الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

عزوزي بوزيد: العلاقات المغربية -الأوربية في الميزان.. منهجية التفاوض وأسس قوة المجتمع

عزوزي بوزيد: العلاقات المغربية -الأوربية في الميزان.. منهجية التفاوض وأسس قوة المجتمع عزوزي بوزيد
دخلت العلاقات المغربية-الأوربية، مؤخرا، مرحلة مخاض ستتولد عنها حتما استنتاجات جديدة ونتائج سيادية عالية تحمي بقوة بلادنا فيما هو آت وستفرز ميزان قوى يستمر مرحلة قد تقصر أو تطول حسب القدرة التفاوضية التي ستمكن المغرب من السير في نهجها .
مخطئ من يقول أن التفاوض يكون حول مواضيع اقتصادية أو مالية أو تقنية مغيبا البعد الحضارتي للأمة.
ما هو مطلوب من المفاوضين والمتفاوضين المغاربة مع شراكائنا الأوربيين هو التشبع والاقتناع بالقيم التي تؤطر تاريخنا وثقافتنا ليسهل عليهم مواجهة "الآخر"، وهذا ما سأحاول الإشارة إليه في الفقرات التالية.
أسجل بداية أنني أكن لجيراننا الأوربيين خالص الود والتقدير والاحترام مع انتظاري الهادئ والرصين بوجوب تبادل نفس المشاعر من طرفهم في إطار احترام كامل لكل ساكنة ضفتي البحر الأبيض المتوسط شمالا وجنوبا.
فكرت مليا وطويلا كي أجد تفسيرا "للمشاعر الفوقية" التي تؤثث صدور عدد من المسؤولين القاطنين شمال البحر الأبيض المتوسط تجاه الإنسان الإفريقي أو العربي أو اللآتيني وكل ساكنة كوكبنا بصف عامة.
أجد جوابا ، اللهم في ثنايا بعض صفحات التاريخ الذي أثثوه بأعمالهم وفكرهم وبعض هوامش فكر ازدهر مع انطلاق الحروب التي قادتها أوربا في إفريقيا وأميركا اللآتينية وآسيا من أجل تلقينها الأسس الحضارية mission civilisatrice occidentale التي سهلت استخراج معادنها الثمينة وجني ثمار فلاحتها الغنية والتمتع بجغرافيتها الخضراء عبر جداول مياهها انسابة في قلب أوديتها الرقراقة وتحت ومضات نور قمرها اللألاء وشمسها الدافئة والساخنة .
من هاته الزاوية أريد أن أترك الحرية لعنان وطنيتي على حساب التوجه الديبلوماسي الذي أنا مقتنع به كذلك وذلك لتفريغ المشاعر الوطنية القوية التي تخالجني.
أقترح على السلك الدبلوماسي المغربي أن يطلب من فرنسا الاعتراف بمغربية صحرائنا بما أن سعادة السفير الفرنسي ببلادنا يغسل يديه clean-hands مما جاء في البلاغ الأوربي، ولو أنه غير ملزم . وبما أن الصراحة كانت دائما هي عنوان علاقاتنا مع فرنسا فسأكون صريحا جدا: رغم كل ما تصرح به فرنسا أخاف، لأنني أعتقد، أن مسؤوليتها تبقى قائمة في تعكر علاقات بلادنا مع المجموعة الأوربية، لأن فرنسا تلعب على حبيلين، وربما حبالا عديدة .
أتمنى أن أكون مخطئا في تقديراتي وتخميناتي ولكن الحقيقة تفرض نفسها.
إن فهم ما هو جار حاليا بين بلادنا والدول الأوربية يمر حتما بمحاولة قراءة ما يدور في عمق عقل نساء ورجال سياسيي ومخططي واستراتيجي قلب أوربا ببروكسيل وما يخالج مخيلتهم التفاوضية التي تعكس مصالحهم البنيوية.
برزت مؤخرا أشرطة-مصورة/فيديوهات كثيرة تداولتها صفحات مواقع شبكات التواصل الإجتماعي تتناول مكامن التوتر الحاصل بين بلادنا والدول الأوربية منذ مدة.
يتبادر فورا إلى الذهن أن كل توتر ثنائي أو متعدد الأطراف مع دولة معينة يكون حتما نابعا من اختلال التوازن في العلاقات المصلحية السياسية أو الاقتصادية وحتى الثقافية في عدد من وجوهها، في إطارها العام المحدد لأبعاد حلقات التفاوض :
الإطار الاستراتيجي .
