الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد الدرويش: نقاش هادئ لقضايا حارقة... القضية الأولى

محمد الدرويش: نقاش هادئ لقضايا حارقة... القضية الأولى محمد الدرويش
" معهد "مع وقف التنفيذ
نسجل باعتزاز وافتخار خلال العشرين سنة ونيف عدة إنجازات وقرارات اتخذها و قادها الملك محمد السادس جعلت من المغرب قوةً صاعدةً تشق طريقها نحو الأفضل بهدوء وعمل استراتيجي يضعه في صلب الاهتمامات الدولية ، ولنا أن نتذكر زيارات جلالته المكوكية لمجموعة من الدول الافريقية ، وما رافقها من تجاوب رئاسي و شعبي و حكومي في تلك الدول ، ومن حجم الاستثمار الذي دشنه المغرب فيها بمنطق رابح - رابح ، كل ذلك أعاد المغرب لمكانته الطبيعية انتماءً للقارة الافريقية، واستحضارًا للعلاقات التاريخية التي جمعت بينه بلداً افريقياً و بين باقي الدول الافريقية عبر التاريخ ، وهي مبادرات لعمري جعلت دولًا عدة تستعيد الثقة في قدراتها وأدت بكثير منها للجهر بالأطروحة الملكية "افريقيا للأفارقة" في كل المستويات قادرة على رفع تحديات التنمية والتحديث ، ولنا أن نستحضر باعتزاز مضمون الخطاب الملكي بالخليج سنة 2016 ، والتتبع الشخصي لمجموعة من المشاريع الكبرى من بنيات تحتية ، وطرق سيارة، والقطار فائق السرعة ، و كذا نجاح المملكة في تدبير جائحة كوفيد 19 ، والتدبير الحكيم لملف الوحدة الترابية في علاقات المغرب بمجموعة من الدول، وكيف غيرت مواقفها من إما معاكسةً للمغرب في قضيته ، أو متخذةً موقف الحياد ، إلى المعترفة جهراً بجدية المغرب في تناول قضية وحدته الترابية في إطار الجهوية المتقدمة واللامركزية واللاتمركز ، وكيف أصبحت العلاقات المغربية تتقوى وتتوسع يومًا بعد يوم مع مجموعة من الدول ...
ونعتقد أن المبادرات الملكية جددت فتح الباب أمام الفاعل السياسي والأكاديمي والمدني للمساهمة الجدية والفعلية في تقوية سبل تطوير هاته العلاقات مع هاته الدول، وإقامة جسور للتعاون وتبادل الخبرات والتجارب، والتعريف بمقومات وثقافة كل بلد، الشيء الذي يساهم في تذويب الخلافات، وكسر الطابوهات، ودحض الادعاءات الفاسدة القائمة على الزيف والحقد والكراهية تجاه هذا البلد أو آخر، والصادرة عن قلة قليلة تدحض أطروحاتها بفعل الدبلوماسية الوطنية المتعددة ومنطق الحقائق والتاريخ والجغرافيا.
ولنا أن نعتز بأن المغرب احتضن من خلال مبادرات الأساتذة الباحثين إما بصفة فردية أو مؤسساتية دراسات افريقية و معهد خاص بها هو معهد الدراسات الافريقية بجامعة محمد الخامس بالرباط، علما أنه قليلة هي الدول التي تحتضن هذا النوع من المعاهد الخاصة بهاته الدراسات كمصر والسودان و جنوب افريقيا ودول غربية ...كما نسجل باعتزاز إنشاء معهد خاص بالدراسات الاسبانية - البرتغالية منذ سنوات ويزيد اعتزازنا بمبادرات أساتذة المعهدين ومساهماتهم في بنائهما و إشعاعهما في زمن لم تكن فيه الموارد المالية والبشرية متوفرة كما هي اليوم .
وفي ظل هاته الدينامية المتجددة للمغرب في علاقاته مع إفريقيا واسبانيا وباقي الدول وفي غفلة من الجميع يتم اتخاذ قرار لم نستوعبه إلى اليوم يقضي بدمج معاهد جامعة محمد الخامس في معهد واحد !!! علمًا أن جامعة محمد الخامس هي الجامعة الوحيدة وطنياً التي تحتضن هذا النوع من المعاهد المختصة… وقد أخذ ذلك القرار وقتًا طويلًا جمدت خلاله المعاهد، وتوقفت المشاريع، وأصاب مجموعة من الأساتذة والموظفين بعض التيه، وكثر القيل والقال عن أسباب تلك المبادرة ومصادرها والهدف منها ؟؟؟؟
وجمعت المعاهد الثلاثة في واحد تحت اسم جديد، وظلت الميزانيات والمناصب المالية توجه للمعاهد الثلاث كل سنة وتم تعيين نائب رئيس الجامعة مكلفًا بالتدبير - بالنيابة لأكثر من أربع سنوات - الشيء الذي تسبب في شبه جمود تام اختلطت فيه الأمور ، ولم يصدر إلى حدود الآن مرسوم التجميع ، و عليه فنحن أمام معهد " مع وقف التنفيذ " بجامعة محمد الخامس .
