الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الجليل أبوالمجد: الفلاحة والأمن الغذائي في المغرب.. تحديات ورهانات

عبد الجليل أبوالمجد: الفلاحة والأمن الغذائي في المغرب.. تحديات ورهانات
الحديث عن الفلاحة والأمن الغذائي في المغرب ليس بالأمر السهل لاعتبارات كثيرة، منها أن المغرب يوصف ببلد "فلاحي بامتياز"، إذ يزخر بمساحات صالحة للزراعة تتجاوز عتبة 9 ملايين هكتار، منها 19% مسقية. لكنه مع ذلك يبقى مهدد في أمنه الغذائي، إذ لا يحقق اكتفاء ذاتيا في المواد الأساسية، وترتفع الواردات الغذائية على حساب الصادرات.
وتعود أزمة هذا القطاع الاستراتيجي إلى سلسلة من التراكمات والسياسات العمومية التي أنتجت صعوبات ومشاكل بنيوية وهيكلية. ولعل من أهم هذه المشاكل والتي يمكن أن تصبح في الأمد القريب خطرا يهدد جديا الأمن الغذائي في المغرب هي نقص الموارد المائية والتصحر، بالإضافة إلى تأثير التلوث البيئي.
الموارد المائية هي عامل حيوي للفلاحة، وفي بلد مثل المغرب حيث يقع في واحدة من أكثر المناطق في العالم تعرضا للتغيرات المناخية، ولا سيما الجفاف وتأثيره على القطاع الزراعي الذي يعد "بمثابة العمود الفقري للاقتصاد المغربي". فقطاع الزراعة كان دائما قطاعا استراتيجيا ويحتل الأولوية في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية منذ الاستقلال، ولايزال يحافظ على مكانته الأساسية في الاقتصاد والمجتمع، إذ يوفر فرص شغل بنسبة 40 %من السكان النشطين وتتراوح مساهمته في الناتج المحلي من 15 إلى 20% ، ويعد تطوره أو تراجعه حاسم في موازين واختلالات المجتمع القروي الذي يوفر له 80 % من فرص الشغل للسكان النشطين بالعالم القروي.
لكن في الآونة الأخيرة وبفعل التأثيرات المناخية، بدا القطاع يعرف تذبذبا وتراجعا وأثر الجفاف والانخفاض المتوسط والطويل في تساقط الأمطار على الغلة الزراعية. ومع ندرة ونضوب الفرشة المائية، ومشاكل صيانة وتنظيف السدود وشبكات نقل المياه وصعوبة استفادة بعض المناطق من مياه السدود، تتضخم أكثر دائرة الخطر التي تحيط بالفلاحة المغربية، لاسيما بالأمن الغذائي. وحسب توقعات لمجموعة من الأبحاث فإن تفاقم الاختلالات المناخية بالمغرب سيزيد من وطأة وحدة تراجع هذه المادة الحيوية، وسيطال هذا التأثير باقي القطاعات المرتبطة بالماء من صناعة وفلاحة، واقتصاد، وحتى أفراد المجتمع. وحسب الاحصائيات تقدر الكمية المتاحة لكل فرد بحوالي 700 متر مكعب في الوقت التي كانت تبلغ نسبة 1185 متر مكعب سنة 1990، وستنخفض هذه النسبة إلى 651 متر مكعب بحلول سنة 2028.
ومن المخاطر التي تهدد الفلاحة في المغرب التلوث البيئي الذي تحول هو الآخر إلى عامل خطر بالنسبة للفلاحة. هذا الخطر لا يتهدد فقط الهواء والإنسان، بل أيضا الثروة الحيوانية والتربة والمائدة المائية. وهذه المسألة مازالت لا تحظى بالأهمية التي تستحقها، لكن ربما سيستفيق الجميع عندما يصبح الحصول على مياه وأغذية نظيفة أمرا صعبا ومكلفا.
وأيضا من مشاكل القطاع الفلاحي الأمية الفلاحية، والتّي تشكل عائقا كبيرا أمام تعامل الفلاحين مع الماء والتكنولوجيات الحديثة للقطاع وما تتطلبه المنافسة الدولية من قدرة على المواكبة والتكيف السريع مع تقنيات الإنتاج الحديثة، كما يعاني القطاع من معضلة عزوف الشباب عن ممارسة الأنشطة الفلاحية، إذ أن هذا العزوف المتواصل للشباب عن العمل في القطاع الفلاحي وتفاقم ظاهرة الهجرة الداخلية بحثا عن البدائل يعود بالأساس للتفاوت الجهوي وغياب التنمية العادلة في المناطق التي توجد فيها أخصب وأكبر المساحات الزراعية، والتي تحولت تدريجيا إلى أحياء ومدن إسمنتية تخلو من الجمالية، وهي مشكلة تبين تأثيرها المباشر على القطاع الفلاحي الذي صار يشكو من قلة المياه المطرية والجوفية.
وينضاف إلى تحدي التغيرات المناخية والجفاف وكثرة الوسطاء وتدهور التربة، أزمات وبائية دولية متكررة، آخرها الانتشار التراجيدي لوباء كورونا، والنزاعات هنا وهناك وانعكاساتها على حركة التجارة العالمية وعرقلة نقل وتوزيع البضائع.
مما سبق يتبين أنه علينا استخلاص الدروس من التجارب الصعبة بأن نحسن استغلال كل شبر صالح للزراعة في الزراعة وألا نضع الأمن الغذائي رهن التوريد. هكذا نصبح أكثر قدرة على الصمود ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية وربح الرهانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ختاما يعتبر القطاع الفلاحي قطاعا استراتيجيا وحيويا، لا في المغرب فقط، بل في العالم ككل، إذ أن أهم معركة عالمية هي معركة الأمن الغذائي وتأمين قوت الشعوب بعد أن أثبتت عديد من التجارب أن الاستقرار الاجتماعي والسياسي مرتبط دائما بالحاجة إلى الغذاء وضمانه.
وتبدو الفلاحة المغربية اليوم أمام أسئلة ورهانات كبرى: كيف يمكن تكثيف الإنتاج دون إنهاك الأرض، ومع الحفاظ على الموارد الطبيعية المحدودة؟ وما الأكثر أهمية: العملة الصعبة أم الأمن الغذائي؟ الاستثمارات والمضاربات أم السيادة الوطنية؟ أزمة الفلاحة لا تشبه أزمات بقية القطاعات الاقتصادية التي يمكن حلها بقرارات استعجالية أو بضخ بعض الأموال، فنحن نتحدث هنا عن مسألة أمن غذائي. صحيح أن إنقاذ الفلاحة هو واجب وطني يهم الجميع، من منظمات مهنية ومجتمع مدني ومتخصصين وإعلام وغيرهم. لكن تبقى مسؤولية الدولة أكبر من حيث الحفاظ على موارد قوتها، وإيجاد الحلول والهياكل العلمية والتقنية والمالية القادرة على تطوير القطاع بشكل مستدام. هكذا نعد العدة للأزمات الحالية والمرتقبة.
إذن، لا بد من تقييم شامل للمرحلة الماضية وتجديد الخطط والمعالجة الجذرية للمشاكل الهيكلية التي تعيق تطور القطاع الفلاحي، بل وتهدد أمن المغاربة على صعيد غذاءهم وقوتهم. وهو رهان لا يقل عن الرهانات الأمنية والسياسية، فالجوع كافر وعواقبه وخيمة.