الجمعة 26 إبريل 2024
سياسة

العميد يوسف البحيري يقدم تحليله حول ضمانات حرية الإعلام والحق في الخبر

العميد يوسف البحيري يقدم تحليله حول ضمانات حرية الإعلام والحق في الخبر العميد يوسف البحيري

بمناسبة احتفال النقابة الوطنية للصحافة المغربية بالذكرى الستين لتأسيسها، وعلى هامش الندوة الوطنية " الإعلام وقضايا حقوق الإنسان " التي نظمها فرع النقابة بمراكش يوم السبت 18فبراير 2023، استضافت "أنفاس بريس" العميد يوسف البحيري، أستاذ القانون الدولي بكلية الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش، ليقربها من القضايا المطروحة في مجال حرية الإعلام والضمانات الأساسية لحق الخبر والوصول إلى المعلومة. وكان لها معه هذا الحوار.

 

ما هو تقييمك لمكانة الحق في الخبر والوصول إلى المعلومة في بناء دولة القانون؟

ينطوي الحق في الخبر والوصول الى المعلومة كما جاء في الوثيقة الدستورية لعام2011 على بعدين أساسيين، أحدهما فردي والآخر جماعي. فالحق في الخبر وتلقي المعلومات هو حق لكل مواطن يتمتع به بشكل فردي، لأنه يتفاعل مع حرية الفكر والضمير والرأي، ويمكنه من ممارسة الحق في التنمية (الجيل الرابع من حقوق الانسان). والمشاركة الفعالة في التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلد الذي ينتمي اليه.

إضافة إلى ذلك، فالحق في الخبر هو حق جماعي يساهم في تشكيل الرأي العام ويسمح لمكونات المجتمع من الحصول على المعلومات الكافية عند ممارسة خياراته وممارسة نوع من الرقابة الاجتماعية على مؤسسات الدولة، في إطار المشاركة في إدارة الشؤون العامة للبلد.

وفي هذا السياق، تجب الإشارة إلى أن المعايير الدولية لحقوق الإنسان التي تحكم مجالات الحريات العامة التي تمارس كحقوق جماعية داخل المجتمع مثل حرية التعبير والرأي والصحافة والتجمع والتظاهر وغيرها… تتضمن خطوط توجيهية موجهة للدول قصد ملاءمة التشريعات الوطنية مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالحق في الخبر، والتي تدعو الدول إلى ضمان حرية الإعلام في نقل الخبر والوصول إلى المعلومة، لدوره الفعال في البناء الديموقراطي لدولة المؤسسات، مع وضع مجموعة من القيود القانونية في سياق مبدأ النظام العام المنصوص عليها بشكل واضح في التشريع الوطني، والذي يتشكل من المبادئ القانونية والقيم الأخلاقية السائدة داخل المجتمع، وكذلك أيضا احترام مجموعة من الضوابط القانونية والقيم الأخلاقية لحماية الحق في الحياة الخاصة وتجريم جميع أشكال القذف والإشاعة.

هل يمكن أن تعطون فكرة للقارئ حول مضمون المعايير الدولية المتعلقة بالحق في الخبر ونقل المعلومات؟

ترتبط حرية الإعلام بضمانات وردت في العديد من المواثيق الدولية أهمها المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: "لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة، ودونما اعتبار للحدود". والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية: "لكل فرد الحق في حرية التعبير وهذا الحق يشمل حرية البحث عن المعلومات أو الأفكار من أي نوع، واستلامها ونقلها بغض النظر عن الحدود، وذلك إما شفاهة أو كتابة أو طباعة وسواء كان ذلك في قالب فني أو بأي وسيلة أخرى يختارها".

ويمكن الرجوع لتوصيات مؤتمر لجنة الحقوقيين الدولية عام 1981 التي عرفت وحددت مفهوم "حرية الإعلام" في كون " أن حرية الإعلام تتجلى في التعامل مع مختلف القضايا التي تهم الرأي العام وفق حدود القانون/وضوابط أخلاقيات المهنة دون أن يكون الإعلامي خاضعا لأية مؤثرات أو ضغوط مباشرة وغير مباشرة كيفما كان مصدرها..."