لا يمكن فهم نوعية تطور العلاقات، بيننا وبين المجموعة الأوربية كما هو الحال مع عدد من الدول المصنفة "متقدمة"، بحصرها في بوتقة "الشراكات الاقتصادية" وعزلها عن البعدين الهويتي والحضاري .
للعالم الغربي منظور أعمق مما يتخيل ويتوهم بعض مسؤولينا السياسيين؛ نظرتهم لدول الجنوب بصفة عامة تدمج محورين استراتيجيين:
-1. الحضارة بمكوناتها التراثية والثقافية وكل أبعادها ذات الحساسيات الاجتماعية.
-2. التشارك اللامتكافئ رغم محاولاتهم التظاهر بالعكس أو التأكيد على العمل في إطار السيادة لكل الدول بضغوط مبطنة إشارة أو كلاما ثم نهاية إمضاء على ضوء ما حصل أو يحصل في حالات متكررة.
فيما يخص علاقاتنا مع المجموعة الأوربية وفي غياب معطيات ثبوتية تمكن من تسليط الضوء على هذا الملف، يصعب الانخراط في التحليل من أجل استنباط نتائج جازمة.
أتصور أن "دوائرنا المتتبعة لهذا الملف" على اطلاع كامل بحيثياته وجذوره وبالتالي بنتائجه والقرارات التي يمكن اتخاذها.
حسب تتبعي لبعض زوايا العلاقات الدولية وخباياها، أفهم أن الاحتكاك الحالي نابع من مشكل عميق صادر عن "عدم تجاوب" بعض أوساطنا الرسمية في الحكومة أو ربما في أوساط موازية في القطاع الاقتصادي والمالي مع منظورهم وبالتالي مع مصالحهم، وذلك على ثلاث مستويات متبلورة على 3 محاور :
-1. الاختيارات المالية والاقتصادية: يهم هذا المحور "مصالح بعض اللوبيات الأوربية القوية" ذات أوجه اقتصادية ومالية التي لم يستجاب لها للحصول على "صفقات استثمارية معينة" نظرا كونها تتعارض مع مصالحنا الحيوية وسياستنا السيادية .
وهذا ما يمكن تلمسه عند شركائنا الأوربيين التقليديين كلما حاول المغرب تنويع شركائه في الميادين الصناعية والفلاحية والإقتصادية بصفة عامة إن على مستوى قارتنا أو مع الدول الأسيوية الصاعدة التي تقدم لنا حلولا تخدم مصلحتنا الوطنية وتوفر لنا اقتراحات إيجابية جد مربحة لخزينتنا ولميزاننا التجاري balance commerciale وميزاننا للأداءات balance des paiements وكذلك هو الحال مع بعض دول أميركا اللآتينية في قطاعات تستجيب لطلباتنا ومتطلباتنا بأثمنة تنافسية جد مناسبة كحال اللحوم مع دولتي البرازيل والأرجنتين .
-2. الإختيارات الثقافية والتراثية ذات البعد "السياسي-الإجتماعي" : إنها توفر حصانة متينة وصلبة وقوة فائقة لمجتمعنا ، حيث أن هاته الإختيارات تساعد ممثلينا السياسيين والإقتصاديين في جميع المحافل الدولية أينما وجدوا وتواجدوا ، إذ أنها تزكي مواقفهم وتجعل هامتهم عالية وكرامتهم سامية ؛ إن الثقة بالنفس النابعة من القناعة الثقافية-المجتمعية العميقة culture sociale المتمحورة على الإيمان بالذات وشخصية المجتمع المبنية على التراث والتقاليد والأعراف ، توفر للمواطن الممثل للأمة القدرة على المجابهة وتسهل إيجاد الفكرة الصائبة والكلمة القوية المقنعة لأنه ، عن وعي وعن غيره ، يعرف أن دولته الممثلة لمجتمعه وراءه وهي سنده .
إن هاته الشخصية ذات البعد الوطني الهويتي تمكن أوساطنا الإدارية الرسمية الممثلة لبلادنا من الحماية اللآزمة والكافية لمواجهة اللوبيات الغربية بابتسامة عريضة ، هاته اللوبيات التي تسعى لتأطير البعد الثقافي لمجتمعنا بمفهومه الإجتماعي-التاريخي للنيل منه من أجل فرض منظورهم الذي جاءت به حضارتهم بمؤتمر برلين يوم الخميس 26 فبراير سنة 1885 وكرسته رسميا خلال تلك الفترة المشؤومة .
