الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

جمال المحافظ: التكوين في الإعلام والحاجة للإصلاح

جمال المحافظ: التكوين في الإعلام والحاجة للإصلاح جمال المحافظ
لا يستقيم الحديث عن " واقع وآفاق التكوين الإعلامي بالمغرب" بدون طرح تساؤلات منهجية في مقدمتها ما هو موقع الصحافة والاعلام في السياسات العمومية؟ وهل يشكل هذا القطاع الحيوي أولوية؟ وماهي البيئة التي يمارس فيها الصحفي والإعلامي، مهنته؟
وإذا كانت الصحافة تظل نشاطا فكريا إبداعيا له خصوصيته وابدالاته، وله قوانينه، وأساليبه وله طرق إبداعه، فإن القيمة المركزية للصحافي ترتبط أساسا بحقل الممارسة الإعلامية، رغم التطور التكنولوجي المذهل، والتعقيد الهائل في عملية إنتاج المادة الصحافية، كما يظل العنصر البشري العامل الأكثر أهمية في أي عمل صحفي وإعلامي مهني.
فلن يكون من المجازفة او من باب التحامل القول بإن البرنامج الحكومي الحالي، - وكما هو شأن برامج الحكومات السابقة والنموذج التنموي الجديد - لم تول كثير اهتمام لدور الصحافة والاعلام، ومنه أنظمة التكوين والبحث العلمي، مع إغفال لدورهما الحاسم في التنمية المستدامة.
غير أن مبادرات مثل الندوة التي نظمها المجلس الوطني للصحافة في ثالث مار الجاري حول موضوع التكوين الإعلامي، بمشاركة ممثلين عن جامعات ومعاهد خاصة أن تسهم في تبادل التجارب والآراء بين الفاعلين، بهدف النظر في السبل الكفيلة بتطوير وتجويد مضامين ومناهج التكوين الإعلامي والتواصلي.
إشكالية الخصاص
وإذا كان الجميع - على كافة المستويات - يقر اليوم، بالخصاص الكبير، في مجالات التكوين والتكوين المستمر، على الرغم من الزيادة الكمية في عدد المؤسسات الجامعية والمعاهد المهتمة بالصحافة والاعلام والاتصال، ومعها مجهودات أخرى متناثرة هنا وهناك، منها فتح مسالك وشعب ببعض الكليات، في هذا التخصص الذي يعود فيه الفضل الى عدد من الأساتذة الجامعيين، فإن ذلك يظل دون مستوى الحاجيات والانتظارات.
ومما يزيد من قتامة هذا الواقع ما يلاحظ من ضعف مسجل في مضامين ومحتويات التكوين والتأطير، وعدم ملاءمته مع التحولات العميقة والمتسارعة الجارية على المستوى وطني والإقليمي والدولي، وإغفال واضح للانشغالات الجديدة والرهانات المطروحة حاليا على الصحافة والاعلام والاتصال، القطاع الذي أصبح يقاس به مستوى تقدم الدول .
وعلى الرغم من بعض " التراكم النوعي" في مجال التكوين الإعلامي، فإنه يظل " خجولا " مما يتطلب وباستعجال ملاءمة مضامين ومناهج التكوين الإعلامي مع التحولات المتسارعة والعميقة الجارية على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، واستحضار التحديات المطروحة في المرحلة الراهنة .
جيل جديد للتكوين الاعلامي
وإذا بات من المفروض الأخذ بعين الاعتبار تحديات التطور التكنولوجي والرقمنة والذكاء الاصطناعي، في التكوين الصحفي والإعلامي، لتأثيراتها على مستقبل على الممارسة الصحفية والاعلامية والاتصالية، فإن ذلك هو ما يجعل الحاجة ماسة في القرن 21 اعتماد جيل جديد من الإصلاحات في مجال البحث والتكوين واستكمال التكوين، من شأنها أن تشكل مداخل لتطوير المناهج والمضامين والارتقاء بمستواهما وذلك حتى يتسنى إحداث النقلة النوعية المطلوبة .
بيد أنه لا يمكن التعاطي مع قضية التكوين بمعزل عن السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واعتبار أن المسألة مجرد عمليات تقنية ميكانيكية. لذا يتعين طرح العديد من التساؤلات حول واقع ومستقبل التكوين، في مقدمتها ما معنى أن تكون إعلاميا وصحافيا في عالم اليوم ؟ فهل الصحافي هو نفسه في أي زمان وفي أي مكان؟ وهل يمكن اعتبار الصحافي مجرد موظف أو مخبر أو منتج معرفة؟.
