الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

لحسن ايت الفقيه: مبادرة الاعتراف بمجهود اليسار المغربي في السبعينيات.. إحياء ذاكرة المناضل محمد باري

لحسن ايت الفقيه: مبادرة الاعتراف بمجهود اليسار المغربي في السبعينيات..  إحياء ذاكرة المناضل محمد باري لحسن ايت الفقيه
احتضنت مدينة أكادير المغربية حدثا مهما، محفلا كان من المفروض أن تحتضنه، مادام للمكان ذاكرة قوية. ولا غرو، فبالإمكان إنطاق المكان لاسترجاع ما قدمه مناضل ما خدمة لذلك المكان، أي: للوطن بالتعبير المدني الحديث، وما احتضنه ذلك المكان من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. ولو حصل الاستنطاق الجيد للأماكن نلفى تلك التي تشهد على قمع الحريات، حرية التفكير والتعبير، وأخرى تعرضت فيها الكرامة الإنسانية للازدراء، وهناك مواضع ظلت أمدا بعيدا ملاذا للجلادين، ومؤسسات منقطعة للميز المجالي وتخلف التنمية باسم الحداثة. وفي المغرب أريد للانتهاك الجسيم لحقوق الإنسان أن يعمر أمدا ما بين سنة 1956 و1999، ورغم مضي ما يداني عقدين من الزمان على أعمال هيئة الإنصاف والمصالحة، لا يزال سؤال الحق والكرامة والعدالة المجال]ة مطروحا. وبالعودة إلى النبش في فترة سنوات الرصاص نجد أنفسنا، تارة، أمام حتمية الوقوف لتوديع هذا المناضل، أو ذاك، وفي السفر إلى ذلك المكان أو ذاك، طمعا في الاستجابة لما تقتضيه الذاكرة. فالمكان جزء من الذاكرة، ولا نقصد بالمكان مكان الذاكرة بتعبير بيير نورا.
حضر جل من له صلة باليسار السياسي المغربي، وكل الذين زاروا المعتقلات السرية المغربية، وجل من واجهوا محاكمات غير عادلة بعد أمد من التعذيب في درب مولاي الشريف، ودار المُقري؛ حضروا لتأبين الفقيد محمد باري بمدينة أكادير المغربية مساء يوم السبت 21 من شهر يناير (كانون الثاني) من العام 2023، ولتخليد ذكرى وفاة ذلك المناضل السياسي المغربي. حضرت أيضا لأن لي علاقة به إذ اشتغلنا مع المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان يوم انقطع لجبر الأضرار الجماعية بمواضع الانتهاك. ولست هنا لأدلي بالشهادة، ولكني سأوثق ما جرى في المحفل، وأبثه خدمة للقراء.
لقب المعتقلون السياسيون الذين عاشروا المناضل محمد باري بالسجن المركزي بالقنيطرة، بلقب «خونا»، أي: أخونا باللسان الدارج المغربي. وبالفعل فهو ذو صلة بالأخوة والإخاء لن يختلف على ذلك اثنان، ضمن الجماعة التي عاشرته. وليست الأخوة تلك القائمة على آصرة الدم، وحده، فهناك أخوة قائمة على التسامح، وعلى القيم الإنسانية الجميلة. ولتلك الأخوة ظل «خونا» باري، أو «أوباري» بإضافة همزة القطع المضمومة بالأمازيغية، يجاهد نفسه ويكابدها إرضاء للجميع وتقديم نفسه خادما للجميع، يفيض عنه الإخاء في ارتحاله وقعوده. استمر اللقب بعد خروجه من السجن لأن شخصيته ازدادت صلابة وقوة وثباتا على خدمة الإنسانية. والسجن منهل الأفكار الجميلة في الحياة.
قاوم «خونا» باري الفقر، وتحدى مرض السرطان، لكن القدر شاء أن ينهزم أمام الفيروس اللعين، فيروس كوفيد 19، يوم 03 من شهر دجنبر (كانون الأول) من العام 2021. قاوم الفقيد مبتسما كاظما غيظه محبا للإنسان بقطع النظر عن نوعه وجنسه وعقيدته ولسانه. ومنذ فراقه الحياة ظل رفاقه وعائلته ينتظرون يوما مشهودا بحفل تأبيني، حفل يجري تحت شعار: «حقوق الإنسان فلسفة وقناعة وسلوك». قد تكون الإجراءات الوقائية درءا لانتشار الوباء حاقت بالفقيد رغم هلاكه، وحالت دون التعجيل بإجراء محفل تأبينه، وقد يكون المراد العمل على تهيئة أرضية لنسيان هذه الأحداث التي تبدو، كل مرة، مقلقة في المغرب. وإنه في كل لحظة يطفو الملف الحقوقي على السطح رغم تسخير جيوش من الانتهازيين أبواقا لإفراغ الفعل الحقوقي من محتواه، والغريب أو من الأبواق من يمارس فعل الطمس باسم المؤسسة الحقوقية. ومن حسنات محفل تأبين الفقيد «خونا» باري أنه لم يجر باسم أية هيئة حقوقية، ولم يحضر للشهادة من له صلة بإحدى المؤسسات الحقوقية المنقطعة للانبطاح والترهل، لذلك كان المحفل طاهرا.