-3. الهويتي والحساسيات الخاصة المرتبطة بمكونات المجتمع المغربي : للغربيين نظرة خاصة لكل فرد لا ينتسب لجلدتهم مهما كان مستواه التكويني أو الوعيي xénophobie structurelle ، فهم ينظرون للآخر على أنه أدنى منهم رتبة انطلاقا من روح سلبية بنيوية ؛ وقد عشت هذا مرات عديدة مع بعض الأوربيين كأستاذ جامعي . كلما كنت أضحض مزاعمهم لا يتقبلون الرد لأنهم يعتقدون أن الذكاء هو حصر عليهم ، ويحاولون المراوغة أو يلجؤون لطرق استفزازية ، إلا أنني كنت دائما ألقنهم درسا مناسبا فيتداركون الموقف بنوع من الإعتذار المبطن والتنازل المجبر .
كانت أفكارهم المبطنة تهدف باستمرار إلى تحريف اختياراتنا الثقافية-ا الحضارية في الوقت الذي كانت مشاركتهم ومساهمتهم مطلوبة على المستوى التقني والتدبيري المحض .
كل محاولاتهم كانت دائما من أجل محاولة التدجين والتوجيه في أفق التحكم في اختياراتنا .
أبعاد هذا النهج وأهدافه عندهم هي : التحكم في أقطاب مكونات البلاد بدء بالساكنة وتجارته وخيراته الباطنية والبحرية وانتهاء بموقعه الإستراتيجي الخ .
لكل ما سلف أجدد التأكيد على وجوب اتخاذ كافة الإحتياطات لتجاوز المطبات التي يضعونها أمام مخاطبيهم وتفادي الأفخاخ التي ينصبونها مؤطرات بابتسامات مغشوشة وأبعاد سياسية وفكرية غير مرئية.
على ضوء كل ما سلف، أرى أن وضع "سياسة مندمجة politique intégrée " من طرف حكوماتنا تؤطر جميع محاور مكونات مجتمعنا السياسية والثقافية والفكرية في "علاقاتها الجدلية" و"تداخلاتها الزمكانية" interférences spatio-temporelles هي التي يمكن أن توفر لدولتنا الحصانة الكاملة والكافية لردع جميع "سياسات الإحتواء" التى تسعى الدول الأوربية وغيرها إلى فرضها علينا.
إن أوربا والغرب بصفة عامة يتعامل معنا، كما هو الحال مع الدول الإفريقية وعدد من الدول في سائر القارات الخمس، على أساس رابح-خاسر gagnant-perdant وليس رابح-رابح gagnant-gagnant كما هو معروف ومحدد على أساس قيم ومبادئ سيادة الدول ولزومية احترامها .
انطلاقا من هذا الطرح، أضع معادلة بسيطة تستدعي التفكير بعمق في مكوناتها: إن "الديمقرطية" في علاقتها القوية والمتماسكة مع "القيم الإنسانية وقيم حضارتنا العربية-الإسلامية" بسمو قيمها الإنسانية كالحق والعدل والحب والتسامح والتضامن و"رفض روح الهيمنة" العاكسة للأنانية والنرجسية والمصلحة الفردانية المنبجسة من روح الإنسان البدائي هي التي تؤسس لاستمرارية الإختيارات التأطيرية للمجتمع التي تشيد مجتمعنا متزنا مستقرا يسبح في بحبحة الطمأنينة والكرامة والاستقرار البنيوي والرخاء والعيش الرغيد .
أسجل أن طرحي هذا يخالف كليا وبعمق فكري كبير الطرح التقليدي الذي يزكي مقولة : " إن التاطير السياسي للمجتمع يبنى على التيار الفكري الذي نادى به نيكولا ماكيافيل Nicolas Machiavel وأمثاله وكل من سار في نسق تفكيره حتى زمننا هذا واستنبط آليات تدبير المجتمع من أفكاره ."
أعتقد جازما أن هذا الاختيار التدبيري للمجتمعات الذي ساد خلال قرون طويلة لا يحترم كرامة الإنسان ولا يعير أدنى اهتمام لقدراته الطبيعية وتطلعاته الإنسانية المشروعة، أصبح متجاوزا بالمطلق في ظروف متغيرة باستمرار وبتسارع كبير، على ضوء نسبة نمو الوعي الفعلي والوعي الحسي الذي أصبح سمة الأجيال الصاعدة التي تؤطرها منصات التواصل الاجتماعي المتعددة الأبعاد الثقافية والفكرية.