وهل لازالت للصحافي اليوم نفس السلطة الرمزية التي كان يحظى بها سابقا؟، وعلى الرغم من اختلاف وسائل التعبير الإعلامي والتقني، ومنها النشر في الشبكة العنكبوتية ووسائط التواصل الاجتماعي، وهل الصحافي هو ذاك الذي يكتفى بتحرير المادة الخبرية عن طريق توظيف خبرته ومعرفته اعتمادا على الأجناس الصحافية المعروفة؟ أم يمكن اعتبار كل من يشتغل في حقل الصحافة والاعلام صحافيا؟.
القيمة المركزية للصحافي
لكن ماذا ينتظر القارئ والمستمع والمشاهد والمبحر في الشبكة العنكبوتية من الصحافي في زمن الثورة الرقمية التي هي" ثورة ثقافية" ؟ الجواب بسيط جدا، هو أن يحوّل الصحفي والإعلامي وقائع المجتمع وتجاربه الإنسانية عبر الاستقصاء والتحري إلى معطيات تساهم في تسليط الضوء على ما وراء الخبر، مثلما ينتظر منه أيضا البحث عن الحقيقة والنبش في المعلومات، لإدماج الرأي العام، في خضم سياقات وسيرورة مختلف مناحي الحياة، حتى يساعد على تشكيل اتجاهاته ومواقفه حول القضايا التي تشغل باله.
انطلاقا من ذلك، تظل الصحافة، نشاطا فكريا إبداعيا وفعلا ثقافيا، له خصوصيته وإبدالاته، وله قوانينه، وأساليبه وطرق إبداعه كذلك، مهما اختلفت شكل الوسيلة الإعلامية ( تقليدية أو جديدة )، فإن القيمة المركزية للصحافي ترتبط أساسا بحقل الممارسة الإعلامية، ويبقى العنصر البشري العامل الأكثر أهمية في أي عمل إعلامي رغم التطور التكنولوجي المذهل، والتعقيد الهائل في عملية إنتاج المادة الصحافية والاعلامية.
وعلى الرغم من أن مهنة الصحافة تظل مرتبطة بحقول أخرى، حقوقية وقانونية وسياسية وأخلاقية، فإن ممارستها يظل في نهاية الأمر تعبيرا حقيقيا عن مدى قوة وهشاشة فضاء الحرية التي تعد الرئة التي تتنفس بها مهنة المتاعب. كما أن كل عمل الصحافي يتأثر بمستوى الحريات في بلد ما، ووضعية حرية التعبير به، التي لها انعكاس وتأثير حاسم على الممارسة المهنية.
التربية على الاعلام
وبغض النظر عن المجهودات المبذولة سواء كانت فردية أم جماعية من أجل تطوير وتقوية عرض التكوين الإعلامي والتواصلي وإعادة هيكلة البحث العلمي، فإن المأمول يظل هو استشراف الخيارات المستقبلية للتكوين والبحث في سياق التطورات المهنية وتحولات المجتمع والتطورات التكنولوجية، والتعامل مع مختلف التحديات والفرص المتاحة بفضل الثورة الرقمية، مع تجسير العلاقة ما بين الممارسين الصحفيين، والأساتذة والخبراء في ميدان التكوين والتكوين المستمر.
كما يتطلب الامر الانكباب العاجل على ورش التربية على الإعلام، وتشجيع البحث العلمي حول العلاقة ما بين المدرسة والإعلام في زمن الثورة الرقمية، التي حولت الإنترنيت إلى " سبورة المستقبل" في البلدان المتحضرة، مع تجاوز الخصاص في مجال الأبحاث والدراسات، ومحدوديته,
كما يقتضى الأمر العمل على "رأب الصدع" بين أساليب التدريس في المؤسسات الجامعية والمعاهد عمومية كانت أو خاصة وما يعرفه ميدان الإعلام والاتصال من تحولات ومتغيرات مع ادماج المشرفين على الشأن التعليمي ومؤسسات التكوين الصحفي في مجتمع الإعلام والمعرفة الذي لم يعد ترفا فكريا، بل أضحى ضرورة حتمية من أجل التقدم لربح رهانات المستقبل.