الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الجليل أبوالمجد: هل المجتمع المغربي لا يقرأ ؟

عبد الجليل أبوالمجد: هل المجتمع المغربي لا يقرأ ؟ عبد الجليل أبوالمجد
في العصر الحديث تعددت وتنوعت وسائل اكتساب العلم والمعرفة ما بين وسائل مقروءة ومسموعة ومرئية. ولكن مع التطور التكنولوجي ومع كثرة الينابيع واختلافها تبقى القراءة هي أساس العلم والمعرفة، ومفتاح الرقي والتطور، ولا يمكن أن تتقدم أمة أبناؤها قد هجروا مختلف أشكال القراءة ونبذوا العلم والمعرفة. وهنا يطرح السؤال لماذا عزفت الأجيال، وأغلبية المغاربة عن القراءة؟ ولماذا أمة اقرأ لا تقرأ؟!
قبل الدخول في الموضوع أشير أن العزوف عن القراءة لا يعانيه المغاربة فقط، بل هي مشكلة عالمية، حتى أن الدول التي كانت شعوبها مدمنة على القراءة سابقا مثل الشعب الإنجليزي والشعب الفرنسي تعاني اليوم من هذه المشكلة. وقد نشرت مجلة (لوبوان) Le Pointوهي من أشهر المجلات الفرنسية تحقيقا موسعا عن القراءة تحت عنوان "أنقذوا القراءة"، حيث تحدث في هذا التحقيق عدد من كبار المفكرين والباحثين عن أزمة القراءة ومظاهر العزوف عنها، وقد أوضحوا في تحقيقهم بأن الكتاب يتعرض منذ سنوات لمنافسة قوية وربما غير متكافئة مع وسائل الاتصال الحديثة مثل الفضائيات والهاتف المحمول والأنترنت وكل ما يتصل بها من وسائل سمعية وبصرية.
عربيا مشكلة العزوف عن القراءة تعرفها كل الشعوب العربية، وإن كان بشكل متفاوت، فقد كشفت الإحصاءات الخاصة بالقراءة والمطالعة والصادرة من المنظمات ذات المصداقية مثل منظمة الفكر العربي ومنظمة اليونسكو تؤشر على حجم الكسل وقلة الاهتمام بالقراءة للمواطن العربي بالنسبة لنظيره الأوروبي أو الأمريكي أو حتى الهندي الذي قفز مؤخرا إلى المراكز الأولى عالميا.
وهكذا أظهر تقرير التنمية الثقافية الذي تصدره مؤسسة الفكر العربي عن تدهور نسبة القراءة بين العرب، مقارنة بالغربيين الذين يقضون ساعات طويلة في القراءة، إذ يشير التقرير أن متوسط قراءة الفرد الأوروبي يبلغ نحو 200 ساعة سنويا بينما لا يتعدى المتوسط العربي 6 دقائق.
وأسباب العزوف عن القراءة كثيرة، لعل من أهمها: -الوضع الاقتصادي المزري فهو أساس المصائب والمشاكل فليس من المعقول أن يشتري الأمي والجائع الكتب وبطنه خاوية، -تراجع المستوى الثقافي بصورة عامة في السنوات الأخيرة، نتيجة السياسات الخاطئة التي اتبعها معظم الدول العربية، التي ترى في المثقف عدوها الأول،-اتساع مساحة التكنولوجيا الحديثة في حياة الجيل الجديد، مثل الإنترنت وألعاب الفيديو، مما أضعف صلتهم بالكتب عامة، بما فيها الكتب الرقمية التي تنشرها مواقع الفكر والثقافة على شبكة الإنترنت العالَمية.
وفي سياق ذي صلة بهذا الموضوع، ما زلت أذكر (كتجربة ذاتية) في مرحلة من عمري، عندما كنت أسافر يوميا على مثن القطار الرابط بين الرباط والدار لبيضاء، نادرا ما أرى راكبا مغربيا يحمل كتابا، أو أي شيء آخر يقرأه خلافا للأجناس الأخرى، لاسيما الإنسان الغربي، وما كان يثير أثار انتباهي باستمرار أنه متى حمل أحد الركاب المغاربة جريدة أو مجلة، فإنما لتمضية الوقت والاستعانة بها من تعب السفر، وحتى إذا حدث وقرأ بعضهم، فإنما يقرأ الصحف من عناوينها فقط أو يملأ شبكات الكلمات المتقاطعة أو الألعاب. وخلال سفريات المغاربة عبر القطار ترى فريقا منهم في نوم عميق، وفريق منهم يقضي الوقت في "النظر والمغازلة " لأي فتاة تركب معهم حتى لو كانت محجبة أو منقبة! وفريق آخر غارق في الهاتف المحمول وفيديوهات اليوتيوب التي استثمرت في الأمية. مع العلم أننا ما زلنا لم نضع أرجلنا في أول درجة على سلم الثورة الرقمية ولم ننتج منها منظومة أخلاقية وتعليمية وتثقيفية تواكب هذا المنتج الجديد على ثقافتنا الشفوية.
هذا الوضع "الكارثي على كل مستويات القراءة والمطالعة، جعل المجتمع المغربي يحتل مرتبة متدنية على صعيد الدول القارئة حسب إحصاءات وتقارير عدة. والحديث عن مشكلة القراءة في المغرب يشير إلى أن الوضع القرائي في المغرب كان في السبعينيات والثمانيات أحسن مما هو عليه الآن، ولكنه ما يلبث يتقهقر.
وقبل أن أختم هذا الموضوع أشير باختصار إلى أن مشكلة القراءة في المغرب هي مشكلة مركبة لا يمكن توجيه اللوم فيها إلى طرف واحد دون غيره. فالأسرة لها دور كبير في المشكلة، وكذلك المدرسة والجامعة، والمجتمع، وأيضا الجهات الحكومية التي أغفلت منذ بدايات التخطيط لبناء الأحياء والمدن أن تكون ضمن هذا التخطيط الخزانات العامة والخزانات المدرسية في كثير من الحواضر المغربية، إلى جانب باقي المصالح والإدارات لأنها في النهاية كلها مصالح تصنع المجتمع المتحضر.
وختاما، إن الشعب الذي لا يقرأ لا يتعلم من الماضي ولا يستحق المستقبل، كما أن الشعب الذي لا يقرأ شعب جاهل لا يعرف نفسه ولا يعرف غيره. وبعبارة أخرى هو عدو نفسه قبل الأخرين!