وضع وتعميم أسس هاته المعادلة سيقطع الطريق على الدول الأوربية وغيرها من الدول التي ما تزال تتعامل معنا، كما مع غيرنا من الدول الشقيقة والصديقة العربية و الإفريقية والثالثية، على أسس قيم اتفاقية برلين لسنة 1885 المشؤومة التي زكت الفكر الهيمني للغرب الذي ساد زمنا طويلا .
تجب الإشارة إلى أن مكونات هاته المعادلة البسيطة، التي قد يراها البعض مثالية وصعبة التحقيق ، في زمن طغت فيه النرجسية الإقتصادية وتبخرت فيه القيم الإنسانية والمبادئ الأساسية وتفسخت فيه الأخلاق الإجتماعية ، إلا أنني أرى أن التوقيت مناسب ومواة لانطلاق عهد جديد يؤسس لميلاد أمة متجددة تنبع من تاريخها المجيد من أجل وضع أسس متينة للأجيال الصاعدة تعتز بهويتها والمحافظة على ثراثها .
يمر حتما وإجباريا هذا التوجه بتعبئة :
-ا. المناهج الدراسية والبيداغوجية والأندراغوجية من القسم التحضيري إلى الجامعي بارتكازها على قيم تراثنا الغني وثقافتنا التليدة النابعتين من جذور حضارتنا العظيمة والعريقة الحضارة العربية-الإسلامية المنغرسة في أعماق التاريخ .
-ب. السلطة الرابعة بكل مكوناتها المرئية والمسموعة والمقروئة والإلكترونية، التي لها دور حيوي وتاريخي في تأطير المجتمع وجعله يتشبع بمبادئنا الخالدة وقيمنا السامية . إذا كان إعلامنا غير واع بمسؤوليته التاريخية في تأطير المجتمع فتلك مصيبة كبرى .
إن انفلات التأطير المجتمعي من طرف قطبين حيوين : قطب تكوين وقطب الإعلام يدفع حتما إلى ضياع الحس بالهوية عند الأمة ؛ وإذا ضاع هذا الحس ضعفت شخصية الأمة وضاعت في متاهات تفخيخية نصبتها أيادي خبيثة ناطقة "باسم الآخر" .
-ج. انخراط المجتمع السياسي والمدني والإقتصادي لتأطير المواطنين في فضاء التكوين المدرسي والأكاديمي والعملي الميداني وفي إظهار قيم الأمة في المحافل الرسمية الوطنية والدولية.
أؤكد على هذا التوجه لما ألاحظه من إرادة قوية من طرف الغرب ، بدء بالدول الأوربية وانتهاء بكل الدول الشرقية التابعة لبعض مراكز القرار ذات المصالح الخاصة وغيرهم ، في العمل على تدجين واحتواء المجتمعات العربية والإسلامية وغيرها في فضاءات دول العالم الثالث والرابع .
علينا أن نتابع عن كثب ما يجري حاليا ونحن في بداية العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين ، والإنسانية جمعاء في منعطف كبير جدا وخطير جدا على ضوء ما يجري بشرق أوربا وأوراسيا وشرق آسيا وفي قلب إفريقيا وفي الشرق الأوسط وفي جنوب أميركا اللآتينية وكذلك في القطبين خصوصا الشمالي ، والعمل على التفكير بعمق وحذر وروية وتبصر من أجل وضع أسس تجديدية تحيي ثقافة مجتمعنا ، أسس تتناغم مع تاريخنا المجيد وتتماشى مع متطلبات مستقبل مملكتنا الشريفة من أجل الرفع عاليا بعرشنا والدفاع عنه بكل غال ونفيس .
أؤكد على هذا التوجه الفكري ذو البعد الإجتماعي-السياسي ، لأننا دخلنا في فترة حرجة جدا في العلاقات الدولية ، فترة يمكن أن أنعتها ب"عصر ما بين الأزمنة" étape intertemporelle .