جرى تخليد ذكرى الفقيد «خونا» باري بقاعة إبراهيم الراضي بجماعة أكادير. كان موعد اللقاء الرابعة مساء، من يوم السبت 21 من شهر يناير (كانون الثاني) من العام 2023، لكن دخول القاعة متأخر لمدة 55 دقيقة، لأن الحضور بمدخل مؤسسة جماعة أكادير، شكل لقطة في الذاكرة، لأنه فرصة للقاء بين الرفاق والأصدقاء. وانطلق الافتتاح على الساعة الخامسة و6 دقائق حيث صعد المنصة رجل أبيض اللون، تتخلله سمة الاصفرار، سألت عن اسمه، بعد ذلك، وقيل لي: إنه الأستاذ حكيم زاهيدي. أفصح المسير حكيم ناطقا بالكلام التالي: «نلتقي اليوم لنحييَ ذكرى فقيد عزيز علينا، الفقيد محمد باري، ابن هذه المدينة»، بل إنه «بالضبط مدينة إينزكان» المجاورة لمدينة أكادير، والكائن بيته ضمن بيوت «زنقة تارودانت التي نشأ فيها وترعرع. هذه الذكرى التي كان مقررا لها أن تنعقد في وقت سابق، لكن تداعيات وتدابير الاحترازية التي فرضتها الجائحة حالت دون تنظيمها في وقتها المناسب. جائحة كورونا التي لازالت مستمرة إلى اليوم حالت دون تنظيم هذه الذكرى في الوقت المناسب» فكان «تأجيلها ثلاث مرات. فقيدنا محمد باري خطفه الموت من بيننا في عز هذه الجائحة. أجل، إنه فيروس كورونا، أو ما يسمى بكوفيد 19، وفيروس كورونا ليس قصة تراجيدية، أو شريط سينيمائي من صنف الخيال العلمي، بل هو فيروس تسلل إلى بيوتنا بين الثقوب وسكنها بلا استئذان. كورونا كان حكاية لموت جماعي لأحبائنا وأعزائنا أخذهم منا ونشر الرعب في نفوسنا ومن بين الضحايا كان أخونا محمد باري ضمنهم. لما حكم قبضته عليه ذات ليلة من شتاء سنة 2021 ليُحمل على وجه السرعة إلى مستشفى الشيخ زايد» بالرباط، «ولم يمكث به إلا أياما معدودات ليتمكن هذا الفيروس اللعين من حصر أنفاسه والقبض على روحه، فوصل الخبر الفاجعة صبيحة يوم ثالث دجنبر من العام 2021. جرى الخبر بين أصدقائه وأحبائه وذويه كما تنتشر النار في الهشيم، ولم تكن إلا عبارة واحدة ترددها كل الألسن، وتتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي: «وداعا خونا باري»، هكذا قال رفاقه الذين شاركوه زنازين السجن المركزي بمدينة القنيطرة» بالمغرب يحبون أن ينادوه عرفانا منهم بطيبوبته وحسن أخلاقه وتعبيرا على ما يكنونه من مودة وصدق شامل. فقيدنا محمد باري كما يعلم الجميع هو أحد مناضلي اليسار السبعيني، آمن بوطن حر طليق، واعتنق مبادئ اليسار في أدهى قيمه. وكان قدره أن يؤدي ضريبة النضال من اجل أفكاره وما آمن به من قيم العدالة والديموقراطية والمساواة فاعتقل ضمن مجموعة 1972، مجموعة آنس بلافريج، وسيون أسيدون، وأحمد حرزني، وغيرهم من مجموعته التي لم تسعفنا الذاكرة بذكر اسمائهم فليعذرونا. وكانت نتيجة هذه المحاكمة، صيف 1972، بالنسبة للفقيد 15 سنة سجنا. أجل، هي 15 سنة قضاها الفقيد في الزنازين الباردة وبين القضبان، منها ستة أشهر قضاها في المعتقل السري السيء الذكر درب مولاي الشريف، والباقي قضاه بالسجن المركزي بالقنيطرة، حيث قضى زهرة عمره في هذه السجن وعمره لا يتجاوز 23 سنة، ليفرج عنه سنة 1984، ويخرج منه وهو أكثر صلابة، وأشد صمودا، وأنضج فكرا وأزيد حرصا. لن أطيل عليكم سأترك المجال في فقرة الشهادات لرفاقه وأصدقائه الذين عاشروه وعايشوه سواء في تجربته السياسية أو داخل السجن أو الذين عاشروه في تجربته في مجال حقوق الإنسان»، بعد افتتاحه، في ظرف ست دقائق و41 ثانية ود الأستاذ حكيم الزاهيدي العروج إلى برنامج المحفل التأبيني، فعرض مساره في أربع محطات، كلمة اللجنة المنظمة، وفقرة الشهادات، وفقرة الموسيقا، وفي الأخير كان تقديم الشريط الوثائقي.
كلمة اللجنة التنظيمية انقطع لإلقائها الأستاذ أنوار نور الدين الرضى، كان صديقا للفقيد واشتغل معه لما أسندت له رئاسة المكتب الإداري الجهوي للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان من شهر مايو من سنة 2008 إلى أواخر شهر فبراير من سنة 2011، وكان نشيطا غاية في إعداد محفل التأبين واستقبال المشاركين بأكاليل من الزهور، وتيسير لهم المقام المريح، بإقامة «زيفير» أكادير بحي أكادير باي، استقبلهم بكل انشراح وابتسامة، وحجز لهم ثلاث شقق، وواكبهم بالهاتف لئلا يضل أحدهم عن مسار التنقل بين موضع المحفل وموضع الإقامة. بذل من ماله الكثير وفاء بالعهد وخدمة للإخاء وحفظا لذكرة «خونا» باري (محمد باري)، (محمد أوباري) بالأمازيغية.
«سلام على محمد»، بل سلام على روح محمد. ليس في الأمر فلتة لسان. إنها رؤية صوفية ود عبرها الأستاذ أنوار نور الدين الرضا أن يتجاوز ثنائية الروح والجسد. وبالفعل لامعنى لها حينما يتعلق الأمر بصناعة الذاكرة. لا فاصل بين الروح والجسد، ولا فاصل بين الماضي والحاضر. وبتجاوز الثنائيات ظهر الأستاذ أنوار في المنصة بسمتين، سمة المتفرج المتأمل الملتزم، يبدي الخشوع في محله ليجعل الحاضرين يعيشون اللحظة، وسمة الخطيب الفصيح الذي يرتجل حقيقة واقعية، يمكن أن يأخذه المؤرخ شهادة.
«سلام على محمد، شكرا لكل من حضر، شكرا للصديقات والأصدقاء، شكرا لمن أتى من الجنوب الشرقي المغربي، مرحبا بالجميع». وعن شعار المحفل أحب الوقوف عنده للتوضيح معتذرا الأستاذ أنوار على التشويش عليه: «حقوق الإنسان، فلسفة، قناعة، سلوك»، يروم استحضار حقوق الإنسان في ذكرى وفاة الحكيم «خونا» باري، يبدو أنه لائق لتكريم الفقيد ولتكريم ذاكرته. ويروم استحضار فلسفته التي تطبعها الدينامية واستقراء الرأي. انخرط في تجربة المكاتب الإدارية الجهوية لحقوق الإنسان، فكان رئيسا للمكتب الإداري الجهوي للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وود أن يستمر مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لكن عينيه رمقتا في وقت متقدم أن كل فكر يتأسس يترهل. قدم استقالته لغموض الرؤية، ذاك هو الجواب الذي واجهني به لما سألته عن سبب الانسحاب. فالرؤية غامضة ولا تزال تزداد غموضا. وفي انسحابه حكمة ما كنا لندركها حتى مضى على قراره عشرون سنة. أشكر الأستاذ أنوار لأنه شكر من جاء من الجنوب الشرقي، وإني واحد منهم.
