر الجرائم، وتعرض مقترفيها لأقسى العقوبات.

أما الباب السابع المتعلق بالسلطة القضائية في الشق الخاص بحقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة، ينص(الفصل 119) "يعتبر كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة بريئا".

-الملاحظة الثانية: إن التنصيص بشكل صريح في تصدير الدستور على مبدأ سمو وترجيح كفة الإتفاقيات الدولية على التشريع الوطني والعمل على الملاءمة مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، يسعى من خلاله المشرع إلى تجنب السقوط في التعارض relation d’oppositionبين الاتفاقيات الدولية والقوانين الوطنية. خصوصا وأن الفقه القانوني يجمع على أن الحديث عن تعارض الإتفاقيات الدولية والتشريع الداخلي في مجال حقوق الإنسان هو مخالف للصواب، لأنهما أصلا لا يوجدان في نفس المرتبة حتى يتعارضان. وإنما العلاقة التي تربط بينهما، هي علاقة الخضوع التي تحكم التشريع الوطني إتجاه الاتفاقيات الدولية، مادامت هي الأصل في التدرج.

القسم الثاني: الأبعاد الدستورانية لدور السلطة القضائية في ضمان المحاكمة العادلة

تؤكد مجموعة من الاتفاقيات الدولية المتعلقة باستقلال القضاء التي صادق عليه المغرب، على أن استقلال القضاء هو الضامن الأساسي لمبادئ المحاكمة العادلة.

فاتفاقية الأمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المبرمة بميلانو في ديسمبر 1985؛ تلزم الدول بتأمين استقلال القضاء وتحصينه في إطار ضمان شروط المحاكمة العادلة:

- تكفل الدولة مبدأ استقلال السلطة القضائية والتنصيص عليه في الدستور و التشريعات الوطنية، ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية؛

- يفصل القضاء في القضايا المعروضة عليها على أساس الوقائع ووفقا للقانون، ودون أي تدخل، مباشر أو غير مباشر، ومن أية جهة أو لأي سبب.

وفي سياق الملاءمة و الأخذ بسمو الاتفاقيات الدولية، شدد الدستور المغربي على استقلال السلطة القضائية التي أفرد لها بابا مستقلا من أبوابه (الباب السابع الذي يتضمن الفصول من 107 إلى 128 )، حيث ينص الفصل 107 على أن "السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية". وإعمالا لهذه الاستقلالية، "فالملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية".

كما يضمن الدستور مقتضيات حمائية لاستقلالية القاضي في سياق الدور الأساسي الذي يلعبه في ضمان مبادئ المحاكمة العادلة. والتي يتناولها:

الفصل 109 "يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء؛ ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات، ولا يخضع لأي ضغط. …يعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة".

وكذلك الفصل 110 " لا يلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق القانون. ولا تصدر أحكام القضاء إلا على أساس التطبيق العادل للقانون".

وأيضا الفصل 117 "يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون".

فهذه الضمانات الدستورية تمنع وتعاقب التأثير على القاضي وتمنع التدخل في القضايا المعروضة على القضاء، وهي مدخل أساسي لتفعيل وتأمين استقلال القضاء حتى يكون قادرا على القيام بدوره في ضمان شروط المحاكمة العادلة وتفعيل الأمن القضائي والعدالة الاجتماعية."