ألاحظ في هاته الفترة التاريخية الحرجة والعالية الحساسية أن "الحضارة الغربية" بدأت في الإنزواء في اتجاه طريق الأفول إلى ما تحت الخط الأفقي في اتجاه الغرب ، رغم كل ما تحاول إظهاره من تفوق تحت غطاء مقاومة مبطنة ، محاولة بكل ما أوتيت من إمكانيات مالية كبيرة جدا وإعلامية قوية جدا وذكاء أصبح محطة أخذ ورد ، أصبحت منذ بداية هذا القرن -21 تعمل بسرعة من أجل التركيز على فرض قيمها المادية الصرفة التي وضعتها منذ أزمان خلت ومحاولة مسح ذاكرة المجتمعات الأخرى من كل القيم الروحية ورواسبها التي قد توحي بالإنتعاش .
يمكن ملاحظة شيء مهم وهو أن الغرب لم يحاول فهم حضارتنا ، ولهذا فهو يستصغرها ويحتقرها وبالتالي يحتقر ثقافتنا وتراثنا وشعوبنا وأممنا ومؤسساتنا ودولنا ساعيا لمحو هويتنا وتاريخنا من أجل استعمار فكرنا وتفكيك مفهوم الأسرة عندنا من أجل محوها كلبنة لبناء مجتمع متراص وقوي وبالتالي محو وجودنا ككيانات تاريخية وثقافية بمفاهيمها المجتمعية .
يمكن لنا أن نصنف تحامل الدول الأوربية عل وطننا ومؤسساتنا كخطوة أولى نحو فرض قيود أولية في اتجاه تعميم احتواء تدريجي ثم كامل وتام لسياساتنا واختياراتنا
علينا أن نكون واعين بسياساتهم وحذرين جدا من مخططاتهم المكيافيلية plans machiavéliques والخطيرة على مستقبل أمتنا وهياكل ومؤسسات دولتنا العريقة .
إن الغرب لا يريد أن يفهم أنه في زمن إن حرقت فيه كتابا وحتى مكتبة فلن تستطيع وقف مسيرة أمة وحتى فرملة تقدمها ؛ لقد تغيرت المعطيات تغييرا عميقا وجذريا .
يحز في قلبي أن أرى أن "الثقافة المجتمعية الوطنية" التي بنيت على مدى سنين وقرون بمجهودات جبارة من طرف آبائنا وأجدادنا وأجيال عديدة متعددة حملت في أحشائها هم الوطن وهم بناء تاريخنا المجيد وهم المحافظة والذود عن حضارتنا العربية-الإسلامية العريقة ، والتي عليها تمحورت "الوحدة الوطنية" unité nationale المؤسسة على مدى أزمنة طويلة تجاوزت 14 قرنا فبنت "الدولة-الوطنية" État-Nation التي ما فتئت تتبلور وتتعزز ، أخاف أن نغفو فتنهار رويدا رويدا أمام أعين بعض مكونات "النخبة السياسية" التي غاب وعيها غيابا كليا لأنها غير واعية بما يجري أمام أعينها وغير واعية بمسؤولياتها التاريخية لأنها منشغلة ومنهمكة في تقوية البعد المادي على حساب القيم الحضارية .
لقد دخلنا في "صراع الذكاء" Lutte et guerre des intelligences بين من يشتغلون على التحكم في هويتنا من خارج الحدود وبين نخبنا السياسية والتقنية التي انشغلت بالهرولة وراء المناصب والإمتيازات على حساب المصلحة العامة للمجتمع وعلى حساب الهوية الوطنية وعلى حساب مستقبل الأجيال الصاعدة من أبنائنا وأحفادنا .
أملي أن أرصد تململا سريعا وقويا ونافذا نحو توجه تعي فيه إدارتنا ويفهم أطرنا ويقوم منتخبونا بواجباتهم في حماية ثقافتنا المجتمعية التي تكون الدرع الواقي لهويتنا والحامية لحضارتنا وبالتالي لمجتمعنا ولاقتصادنا وخيراتنا ولمؤهلاتنا بكل مكوناتها وتنوعاتها وأشكالها الغنية والمختلفة .
آمل أن يعمل المتفاوضون المغاربة مع ممثلي الكتلة الأوربية وغيرهم على ضوء هاته "البنية الفكرية الأساسية" وألا يفرشون أرضية عملهم على بساط تقنوقراطي وتقني الذي سينكمش بسرعة كبيرة وتصبح النتائج المتوخاة منه متجاوزة بسرعة فائقة قد لا يتصورها ممثلو بلادنا الذين أحييهم على مجهوداتهم التي أقدر أبعادها وصدقها المبني على ملفات أثثت على معطيات إدارية متبلورة تدريجيا .