شعار المحفل «حقوق الإنسان، فلسفة، قناعة، سلوك»، في حقوق الإنسان في ذكرى وفاة الحكيم «خونا» باري، لأن حقوق الإنسان تُرى في سلوكه، ولأن حقوق الإنسان عقيدة «خونا» باري، وذكر الفلسفة ملازم، في الغالب مع العقيدة. فالشعار يلخص كل معالم شخصية الفقيد، الشعار لائق لتكريمه ولاستحضار ذاكرته، والشعار يحمل في طياته مثبطات كثيرة والعراقيل. «ورغم كل ذلك نظمنا اللقاء»، يضيف الأستاذ أنوار. أي: إن اللقاء يحمل قيمته في ذاته من حيث هو شكل مناسب، وإن حقوق الإنسان لا تأخذ صدقها وسلامتها إلا من التطبيق. هنالك خاطب الأستاذ أنوار الفقيد روحه: «وإنها سلوك يومي في حياتك، أنت أخونا، أنت محمد»، أنت شخص معنوي، أولا وقبل كل شيء، ولك قيمتك من حيث كونك إنسانا. لست هنا، لأحلل كلام الأستاذ أنوار لأنه عميق ونابع من قصد سليم متصل بقضية عادلة إنصاف الفقيد، إنصاف الرجل، الذي أبت المؤسسات الحقوقية أن تلتفت إليه في حياته. وبهذه الكلمات المرتجلة أحاط الأستاذ أنوار بكل شيء، ورغم ذلك لا بد من التفاصيل الصغيرة درءا للتأويل وتيسيرا للفهم السليم. ذلك أن هناك أوجها مستترة في شخصية الفقيد، منها وجه الشاعر السري: «من يحب أن يعرف فيه الشاعر السري عليه أن يسأل الأستاذ سيون أسيدون»، يقول الأستاذ أنوار. وأما وجه المقاول إذ انقطع الفقيد لمحاربة الفقر ومواجهته، فقد عرف أنه مقاول معتكف على النضال السياسي أيضا. «أنت الثوري، أنت رئيس المكتب الإداري الجهوي للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وأنت واحد من المنقطعين لتوحيد اليسار السبعيني». وبمجهوده كان ميلاد اليسار الاشتراكي الموحد. «أنت الكرامة المستترة». وإن كنتم في ريب من ذلك «فاسألوا التنظيمات السياسية والنقابية. شكرا لمن أنجح هذا اللقاء، سميرة سعودي، وزهيرة بيبو، والفنان إبراهيم بركا». عرف الفقيد محمد باري الفقر واليتم ومرض السرطان وتغلب على هذه المحن لكنه، للأسف، لم يتغلب على الفيروس. لذلك سلم الروح. «كلنا سيقف دقيقة الصمت. شكرا لكم». وكلنا يصفق على كلمة الأستاذ أنوار نور الدين الرضا بعد التي قضى في ارتجالها 12 دقيقة و32 ثانية.
أحسنت كلمة اللجنة التنظيمية شق الطريق السليم للولوج إلى قلب المحفل، محفل الذاكرة، محفل تأبين «خونا» باري. إنه ذلك الشخص الذي زار مركز التعذيب دار المُقري في بحر سنة 1972، ثم مخافر درب مولاي الشريف، ثم سجن اغبيلية الشهادات بمدينة الدار البيضاء ثم سجن القنيطرة المركزي. ذلك هو مسار الرجل الذي فضل أن يخدم الشعب المغربي فانخرط في تيار سري: «لنخدم الشعب». قضى عشر سنوات بالحي (أ) بالسجن المركزي بالقنيطرة، ليخرج في شهر غشت من العام 1984 صلب العزيمة، منتصب القامة. انتصر الفقيد «خونا» باري على الجلاد في سنوات الجمر والرصاص بالمغرب، وقاوم العزلة بالسجن، وقاوم مرض السرطان، وهزم الفقر، وانهزم أمام فيروس كورونا. قاوم كل المحن بروح عالية، وكظم غيظه فكان محبوبا لدى الجميع، وهو أخ الجميع. فمن هو «أخونا» باري؟ الجواب في فقرة الشهادات:
ـ شهادة الأستاذ نور الدين سعودي: كانت الشهادة الأولى للأستاذ نور الدين سعودي، معتقل سياسي بالقنيطرة، شارك الزنزانة مع الفقيد بالسجن المركزي بالقنيطرة، حيث اعتقل ضمن مجموعة 1974 المعروفة بمجموعة السرفاتي ومن معه. حوكم ليقضي 22 سجنا، لكنه قضى منها عشر سنوات، ليفرج عنه في غشت 1984، وهو أستاذ باحث امتهن الصحافة والإعلام في العديد من المنابر الإعلامية: «مساء الخير، تحية للجميع، الحديث عن أخينا وصديقي العزيز محمد حديث صعب للغاية في غيابة. ولحد الآن لم أستصيغ أنه غادرنا في هذه الفترة حوالي سنتين بكاملها. مع هذه المناسبة التي تعود إلى الأحاسيس والمشاعر لحطة سماع الخبر الفاجعة الذي وصلني عن طريق أختي سميرة، وهو اختطاف للمرة الثانية من لدن الجائحة اللعينة، كوفيد 19، بعد أن اختطف في السبعينيات من قبل قوى القمع المخزني، وغُيب لسنوات عدة. ولقد عرفته في سنة 1980. أفرج عن جزء من المعتقلين والتحق بنا الجزء الآخر في حي (أ). وكانت العلاقات منذ اللحظة الأولى علاقات حميمية خاصة في كرة القدم، لا أخفي عليكم أن محمد باري كان بارعا في كرة القدم، وخاصة في الضربات الرأسية رغم قصر قامته. نسميه «خونا» لأنه أخ الجميع. كنا مجموعة كبيرة ومحمد كان من القلائل الذين ما سمعتهم يوما يتخاصمون مع أحد. ولا يتفوه بأي كلمة تسيء لأحد. وإنه شخص متواضع، وكل ما سلف من السمات تصف تواضعه، إنسان طيب، وذو قناعة. وإن الشعار المختار للمناسبة يجسده الفقيد جملة وتفصيلا، عمق القناعة، وعمق الانخراط، عمق النضال وصدقه، كتوم ويكتب شعرا. وجميعنا يؤكد فيه هذه الخصل. وإن اختطافه بفعل الجائحة شكل منعطفا في حياتنا. إننا نعيش في زمان غريب منذ هذه الجائحة، لتصارع الأحداث بشكل جنوني، واختلطت فيه الأوراق، فلا أحد مطمئن على يومه وغذه، بل أصبح عدم اليقين سيد الموقف، فعلى حين غفلة أضحت البشرية بدولها العظمى ودولها الفقيرة حربا عالمية، بالمعنى الدقيق للكلمة. وهي حرب غريبة. لا تواجه جحافيل الجيوش المدججة بالأسلحة، ووسائل الدمار الشامل، بل تواجه كائنا متناهي الصغر لكنه فتاك بشكل مهول، حصد المئات بل الآلاف يوميا... فكان فراق لم نستعد له بتاتا. وعن محمد كان مناضلا في حركة لنخدم الشعب، إحدى فصائل اليسار الجذري في السبعينيات من القرن الماضي، ودخل السجن، وخرجنا في نفس اليوم 24 من شهر غشت من العام 1984. وبعد خروجه واصل مساره النضالي على عدة مستويات، سواء على المستوى الاجتماعي، كما أشار الأستاذ أنوار نور الدين الرضى، قبل قليل. وضل يحمل عدة مشاريع من مستوى (AGR) أي: الأنشطة المدرة للدخل من أجل محاربة الفقر وضمان الاستقلال المادي. وساهم، كما قال الرفيق أنوار، في إنشاء المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، وفي تأسيس اليسار الاشتراكي الموحد. وفي مجال حقوق الإنسان كان له نشاط فعال حيث ترآس المكتب الإداري الجهوي للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. وأحب أن أشير إلى إحدى خصله المهمة. وفضلا عن كونه مناضلا كان آبا للجميع متفانيا في توفير مناخ البهجة والمحبة. محمد «خونا» كسب هذه الخصل كلها، وسيبقى في قلبنا ذلك المثال الأسمى للمناضل الصامد، الإنسان البشوش، للإنسان الحكيم، وبالفعل كان في عدة مواقف حكيما. وسأختم مداخلتي ببعض الأبيات الشعرية:
فما نحن في الدنيا إلا ضيوف وما على الضيوف إلا الرحيل ». كانت شهادة الأستاذ نور الدين سعودي في 12 دقيقة و20 ثانية.
