تخوم إملشيل تتربع المأساة، التي يعمقها فصل الشتاء، ويحولها إلى جرح لا يندمل، فلا يمكن للجاحد أن ينكر حقيقة تردي الوضع الصحي، وضعف البنيات التحتية، إن لم نقل انعدامها في هذه المنطقة التي أريد لها أن تظل خزانا انتخابيا يمكن الوجوه التي تتقن فن الخطاب ودغدغة عواطف الأبرياء من بلوغ أعلى مراتب السلم الاجتماعي، و مراكمة الثروات الخاصة بحقائب وزارية، يتحولون بموجبها إلى فاعلين يجعلون من السياسة حرفة وفرصة للاغتناء الفاحش، وليست بعمل تدبيري ومسؤولية تمثيلية أمام مواطنين ضعفاء وهبوا أصواتهم مقابل رهانات تنموية، قدمت لهم كوعود يتم نقضها فيما بعد، في خرق سافر لكل التشريعات السماوية منها والأرضية.
الزائر لقبائل أيت حديدو في فصل الشتاء ستصدمه قساوة الحياة في هذه البقاع المنسية، على الرغم مما تنطوي عليه المنطقة من مؤهلات كفيلة بجعلها قبلة سياحية مميزة، أما القاطن فيها فلن تسعفه اللغة حتى وإن طاوعته وأهدته سحرها وقوتها البلاغية في وصف واقعه المأساوي والتراجيدي للآخرين، وما قضية الحوامل كخنجر منغرس بفعل السياسات العمومية الفاشلة في أعماق كل واحد من سكان هذه المنطقة، سوى مظهر من مظاهر هذه القصة الواقعية المؤلمة التي صنعها امتزاج لعنة الطبيعة مع تكريس ثنائية المركز والهامش بأبشع صورها، في ضرب لما يسمونه بالعدالة الاجتماعية والمجالية عرض الحائط، وفي فضح مكشوف لشعار الدولة الاجتماعية الذي تتغنى به الحكومة المغربية.
يعمق الجرح في هذه القمم الباردة هو طبيعة المسالك الطرقية التي تتوفر عليها ثلة من المداشير والقرى والمؤدية إليها، التي ما أن يصل قاطعها إلى وجهته المقصودة حتى تظهر عليه أعراض العياء والمرض ناهيك عن الحوامل اللواتي يتم نقلهن إلى المستشفى الإقليمي بميدلت في هذه الطرقات المهترئة والطويلة، ولكم أن تتصوروا محنة المخاض في هذه الظروف القاسية.
أما عن فرص الشغل في منطقة إملشيل كغيرها من مناطق هامش الهامش فقد أصبحت أضغاث أحلام رغم أنها حافلة بطاقات وكفاءات من شأنها الدفع بعجلة التنمية إلى الأمام، لو تم احترام وتطبيق قاعدة الرأسمال البشري أساس التنمية.
وحتى لا يعتقد القارئ أننا بصدد عمل روائي خيالي، سنذكر على سبيل المثال لا الحصر بعض تجليات الإقصاء الذي مورس ولازال يمارس في حق هذه المنطقة في جميع الميادين، ففي المجال الفلاحي تأتي العواصف والفيضانات على الأخضر واليابس نظرا لانعدام السدود، قبل أن تعيش المنطقة مؤخرا تحت وطأة الجفاف رغم بعض التدخلات التي لا يمكن أن تؤدي بنا الى الإقرار بوجود سياسة مائية رشيدة من شأنها تخفيف معاناة الأهالي.
وفي المجال التربوي يوجد عدد كبير من المؤسسات التعليمية الابتدائية بدون أسوار تقي المتعلمات والمتعلمين وتسهل عملية مراقبتهم، هذا إلى جانب استمرار معضلة الأقسام المشتركة، وبالانتقال الى الطور الثانوي تبرز مشاكل من طينة أخرى تتمثل في تردي الأوضاع في الأقسام الداخلية، وافتقار الثانويات التأهيلية لشعب علمية وتقنية من قبيل علوم رياضية وعلوم اقتصادية، وعلوم تكنولوجية ليضطر المتعلمين الذين ينحدرون من أسر فقيرة للهجرة إلى مدن بعيدة لأجل متابعة الدراسة في مثل هذه التخصصات، ليعمق امتزاج عامل الغربة مع نظيره المادي مأساتهم.
وقبل هذا كله لازالت عدة قرى محرومة من حقها في شبكة الاتصالات والأنترنيت، الأمر الذي يفاقم من مشاكلها، ويضطر الأهالي الى تسلق الجبال بحثا عن مكان يمكنهم من إجراء مكالمة قد تكون استعجالية يطلب فيها أحدهم النجدة، كأنهم مواطنين من الدرجة الثانية.
أما عن حق شباب هذه المنطقة النائية في الترفيه، وإبراز مواهبهم في ملاعب القرب، وفضاءات لألعاب الأطفال وإعادة التهيئة لمنتجعات ومناظر خلابة فأمر مستبعد بعد كل ما شهدته وتشهده من تهميش في أولويات الأولويات.