ومن جانب ثان، أكدت هيئة الأمم المتحدة في اتفاقية Saragosa عام 1984 على مجموعة من المبادئ التوجيهية في مجال حرية الإعلام التي تهم الدول لملاءمتها مع التشريع الوطني وعلى مستوى الممارسة:

أولا-  إن إعمال حرية الإعلام لا يجب أن تخضع إلا للقيود القانونية المنصوص عليها في التشريع الوطني.

ثانيا-  إن القيود القانونية التي تحد من حرية الإعلام يجب أن تكون صياغتها واضحة وفي متناول الجميع وللحد من السلطة التقديرية للسلطات المعنية، لأن الغموض في الصياغة من شأنه السماح بالتفسير السيئ والتأويل الذي يؤدي الى الاساءة في استعمال السلطة.

ثالثا-   إن القيود التي تحد من حرية الإعلام لا يجب أن تكون تعسفية أو أن تعيق تمكين وضمان حق المواطن في الحق في الخبر والوصول الى المعلومة.

رابعا-  أن ينص التشريع الوطني في مجال حفظ النظام العام على ضمانات قانونية وطرق الطعن في مجال الإعلام أمام القضاء الإداري.

يتبين أن مبادئ Saragosa خلقت نوع من الترابط العضوي بين ممارسة حرية الإعلام واحترام القانون من أجل حماية الحق في الخبر، وهو ما يستدعي توفر جميع المؤسسات على خليات للتواصل قصد تزويد الإعلاميين بالمعلومات الكافية في إطار إعمال حق المواطن في الخبر.

كما تضع المعايير الدولية قيودا محددة مرتبطة بعدم مساس سيادة الدولة أو وحدتها أو تحقير الديانات أو مساس حقوق الأفراد أو سمعتهم.

وتجدر الإشارة في هذا الباب، أن القانون الجنائي الفرنسي في الفصل 378 يطبق مبدأ الحفاظ على السر المهني وعدم الكشف عنه على الصحفي، شأنه شأن الطبيب والمحامي، للارتقاء بمضمون الرسالة الإعلامية وحتى يستطيع الإعلام القيام بدوره في إعمال الحق في الخبر وتمكين الرأي العام من المعلومات التي قد تخوله الاطلاع على ما يجري داخل المؤسسات العمومية. وبناء على ذلك فالفصل 378 يلزم الصحفي بعدم إعطاء مصدر الخبر والكشف عن المؤسسة أو الشخص الذي يزوده بالمعلومات التي يقوم بنقلها إلى عامة الناس.

 

ماهي الضوابط القانونية لترشيد الممارسة الإعلامية؟

إن ممارسة الإعلام ترتبط باحترام مجموعة من الضوابط التي تروم تخليق دور الإعلام في نقل المعلومات وإعمال الحق في الخبر، وذلك بتجنب الإشاعة التي قد تلحق الأفراد في كرامتهم الإنسانية وحياتهم الخاصة وشرفهم، والتي تتمثل في الشروط الأساسيـة التـي تضمنـتها مدونة الأخلاق والسلوك المهني للإعلامي في دورة Kiev لليونسكو عام 2019:

1 ـ    النزاهة الموضوعية: واجب أخذ وجهة نظر الشخص المعني بالمقال أو الخبر قبل نشره؛

2- واجب عدم تنقيح الصور أو استعمالها بكيفية من شأنها أن توقع في الخطأ،

3- التأكد من الخبر قبل النشر؛

4- احترام الحياة الخاصة؛

5- واجب عدم تعريض حياة الناس للخطر؛

6- واجب تمييز الوقائع عن الآراء المعبر عنها، وأخذ الصحفي للمسافة اللازمة التي تميز الوقائع عن وجهة نظره في الموضوع وتقديم آراء جميع الأطراف المعنيين بقضية معينة؛