ـ الشهادة الموالية للأستاذة ليلى ماجدولين، وهي أستاذة جامعية (سابقا) بجامعة محمد الخامس بالرباط، مناضلة في عدة جبهات منها النضال النسائي حيث ساهمت في تأسيس جمعية التضامن النسائي مع الراحلة عائشة الشنا، وهي كذلك ضمن عائلات المعتقلين السياسيين أديبة وشاعرة. باحت بما تختزنه ذاكرتها من ذكريات شاركتها مع الفقيد «خونا» باري:
«معذرة فإني متأثرة إلى حدود يومه بالموت الذي اختطف منا «خونا» باري. ولا أزال أعيش على وقع الصدمة، حاق بي وقعها إثر تلقي الخبر. والوقع ليس سهلا غاية. وفوق ذلك تعرضت للصدمة تجاه باري لثلاث مرات. عرفته في الكلية ثم وجدته في السجن فكانت الصدمة. ويوم توفي كانت الصدمة. كان من المناضلين الصامدين خاص مع رفاقه 32 يوما من الإضراب عن الطعام وكان آخر من دخل المستشفى. كان صموده كبيرا. وإذا كنا مقتنعين بسياسة الاعتراف، وجب أن نعترف أكثر فأكثر. سياسة الاعتراف مبدأ يتبناه ويمارسه في حياته. وفي اليوم، وبقلب مفعم بالحب والأسى نحيي هذه الذكرى صديق، ذكرى رحيل آخ عزيز وغال على القلوب، وصديق وفي، ورفيق درب الأصدقاء والصديقات الحاضرين، هنا، في هذه الذكرى. وكلنا يستحضر ما عاشاه مع أخينا محمد باري الذي اتسم بصدق القول ونبل المواقف. لم يكن يكثر الكلام. عرفته في الكلية لا يتحدث كثيرا، فإذا نطق ينطق بما قل وذل وذو معنى. فالقليل من عباراته كان لها معنى كبيرا. وإنه ذو موقف إنساني عظيم بدرجة عظمة صاحبه الذي ظل متواضعا في تصرفاته. اختفى في صمت، ونحن هنا لتكسير ذلك الصمت وإحياء لذاكرته وفاء لتلك الذاكرة. إنا وجودكم، ووجودكن، هنا، أكبر دليل على المحبة ووفاء لصديق هم أهل لمحبتنا ووفائنا، أهل بالاعتراف بكل صفاته المتميزة، أهل لتكريم يليق بمقامه، في هذا اللقاء. لا أزال أذكر حضوره الوازن في نشاط قامت به الشبكة أو المرصد المغربي للعنف ضد النساء «العيون النسائية»، هنا في أكادير. وما تتبعه لذلك النشاط إلا دليلا على نصرة حقوق النساء، ووقوفه جنبا إلى جنب مع الحركة النسائية لمناهضة العنف المسلط على النساء وإقرار المساواة في مجتمعنا لازلت أتذكر أيضا تحمسه لإصدار كتاب حول نضالات عائلات المعتقلين السياسيين فلقد كان «خونا» باري من ضمن الأصدقاء والصديقات الذين شجعوني على المضي قدما في نشر شهادات العائلات المساهمات في حركة، كانت، في الأصل، حركة حقوقية، وذلك عبر نضالاتها للدفاع عن سجناء الرأي و«خونا» باري، طبعا، من بينهم لم يتوان لحطة في الإدلاء بشهادته التي توجد ضمن شهادات أخرى في كتابي حول الذاكرة المشنقة «La mémoire enluminée» وهذا أيضا يدخل في سياسة الاعتراف، الاعتراف بمن؟ وبماذا؟ الاعتراف لضرر تلك العائلات وما كابدته من محن أيام سنوات الرصاص والجمر اعتراف أيضا يكل ما له علاقة بالذاكرة وإحياء الذاكرة. هذا ولقد طلب مني قبل أن يدلي بشهادته أن أبعث له نسخة (en pdf) من الكتاب، الشيء الذي فعلته. لكن ما يحز في نفسي هما شيئان اثنان أنني لم أتمكن من تلبية دعوته لي أثناء مجيئي إلى أكادير نظرا لظروف قاهرة آنذاك ووعدته بالعودة لكي ألبي طلبه ولم أعد إلى أكادير إلا حين فارق الحياة. والنقطة الثانية أنه لم يتوصل بنسخة من الكتاب بعد صدوره، الشيء الذي وعدته به ولم أتمكن من الوفاء به، رغم أن الكتاب صدر وقُدم ووُقع في معرض الكتاب في شهر فبراير من العام 2020. نزلت الجائحة، مباشرة، بعد ذلك، وحالت دون الوفاء بوعدي. وإن حرقة عدم الوفاء بوعدي مازالت تراودني كلما تذكرت «خونا» باري. كنت أود، هنا، أن أحضر لتكريمه وهو بيننا لابتسامته المتكتمة، فهو يستحق أكثر من تكريم، يستحق أكثر من جائزة في حقوق الإنسان، يستحق الكثير والكثير. لننحنيَ إجلالا وإكراما لرجل عظيم عاش وسيظل بيننا، في قلوبنا في حياتنا، في ذاكرتنا حيا بيننا وذكراه الطيبة الجميلة ترافقنا وتكون بمثابة بلسم يخفف عنا حُرقة الفراق. شكرا كم». وكان شهادة الأستاذة ليلى ماجدولين في طرف 10 دقائق و28 ثانية.
