الأربعاء 27 نوفمبر 2024
خارج الحدود

بوصوف: ماكرون أو قصر Quai D’Orsay.. من المسؤول عن إخفاقات السياسة الخارجية الفرنسية..؟

بوصوف: ماكرون أو قصر  Quai D’Orsay.. من المسؤول عن إخفاقات السياسة الخارجية الفرنسية..؟ عبد الله بوصوف وإيمانويل ماكرون
نعتقد ان ما تعيشه فرنسا منذ العقد الأخير من اقتحان اجتماعي كبير ومحاولات الإلتفاف على العديد من الحقوق والمكتسبات الاجتماعية والحقوقية، وغليان شبه يومي بالشارع الفرنسي وتخصيص مساحات إعلامية كبيرة لصناع الكراهية و شيطنة الآخر كالمهاجرين والإسلام… وتمدد اليمين واليمين المتطرف بالمجالس الجهوية وبالبرلمان والتنافس بشراسة في الرئاسيات الفرنسية…. ليس بصدفة عابرة.. صحيح أن اليمين المتطرف يعيش أبهى أيامه منذ سنة 2015 في أكثر من بلد غربي… لكن فرنسا في عهد الرئيس "ايمانويل ماكرون" سجلت تراجعا خطيرا في مواجهة تيارات متطرفة سواءً على مستوى التنظير الفكري أو من خلال السياسات العمومية خاصة في الضواحي حيث يقطن عادةً المهاجرين...
 
لقد اعتبر العديد من المتتبعين أن اعتزال المستشارة الألمانية " انجيلا ميركل " للسياسة  قد أثر كثيرا على أداء " ماكرون " وأفقده توازنه خاصة على مستوى السياسة الخارجية الفرنسية حيث وقف عاجزا أمام سحب بريطانيا وأمريكا لصفقة الغواصات الاسترالية بقيمة 35 مليار أورو، واكتفى بدعوة سفيره بواشنطن للتشاور في حين عوضت استراليا شركة نافال الفرنسية  بمبلغ 585 مليون أورو… كما أوقف مسلسل مشاوراته مع روسيا بدأها في سنة 2019.. وحاول لعب دور الوسيط مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين " في بداية الحرب الأوكرانية حتى أنه وظف هذه الصورة " الوسيط " في الجولة الثانية للرئاسيات الأخيرة أمام " مارين لوبان "… وانه الشخص الوحيد القادر على محاورة بوتين و الدفاع عن أوروبا…ووصل به الامر أن وصف تلك الجولة بأنها استفتاء أوروبي…

لكن ونحن نتكلم عن السياسة الخارجية الفرنسية و مطبخها رقم 37 بقصر  Quai D’Orsay، نرى وجوب الإشارة إلى وزير خارجية ماكرون جان ايف لدوريان Le Drian  منذ ماي من سنة 2017 وإلى غاية ابريل 2022، والذي شغل في عهد الرئيس الاستراكي فرانسوا هولاند حقيبة الدفاع…فهل هذا يعني أن فرنسا تبني صداقاتها و سياساتها الخارجية على حجم المشتريات من السلاح الفرنسي..زيارة رئيس أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة نموذجا..؟ و كيف نفسر أن أول تنقل لوزيرة الخارجية الفرنسية الجديدة Catherine Colonna  الى افريقيا (مالي ) كان بصحبة وزير الدفاع الفرنسي Sébastien lecornu ..؟.
 
علامات الاستفهام تُطرح أيضا حول حقيقة العلاقات المتوترة بين رئيسة الحكومة الإيطالية ميلوني و ماكرون..حول ملفات ليبيا وتمدد شركات إيطالية بالجزائر و خاصة شركة ENI  التي يظهر أنها سحبت البساط من تحت شركة TotalEnery  الفرنسية، بالإضافة الي ملفات أوكرانيا و الناتو والهجرة…

ورغم توقيعه لإتفاقيات شراكة استراتيجية مع حكومة ماريو دراغي  سنة  2021 و مع بيدرو سانشيز سنة  2022..فقد فاجأ الجميع برفضه لمشروع Medcat  الرابط بين البرتغال واسبانيا وفرنسا والمانيا، أثناء قمة الاورومتوسطي التي عقدت في مدينة أليكانتي الاسبانية في شهر دجنبر 2022… فيما تبقى مناطق رمادية في علاقته بالالماني أولاف شولز…لكنه سيوقع مع رئيس الوزراء البريطاني الجديد " ريشي سوناك " في شهر أكتوبر 2022 اتفاق للحد من الهجرة عبر بحر المانش مقابل 95 مليون دولار تدفعها لندن لباريس..