ومهما كانت الأسباب وراء هذا القرار الذي لم يكن موفقاً توقيتاً وشكلاً، والذي غالباً ما اتخذ بمنطق محاسباتي وتقني فإنه لا يرقى إلى اللحظات القوية التي تعيشها المملكة المغربية في علاقاتها الدولية دفاعاً عن الوحدة الترابية الوطنية و تثبيتًا لها تاريخًا وحضارةً وثقافةً قدرات اقتصادية وطبيعية تجعل منها قوةً صاعدةً ؛ وهي اللحظات التي نحتاج فيها لانخراط كل القوى الحية من احزاب وتنظيمات مدنية واكاديمية كما نحتاج لمبادرات الأساتذة الباحثين المختصين في تاريخ وحاضر ومستقبل علاقات المغرب مع الدول الافريقية و الدول المتحدثة بالاسبانية و البرتغالية، ونعتقد أن المعهدين " المفقودي " هما الكفيلان بالقيام بهاته الأدوار مؤسساتياً ؛ لكن مع كل أسف اتخذ القرار بهدوء دون أن تتدخل أي جهةٍ لإيقافه أو توضيح صوابه ، فأصاب التيه مرة أخرى المعنيين والمهتمين والغيورين…
ولنا أن نطرح مجموعة من الأسئلة في هذا المقام :
-لماذا اتخذت الحكومة السابقة هذا القرار وفي الوقت بدل الضائع من عمرها، و بأي هدف و لأي مصلحة؟
- أمن الحكامة اتخاذ قرار تسبب في تعطيل دينامية أكاديمية تجاه افريقيا و -اسبانيا و -البرتغال و -دول أميركا اللاتينية مؤسساتياً ؟
- كيف وزعت الميزانيات خلال هاته السنوات من 2018 الى 2022 و كيف صرفت؟ هل على المعاهد الثلاث أم للمعهد صاحب الاسم الجديد !؟
- ما هي المعايير التي اعتمدت في توزيع المناصب المالية لهاته المعاهد و لأي مؤسسة وجهت ؟
-ألم يساهم هذا القرار في هدر الطاقات البشرية والموارد المالية و زمن البحث و العلاقات الدبلوماسية الموازية؟
- كيف سمحت الحكومة السابقة باتخاذ قرار لا يساير القرارات والاختيارات الاستراتيجية للملك في موضوع العلاقات الدولية؟
*لماذا لم يسارع السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار إلى التراجع عن هذا القرار وطلب سحب مشروع المرسوم الذي بموجبه تم تجميع المعاهد الثلاثة في واحد؟ وقد طرحنا عليه الملف بمناسبة تنظيم المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين لندوة وطنية بالمكتبة الوطنية حول موضوع العلاقات المغربية الافريقية؟ .
- ألا يعد عدم سحب مشروع المرسوم موافقة للحكومة الحالية على القرار؟
فبعد كل هذا ، و بعد الإشارات والتنبيهات ، واستحضارا لمبادرات وقرارات الملك محمد السادس تجاه افريقيا من خلال اتصالاته ، وجولاته عبر قطعه مئات الآلاف من الكيلوميترات وهو يدشن و يزور دولًا افريقية شقيقة وصديقة ، وما نتج عن ذلك من قرارات مؤسساتية حكومية و خاصة في كل المجالات ، وبعد التطور الحاصل في علاقات المغرب بمجموعة من الدول ، وبعد الانتصارات الدبلوماسية وما حققه الفريق الوطني لكرة القدم في قطر و ما نتج عنه من إشعاع دولي غير مسبوق للمغرب والمغاربة وأخيراً وليس آخراً انعقاد اللجنة العليا للمغرب واسبانيا بالرباط وما صاحبه من قرارات تاريخية همت كل المجالات( 19 اتفاقية )وغيرها من الانجازات التي نعتز بها ...
ألا يستحق كل ذلك مواكبة للدراسات الافريقية والاسبانية لهاته المشاريع من خلال معهد الدراسات الافريقية ومعهد الدراسات الاسبانية والبرتغالية كبنية وطنية لكل منهما، متكاملةً معرفياً ولغةً وإداريًا تتقاطعان مع كل السياسات العمومية تجاه افريقيا والدول المتحدثة باللغة الاسبانية، وتعملان على تجميع تاريخ هاته العلاقات المشتت هنا وهنا ، و تم تعزيز هاذين المعهدين بنخبة من أساتذة التاريخ واللغات والثقافة وعلم الاجتماع …وبذلك تزيد مكانة أساتذتنا الباحثين المختصين ، ويزيد عطاؤهم وإنتاجاتهم ، وتتقوى أواصر هاته العلاقات، وتتجذر في إطار متكامل يجمع بين أخلاق المواطنة والتعايش و قبول الآخر .
لكل ذلك نجدد توجيه ندائنا إلى المسؤولين ونخص بالذكر السيد رئيس الحكومة والسيد وزير التعليم العالي البحث العلمي الابتكار والسيد الأمين العام للحكومة بالعدول عن قرار دمج المعاهد الثلاثة في واحد ، كما نرجو أن يعمل المسؤولون بالتعليم العالي مركزيا و جهوياً و محلياً بمنطق التدبير الجدي والمتجدد للموارد المالية مع تبسيط مساطرها حتى تتمكن المؤسسات و المختبرات من توفير الظروف الملائمة للممارسات الفضلى للدبلوماسية المعرفية وتطوير منظومة البحث العلمي والابتكار استحضاراً لتاريخ المغرب وحاضره من أجل مستقبله في قلب القارة الافريقية و الاوربية والامريكية والاسيوية والاسترالية، وبذلك نكون نستجيب لدعوة جلالته كل مكونات المجتمع المغربي للانخراط الجدي في قضايا الوطن وتحمل المسؤولية.
 
محمد الدرويش، رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي سابقا