ـ الأستاذ أحمد حبشي رجل تعليم متقاعد، معتقل سابق ضمن مجموعة أبراهام السرفاتي، محاكمته كانت سنة 1977.
«مساء الخير، في الحقيقة هذه لحظة قاسية علينا جميعا، وفي نفس الوقت تؤكد مدى الوفاء الذي احتفظنا به ونحمله تجاه كل من ساهم وضحى في سبيل هذا الوطن، وفي سبيل غذ نطمح جميعا أن يكون أفضل وأحسن. السيد محمد باري أعطى الكثير من شبابه، وضحى في لحظة كان من الممكن أن يستفيد كما استفاد البعض ولكنه انخرط لينعم الجميع وليس فقط فئات محدودة من هذا الوطن، ومن خيرات هذا الوطن. الذي يعرف تفاصيل حياة رفيقنا العزيز يعرفون عمق أخلاقه وعطاءاته. وكما قال الذي ن تكلموا من قبلي كان كتوما وفي نفس الوقت شديد الانتباه والاهتمام بما يعاني منه الآخرون فيتسلل بصمت ويساعد من يحتاج إلى مساعدة دون، وبحرص منه ألا يعرف الآخرون ما يفعله وهذه ميزة مهمة من ميزاته فهو كتوم لكنه يتأمل كل ما حوله ويتدخل بصمته ويكون تدخله فاعلا. ولعل الذين حرصوا أن يحضروا معنا يعرفون ما خفي ويعرفون الكثير، وللبعض علاقات مع الفقيد أو عاش معه لحظات تؤكد ما أحاول أن أبرزه من أخلاق اتسمت أو اتسم بها فقيدنا وميزته عن باقي رفاقه. ولئن محمد مناضل فقد عاش وسط ثلة من المناضلين وظل يحرص على أن يسعد رفاقه، ويخفف عنهم ضغط السجن. كان دائما مبتسما. لن تجد واحدا من الذين عاشوا معه سمع عنه كلاما أساء له، أو أحدث به آلما في قلبه، فهو إن لم يسعدك بكلمة طيبة يصمت وينظر منك نظرة تفهم منها ماذا يريد أن يقوله لك، دون أن يتقدم بأن يصيبك بجرح، أو أن يقول لك كلاما لا تتحمله. وتلك خصل من خصل محمد. أحب أن أشكركم جميعا على حضوركم. وإنها لحطة الوفاء. محمد كان شخصا ودودا متميزا. وذلك ما جعلنا نأتي من كل المدن. ولروحه أطيب السلام». كانت مداخلته في ست دقائق.
أسر السيد محمد الخُطبي أن يلقي شهادته في هذه الذكرى لكن ظروفا طارئة حالت دون حضوره لذلك نودي على المناضلة الحقوقية ليلى الشافعي لتتلوَها. والأستاذ محمد الخُطبي أحد رفاق الفقيد، شاركه تجربة السجن مهندس عضو مؤسس لاتحاد المهندسين المغاربة. معتقل سابق ضمن مجموعة معتقلي سنة 1972. حوكم بعشر سنوات سجنا نافذا قضاها كلها، فكان خروجه سنة 1982.
«السلام عليكن وعليكم، وتحية لكن ولكم على حضوركم الذي يروم استحضار روح شخص كان يحلم بوطن للجميع فتعرض شأنه شأن جميع المناضلين للإقصاء، وما كانت نهايته بفعل فيروس كورونا لتخدم منحاه في الإقصاء. والمداخلة محررة باللغة الفرنسية. لذلك سأتلوها عليكم»، تقول الأستاذة ليلى الشافعي.
كانت مداخلته على شكل شذرات باللغة الفرنسية ود الأستاذ محمد الخطبي ألا يربط بينها برابط درءا للحشو وذرءا للخيال ليعمل عمله في استكمال الصورة. وتكاد كلمته تشبه سيناريو شريط سينيمائي. سيجري الاقتصار على سرد تلك الشذرات:
تحية للأصدقاء الأعزاء والرفاق، تحية حارة على مبادرتكم القاضية تكريم الفقيد محمد باري، وعبره استحضار فترة حاسمة من تاريخ المغرب.
المغادرة [بفعل الموت] متعاقبة، بإيقاع سريع، فقد سلف أن غادر بلعباس المشتري، والجليل الدرجان، ومحمد بلمجدوب، ورشيد نزهري... وهم رفاق «خونا» في الطريق.
كانت لحظة اجتثاثه في زهرة شبابه مع رفيقه أحمد حرزني في يوم 23 من شهر فبراير من العام 1972، فكان توجيههما بناقلة (estafette) مغلقة سريعة إلى دار المقري المشهورة لطعم قاس أي: قائمة خاصة خلف العصابة والأصفاد الضاغطة. وبعد ذلك واجه سجن اغبيلة بالدار البيضاء.
وعلى سطيحات المُحتجزَيْن، درب مولاي الشريف ودار المقري جرى تلحين ترانيم (hymnes) ثورية التي سلف ترديدها في مهرجانات خطابية وفي الجامعات.
تعشعش مرض كورونا، بسرية وببساطة، وبابتسامة معدية، فكسح كثيرا من الإخلاص والسخاء
قيم ثابتة لم تغادره على طول مساره من اغبيلية إلى السجن المركزي بالقنيطرة وإلى خروجه.
ولقد عرفتموه بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وباستطاعتكم أن تكونوا عليه شاهدين.
ومن جانبي، وبما أن عشر سنوات من المسافة لم تتجاوز المسافة التي كانت تفصل بيننا في قاعة الزيارات بالسجن (parloir).
مصالح، عادل، متواضع في حياته اليومية في مجموعة المعتقلين المسماة «المعتقلين السياسيين» في الحي (أ) مُقام مجموعة محاكمة 1977 وفي الحي (ج) مقام مجموعة محاكمة 1973.
وفاؤه لصوت الكفاح الجريدة التي انخرط فيها قبل انخراطه في تيار لنخدم الشعب، من الثوابت لديه.
وفي وقت لاحق كان الدفاع عن حقوق الإنسان مكونا أساسيا من مبادئه، فانخرط فيها بإخلاص وكلكم شاهدون عليه.
في الحي (أ) كان لدينا شرف اللقاء في سنة 1980، نحن رفاق مجموعة محاكمة 1977.