7- واجب توفير حق الرد عن التعاليق والانتقادات أو المعلومات؛

8- واجب الامتناع عن مقاربة أي موضوع بدواعي التمييز بسبب اللغة أو الدين ؛

 

إن هذه الشروط والضوابط التي تندرج في مدونة السلوك تروم ترشيد العمل الصحفي ليمارس سلطته الرابعة بشكل موضوعي ومسؤول للمساهمة في البناء الديمقراطي، وعلى نفس المنحى اتجهت لجنة الحقوقيين الدولية في دورتها بمدريد ما بين 18 و20 يناير 1994 في إطار دراسة علاقة الإعلام بالقضايا المعروضة على المحاكم، حيث أكدت على ضرورة تفادي نشر تفاصيل المحاكمات عبر وسائل الإعلام والتأثير في المساطر القضائية بتقديم تعليقات أو تحريف الوقائع من أجل استخلاص خلاصات معينة. فالحق في الخبر يتوقف عند التحقيق الذي يشمل بحث الشرطة والجلسات التمهيدية، فمبادئ مدريد المتعلقة بعلاقة الإعلام بالقضاء تهدف إلى حماية ثلاثة جوانب أساسية في مجال حقوق الإنسان، أولا: الحياة الخاصة للأشخاص المتابعين في القضايا المعروضة أمام المحاكم، ثانيا: قرينة البراءة وثالثا: الحفاظ على استقلال القضاء.

فالسبق الصحفي في نشر الخبر قد يدفع أحيانا بعض المواقع الإخبارية إلى تحريف الوقائع، وارتكاب خروقات يعاقب عليها القانون، مثل الكشف عن هوية الأشخاص المتهمين في بعض القضايا التي لا تزال معروضة على القضاء، والذين يتمتعون بقرينة البراءة، فالمعلومات التي تقدمها هذه المواقع الإخبارية تدعو إلى استخلاص خلاصات معينة قد تشكل خرقا لقرينة البراءة، أو نشر أسماء وصور المتهمين قبل إصدار المحاكم للأحكام. وهو ما يشكل انتهاكا لشروط المحاكمة العادلة وحرمة الحياة الخاصة لأطراف الدعوى، على نحو يخالف المادة 41 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تمنع الصحافة من مساس حرمة أطراف الدعوى ومصلحة العدالة.

ماهي قراءتك لتقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الأخير حول إشاعة الأخبار الزائفة والتضليل الإعلامي؟

أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تقريرا بتاريخ 29 دجنبر 2022 يحمل عنوان " الاخبار الزائفة من التضليل الإعلامي إلى المعلومة الموثوقة والمتاحة"، مفاده أن بعض المواقع الإخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي، تساهم بشكل كبير في إشاعة الأخبار الزائفة والتي تسعى من خلالها إلى تحقيق الربح المادي والبحث عن الإثارة، بشكل يتنافى مع المبادئ القانونية والقيم الاخلاقية التي تحكم سلوك الإعلامي في ممارسة الرسالة النبيلة المتعلقة بنقل الخبر والمعلومة إلى الرأي العام. فالخبر الزائف ينتشر بسرعة ستة أضعاف المعلومات الحقيقية، وهو ما يفسر لماذا 51في المائة من المواطنين المغاربة يشاركون في نشر الأخبار الزائفة إلى أقاربهم وأصدقاءهم. وفي هذا الإطار يقدم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عدة توصيات في غاية من الأهمية لمناهضة الأخبار الزائفة، منها إحداث بوابة رقمية ومنصات وطنية للتحقق من المعلومة قبل النشر، وكذلك تجاوز محدودية امكانية الوصول إلى المعلومات الرسمية والمحققة، بدعوة الإدارات والمؤسسات إلى نشر البيانات الرسمية التي تتوفر عليها بكيفية ممنهجة ومنتظمة ومحينة، وفق مقتضيات الدستور والقانون المتعلق بالحق في الخبر والحصول على المعلومة.