ولن نكشف سرا بحديثنا عن التراشق السياسي بين الرئيس التركي أردوغان و ماكرون في ملفات سوريا وليبيا والوساطة في الحرب الأوكرانية.. وأخيرا التواجد التركي في دول الساحل جنوب الصحراء سواء تحت عباءة الاستثمارات أو عباءة الدين من خلال الداعية " محمود ديكو "…
 
لكن ميزان السياسة الخارجية الفرنسية سيزداد سوءا…سواءً في علاقته مع دول الخليج حيث المقايضة بين تقارير حقوق الانسان وصفقات السلاح وضخ الأموال في الاقتصاد الفرنسي بشراء شركات مفلسة… أو في علاقتها بمستعمراتها الافريقية القديمة.. فقد تركت مثلا تونس تواجه مصيرها وحيدة وعرضة لإلتهامها من طرف النظام الجزائري الذي يعتبرها ولاية جزائرية..مما دفع بالنخبة التونسية الحية إلى انتقاد الطريقة الفجة التي تعامل بها النظام الجزائري في تصريحات تخص الوضع الداخلي لتونس أثناء زيارة الرئيس الجزائري تبون لروما أو أثناء زيارة " جورجيا ميلوني " للجزائر…

وقد فجرت قضية الناشطة الجزائرية / الفرنسية " أميرة بوراوي " العلاقات الفرنسية /الجزائرية في أفق الزيارة المرتقبة للرئيس الجزائري تبون لباريس في شهر ماي و بعد أيام على انتهاء زيارة سعيد شنقريحة لباريس في يناير الماضي..كان من تداعياتها إقالة الرئيس التونسي " قيس السعيد " لوزير خارجيته إرضاءا للجزائر التي استدعت سفيرها بباريس للتشاور كنوع من الاحتجاج..

لكن باريس تعودت على احتجاجات النظام العسكري الجزائري سواء بخصوص ملفات الذاكرة المشتركة أو استعادة الجماجم أو عدم تقديم الاعتذار أو التأشيرات…وسيذهب الرئيس تبون صاغرًا لباريس في ماي المقبل، وسيوقع اتفاقيات اقتصادية بتنازلات جديدة عن ثروات الجزائريين يكفر بها عن اقترابه من روسيا وفرق فاغنر وسيخصص مساحة جديدة لشركة TotalEnery  للاستثمار في الغاز الطبيعي البترول بأسعار تفضيلية و بعقود طويلة الأمد…
 
وسيتعهد أمام عدسات الإعلام الفرنسي بأنه شريك موثوق به وأن غاز سونطراك تحت تصرف شركة TotalEnery  الفرنسية… مقابل عدم تنظيم حملات إعلامية فرنسية ضد النظام العسكري… وتعهد نواب حزب ماكرون بالبرلمان الأوروبي بالتصويت لمصالح النظام العسكري الجزائري حسب صبيب شركة سونطراك من الغاز الطبيعي…!.

لقد وصف العديد من المتتبعين السياسية الخارجية الفرنسية بالمتعجرفة، وأنها تنهل من ماضيها الاستعماري القديم في تعاملها مع دول افريقيا وهو ما جلب عليها العديد من المصاعب في وقت تميز بثورة رقمية وتكنولوجية هائلة.. إذ تراجع نفوذها كثيرا في دول غرب افريقيا و طالبت العديد من الدول الخروج من نظام عملة الفرنك الفرنسي الموحد، وبتنويع الشركاء الاقتصاديين.. أكثر من هذا فقد طالبت بعض دول الساحل جنوب افريقيا من الجيوش الفرنسية مغادرة البلاد، و وقعت أخرى مع فرق "فاغنر " الروسية والسماح لها بالتواجد فوق أراضيها…في حين سُجلت سبعة انقلابات عسكرية في ستة دول من جنوب الصحراء الساحل… حيث اعتبر السكان المحليين الانقلابيين العسكريين إما منقذين أو الأقل ضررا…وهو ما يعني عنوانا كبيرا لفشل السياسة الخارجية الفرنسية في دول جنوب الصحراء الساحل… وإنذارا قويا بضرورة تغيير سياستها بما يتلائم مع عقلية الجيل الجديد من القادة السياسيين الأفارقة وأحلام الشعوب الأفريقية في استغلال ثرواتها الطبيعية في برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية….

فهل تعيين وزير الدفاع و الخارجية السابق السبعيني  LeDrian  على رأس إدارة معهد العالم العربي مكان " جاك لانج " ( البالغ 83 سنة)  في مارس القادم  من طرف الرئيس ماكرون و بتزكية من المجلس الأعلى للمعهد..هو استمرار في ترسيخ لنفس العقيدة السياسية/العسكرية الفرنسية في تعاملها مع الدول العربية والمستعمرات القديمة…؟.
 
الأكيد أن فرنسا غنية بمفكريها ومثقفيها وإعلامييها من طينة فرنسا ميثاق حقوق الانسان و المواطن وفرنسا الأنوار وفرنسا الفنون والآداب…وهي نخبة تتحمل مسؤولية إبلاغ مسؤولي قصر Quai D’orsay  ان افريقيا الخمسينات والستينيات من القرن الماضي ليست هي افريقيا القرن الواحد والعشرين..و أن الثورة التكنولوجية مكنت الشعوب الافريقية من توسيع معارفها وتحديد أهدافها وانها سيدة نفسها…وأن عهد الوصاية والتبعية قد أصبح من الماضي..