وبموازاة مع نقاشات ذلك العصر كانت إحدى الذكريات متصلة بي:
في ممر الخلايا بالسجن، وغير بعيد عن الخلية التي أنزل فيها، وفي كل صباح وبعد فتح الأبواب، يتناول «خونا» البن (القهوة) مع الفقيد اليزمي، ولحلافي، والخطابي (معذرة عن عدم ذكر أسماء الآخرين) لا يشاركون أي شيء غير لحظات السرور ونشوات الحياة الممزقة في الأبواب الممزقة المقيدة.
يحملون لقب «حلكة الأمل»
«خونا» أيضا شاعر حسبما أقر به رفاقه، كتوم غاية، ورغم طول الاختلاط لم أتوفق في اكتشاف ذلك، وبموازاة ذلك فحركات في الكرة الطائرة في ساحة حي ج أشعر بها في يدي.
غادرنا «خونا»
غادرنا وأورث لنا مسارا مثاليا لمناضل رفع العدالة، ورافع لفائدة الم !لومين «Opprimés»، وجعلها فوق كل اعتبار.
مناضل نمطي من جيل في رعيان الشباب، ناذر النبل، وذو قوة لا حدود لها وضع لخدمة شعبه ووطنه.
مرة اخرى إني متضامن معكم في فعلكم، متضامن مع الذين ضحوا بوقتهم لتنظيم هذا المحفل
تضامني الكامل مع العائلة التي تكبدت لحظة توقيفه بإنزكان، وأعبر لها عن كامل تعازي الخالصة.
تضامني الكامل مع سميرة ومع ابنه مهدي.
إلى كل الذين يحبون العدالة والحرية
نور اليوم مثل الأمس
فالذين يحملونه هم الذين يُقتلون
لكن الحاملين يتبدلون
ولا شيء يغير النور
استغرقت تلاوة كلمة الأستاذ محمد الخطبي في 9 دقائق و7 ثواني.
ـ مصطفى مفتاح من بين رفاق الفقيد لم يحرض لمرض ألم به، ففضل أن يشارك بكلمة مسجلة في شريط فيديو بعثه للجنة المنظمة. والأستاذ مصطفى مفتاح مناضل، ومعتقل سياسي سابق ينتمي إلى خلايا 23 مارس، اعتقل وصدرت في حقه عشر سنوات سجنا قضاها كلها من سنة 1974 إلى سنة 1984، وفي الشريط ما هو منطوق بالعربية وما هو منطوق بالفرنسية. لنقتبس ما ورد فيه.
«سلام حار واشتياق.
خذ لك الخلود.
خذ لك الخلود وأنت أهل له تستحقه
اترك لي نبيد الحنين.
علمني العوم لكي يعرفني البحر ولو بعد الأوان
علمني السباحة إلى مشيئة أكوانك حيث لا ذكر ولا شاهد غير اشتياقك ولمشيئتك أيها المهاجر منا وعنا إلى الغامض الموعود
مشيئتك التي تهش الآن على سماواتها وبسيطتها وجنها وناسها وكافة صخرها ووحيشها والبحر فيها وأصل الحياة في بدئها وإيابها
علمني الغرق وسر النجاة بحيرتي من هذا الزمان يصطاد منا الآلائي الغصب
ويدلف بأسراه في سحيق أسراره
لن نفهم هذا الأفق
لن أغامر بمناقب الرفيق كلكم تعرفون والمدني والمركزي والغريب، ومصب سوس والأطلس وأركان وكل أوصاف الشفق
«خونا» لماذا لم تعلمني السباحة والمحيط يسرق المتوسط وزرقته
ويبسط لي ضفائره ولك
والشاطئ منبسط يقطع شعاعه وعراته ونظاراته الواقية وآخر ما تبقى من الألوان
لعلك تضحك من بلادتي، وإلا لماذا لم تعلمني السباحة والغرق في حيرتي
لماذا اقترضت في الغياب ذلك الطفل ذلك الذي كنته ذلك الذي سرته أنت
أيها (ال) محمد يا أخانا الذي في زاوية المدى دعني أتهجسفني وبعض أسماء
وهذا السفر من المساء إلى الضحى، هذا السفر الذي أنت ناصيته ومداه من أول ذرة حتى دبيب الماء بين الحجارة وانبلاج السر المكنون الذي انتهى لليدين والعقل وبعض بعض الندى»
انتقل الأستاذ مصطفى مفتاح إلى الحديث باللغة الفرنسية: لقد قيل الكثير عنك منذ أن غادرتنا وتركت لنا القربان (في الغالب) «viatique» الذي رافقك يا صديقي وظل يغذينا، وبفضلك تمكنا لنسلك في رحلتنا عبر الصدأ الرمادي للجدران وثقل الأبواب.
«أخونا محمد، أيها المتعدد الحكمة والمحبة
أيها المتوهج فينا وأنت القريب والأبعد (البعيد)
أيها الأوحد الثمين
أيها المرق حين يفيض فيك الحنان، المقتر في الضحك الطفولي
المبدع في نحت تضاريس الابتسام
يا منارتنا تركتنا لوميض ذكراك حين نستحق وسكنت هناك في مدى غامض منضد نستشفه ونجهله تمام
لعله أزرق مثل ما يراه في الأطلس الصغير أو «أوفلا» [كلمة أمازيغية تعني العالي»
ولعله مكتب صغير يصعد درجين أو ثلاثة
لعلك تكتب الشعر بالأبيض والأسود
لعلك تبحث عن فارس الحصان الذي نحث حافره على جلمود صخر قبالة بحر الظلمات
لعلك تخفي كل رابط ما بين ركراكة [بالكاف المشمومة] وأركان [بالكاف المشمومة] من «المرساوي» حتى «أهياض» و«أحواش»
لعلك تنتقي بكل عناية جواهر بأسمائنا والوفاء
لعلك ترقبني بطرف خفي تهزأ وأنا أجتاز امتحان الكلام عنك في حضرة غيابك
أبو المهدي باري، أخونا محمد وأنت الذي تَعوّدناك الأقرب تصدرنا إلى الغسق الأبعد»..........
«في حضورك والغياب تصطف المقاهي والملاهي والأنيقات والأنيقون والسجائر الشقراء والمطاعم والفنادق ورائحة جزر الكناريات والسردين المشوي والسائحون في مرسى بلا جرائد أو كتب»، أمد الاستماع لشريط فيديو تسع دقائق و41 ثانية.
ـ سميشة رياحة، خبيرة ومستشارة في التكوين في مجال حقوق الإنسان خصوصا فيما يتعلق بالآليات الدولية، وهي مسؤولة عن المعهد العربي لحقوق الإنسان الذي يوجد مقره بتونس والرئيسة السابقة للجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة الدار البيضاء سطات. عايشت الفقيد في مجال حقوق الإنسان في حقوق الإنسان لما أريد له أن يرأس المكتب الإداري الجهوي للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بأكادير. والسيدة شميسة المشهود لها بالدفاع عن الكرامة وحقوق الإنسان ودت أن ترتجل كلمتها شهادتها في حق الفقيد «خونا» باري فتناسب صدقها وما تبتغيه الذاكرة:
«أيها الحضور الكريم شكرا جزيلا للجهة المنظمة لهذه المبادرة مبادرة الاعتراف الذي نحن في أمس الحاجة إليه في زمان ندرت فيه هذه الثقافة. الاعتراف معناه أننا نجسد الاعتراف بالغير بما قدمه وما بسطه من دروس. وقد يستشف من هذا الاعتراف أن الأستاذ محمد باري مدرسة بحل ما تحمله الكلمة من معنى، مدرسة في القيم، مدرسة في تجسيد حقوق الإنسان، ليس، فقط، من حيثُ مضمونُ الاتفاقيات على المستوى النظري، لكن ابتغى وراء ذلك أن يقول للجيل الصاعد: يمكن لحقوق الإنسان أن يتجسد في الفعل. وأن هناك شخصا جسدها في عمله، وفي ممارساته وفي العلاقات الإنسانية. أعتبر أني لم أدون هذه الشهادة لا لشيء سوى أني لواثقة أن العظماء لا يمكن أن نحبسهم في كلمات. العظماء أقوى من أن نقول عنهم كلمات، لأنهم يدافعون عن الحرية ويحبونها، لذلك ارتأيت أن أرتجل شهادتي. ليس لي حظي أن أتعرف على السيد باري خلال أمد قُدمت فيه مجموعة من الشهادات، فترة الاعتقال السياسي وفترة النشاط السياسي لكني تعرفت عليه أثناء الاشتغال معه في مشروع وهو رئيس المكتب الجهوي للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وهو مشروع يضم دول اليمن ومصر وتونس والمغرب يتعلق بالتنمية والتجارب الناجحة أو المنهجيات الجديدة على المستوى التنموي. اخترت مدينة أكادير، بصفتي المنسقة الوطنية لهذا المشروع على مستوى المغرب، وباعتبار أكادير زاخرة بالمقاولات الصغرى يمكن أن تغشى التجربة دولا أخرى وتعم فيها كاليمن ومصر وتونس والمغرب. وكان اختيار المكتب الجهوي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان لينفذ هذا المشروع. وأثناء تنزيل المشروع وأجرأته تعلمت الشيء الكثير. لقد كان الأستاذ باري بالنسبة لي مدرسة، وفي كل لقاء معه أتعلم شيئا جديدا، إن على مستوى العلاقات أو على مستوى التعامل، أو على مستوى الاعتراف بالآخرين. أريد لأول لقاء أن يحضره العاملون في المكتب الإداري الجهوي للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. الأستاذ نور الدين الرضا والأستاذة زهيرة بيبو التي أتمنى لها الشفاء العاجل، والأستاذة رقية منير. وكان أول سؤال طرحه علي الأستاذ باري: لماذا وقع اختيارك على أكادير؟ بدا لي هذا السؤال عميقا، وما الغاية من اختيار هذه المنطقة؟، بدا لي أيضا أن سؤال الأستاذ باري ليس بريئا، فهو يرغب عن أي مشروع يمس منطقة سوس، لذلك لم يسأل عن تكلفة المشروع، ولا عن شركاء المشروع بقد ما سأل: ما هو الأثر؟ تبينت أني أما شخص ذا حس نقدي، يميز الأمور ويتأمل فيها. سألني عن النتيجة المنتظرة وعن مجموعة من الأشياء لن يسأل عنها إلا من هو مهني ومن قلبه مع المنطقة. اقتنع بفلسفة المشروع، واستنتجت أثناء اختياري الجمعيات شخص آخر إذ يحت على حضور مقاربة النوع، أي: وجب الاختيار من الجمعيات جمعيات نسائية، وجمعيات تشتغل على المقاولات... هنالك استنتجت أنه يروم التربية على المواطنة، ويروم تشجيع المقاولات الصغرى، معتمدا على مقاربة النوع الاجتماعي. وقع الاختيار على ثلاث جمعيات، وكان الاختيار صعبا غاية. أدركت شخصية منفردة، إذ لم يتكلم بصيغة الأنا، إذ يتكلم بصيغة المؤسسة، نحن. إنه كلام بات غائبا في مجتمع أضحت في الأنا هي الطاغية. السيد محمد باري يحب أن يجعل نفسه وراء الآخرين، السيد باري يسأل، السيد باري يعترف، السيد باري يقدر، السيد باري حريص على إنشاء التوازنات بين أعضاء الفريق، وأدركت أنني أمام قائد محنك. ليس ذلك القائد الهرمي، وإنما القائد الذي ينكر ذاته أمام الآخرين، القائد الذي يعترف بالآخرين ويقدر عملهم القائد الذي يرغب عن القول: أنا قائد. وإنك لتخشاه في صمته تخشاه في حركاته. لا يتكلم لكن عينيه معبرتان وكذا حركاته. ففي نظرته أكثر من معنى. السيد باري مدرسة. السيد باري تعرفت عليه وأقول في نفسي حذا لو تعرفت عليه قبل هذه المرحلة، ففي كل مرة يعطيني دروسا، لذلك تذكرت في تواضعه المعرفي أنه تواضع سقراطي. سئلت امرأة في العصر اليوناني، قالوا لها: من هو أحكم من في عصرك؟ قالت لهم سقراط. قالوا لها لماذا؟ لأن سقراط يدعي أنه لا يعرف وهو يملك المعرفة، في حين أن الآخرين يدعون المعرفة وهم لا يعرفون شيئا. السيد باري كان متواضعا فيلسوفا بلغ في تواضعه مستوى سقراط. أثناء زيارتنا لهذه الجمعيات عن قرب بدا لي السيد باري في تساؤله أكثر من معنى. هو العطوف مع الفئات الهشة وهو في نفس الوقت يحمل لهم المسؤولية، ولا يحب أن يشتغل بقضايا الناس، يبتغي أن ينميَ قدراتهم ليدافعوا عن حقوقهم. وإنه أثناء زيارة الجماعات المحلية التي اشتغلنا معها لاحظت وجها آخر لدى السيد باري، وجه الشخص الذي يسائل ولا يتساهل عن قضايا حقوق الإنسان ولا يتاجر في قضايا حقوق الإنسان، السيد باري بتواضعه قيمة كبرى، طل يرجع دواما إلى الخلف أثناء عرض نتائج المشروع، لا يتقدم إلى المنصة ولا يعطي استجوابا، لا يتحدث مع الصحافة، يعتبر المشروع مشروع منطقة سوس، ومشروع الجميع، ومشروع الجمعيات. هذه الثقافة لم تعد موجودة، اندثر هذا السلوك. وفوق ذلك، ليس من الذين يلهثون وراء وسائل الإعلام. ومن حيث الجانب الإنسان فالسيد باري يبتغي أن يجسد كرم المنطقة. كلما أنهينا اشتغالا، يكون دائما سباقا إلى العزوف، وحينما يحاول شخص أن يؤدي ثمن الفاتورة ينزعج السيد باري، ويبدو شخصا آخر وكأنه يمسه في كرمه، كرم أهل سوس، وبالفعل يجسد هذه الكرم في حركاته. فالسيد باري مدرسة وإني أقترح على المنظمين أن هذا العرف سيستمر، وكل سنة نشتغل على قيمة من قيم السي باري »، انفجرت القاعة بالتصديات استحسانا للمقترح وتشجيعا للسيدة شميسة رياحة «باستمرار العرف يدرك الجيل اللاحق أنه لا يمكن اعتناق حقوق الإنسان بدون تجسيدها»، كانت كلمة السيدة سميشة في في 13 دقيقة و02 ثانية.
ـ شهادة السيد أحمد توفيق، انقطعت لإلقائها السيدة بوثينة المقودي « مساء الخير، كلفت أن ألقي شهادة السيد أحمد توفيق الزينبي بصفته حاليا رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة بني ملال خنيفرة والتي لا أقدر على تلاوتها مع صعوبة إلقاء الشهادة بعد شهادة السيدة شميسة. أقول لكم: شكرا لكم: أنتم جيل، تعلمنا منكم الكثير، ويخجلنا حضوركم ونستحيي أمامكم، بهذا المعنى. سأشرع في تلاوة شهادة الأستاذ الزينبي: السيد محمد باري اشتغلت معه ابتداء من سنة 2007 مع المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. كان المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في طور إحداث المكاتب الإدارية الجهوية بالعيون، ووجدة، وأكادير. وبعد ترتيبات أولية عين الأستاذ أحمد حرزني رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وقتها السيد محمد باري مديرا للمكتب الإداري»، بل رئيسا للمكتب الإداري « الذي أحدثه المجلس بأكادير ليغطي منطقة سوس وكلميم وطنطان. ولقد تابعت معه بصفتي مسؤولا عن الشؤون الجهوية»، أي: إنه رئيس شعبة الحقوق الجماعية والشؤون الجهوية،« مرحلة تأسيس مكتب أكادير، وتنفيذ البرامج الأولى، وفي مقدمتها برنامج جبر الضرر الجماعي بمنطقة طنطان. تعامل السيد محمد باري مع تكليفه رئيسا للمكتب الإداري الجهوي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بحس وطني عال، موظفا كل إمكانياته وشبكة علاقاته في رهان التأسيس واختار بعناية فائقة الأطر التي اشتغلت معه، وحصل على مقر في موقع متميز للمكتب الإداري، وتابع بكل جهد وتضحيات، عملية ترميمه وتجهيزه، واستطاع في ظرف وجيز أن يخلُق للمكتب إشعاعا جهويا وأن يضع اللبنات الأولى لشركات متعددة موظفا في ذلك سمعته الطيبة وثقته الكبيرة التي يحظى بها في الحهة. لم يكن من الطينة التي تتعطل عن العمل، لذلك يشتغل ساعات إضافية وأيام العطل وأيام السبت والأحد. كان يقطع المسافات بين طنطان وتيزنيت وأيت ملول وتارودانت والرباط، فأعطى للمكتب الإداري للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان كل وقته. وظل حاضرا من أجله في كل الأوقات. كان السيد محمد باري يتمتع بقوة داخلية فولادية، تستمد تماسكها من مبادئه. وبقد م يعطيك الانطباع بصمت، لأنه يضع حدودا بينه وبينك بقدر ما يبدو أكثر انفتاحا عندما تتقاطع المبادئ والأهداف والانشغالات. كان محط اعتراف بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، أنذاك، وكل من اشتغل معه. لا يمكن أن تشك مطلقا في السيد محمد باري. فالثقة يحطها عليك من خلال مواقفه، وسلوكه وصراحته المطلقة. وما كان من النوع الذي يضمر ما لا يؤمن به، أو ينفذ ما لم يقتنع به. كان صادقا في عمله، وفي علاقته مع مرتفقيه بالمكتب الإداري، وكم دافع عن شكاياتهم وتتبعها بكل جهد. وما كان من النوع الذي يطيل في الحديث، فهو مقتضب في كلامه، يعتمد الجمل القصيرة والمركزة، ويغيب الأنا في خطابه، لن يتحدث لك أبدا عن نفسه، وإن سألته يجيبك باقتضاب شديد. كان قمة في التواضع محترما لذاته وللآخرين. حينما قدم طلبه لإعفائه من مهامه»، قدمه بعد إحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي أريد له أن يحُل إلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، قدم الطلب وصفته رئيس المكتب الإداري الجهوي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، في الوقت الذي يعد فيه العدة هذا الأخير لتأسيس اللجان الجهوية. نعود لشهادة الأستاذ أحمد توفيق الزينبي: «طلبت منه أن يتراجع وبينت له أن المجلس يحتاج له، وأن رحيله لن يكون لا في صالح المجلس ولا في صالح مرتفقيه. غادر المجلس، لكنه ظل بالنسبة للذين عاشروه في المكتب الإداري وفي مديرية الحقوق الجماعية والشؤون الجهوية مثالا وقدوة في كل شيء. وبفقدانه فقدنا زميلا عزيزا في العمل، زميلا قد لا يجود الزمان بمثله. لترقد روحك بسلام السيد محمد. عن أحمد توفيق الزينبي، وعن دربكم نبقى أوفياء» تليت مداخلة الأستاذ أحمد توفيق الزينبي في 5 دقائق و47 ثانية.
عرجت الشهادات إلى مجال التربية والعاطفة والحنان، لذلك دعي إلى المنصة ابنه مهدي باري. ولقد ألقت شهادته نظرة على محيطه العائلي: «السلام عليكم، اسمحوا لي سأتحدث باللسان الدارج». ما كنت مستعدا للحديث، لكن السيد أنوار نور الدين الرضا، والذي جاهد نفسه ليجري هذا المحفل على الوجه، وإني أقدره عاليا. سأتحدث عن الفقيد بصفته والدا. وسأروي بعض الحكايات، سأتحدث عن ثلاثة أنماط في هذا الحيز الزماني المخصص لي.
ـ 1ـ أحب أن أشكركم جميعا، في البدء، لحضوركم هذا المحفل. ولقد عاينت من قدم منكم من شمال المغرب، ومن جنوبه ومن جنوبه الشرقي. أشكركم على تحملكم عناء السفر ابتغاء حضور محفل مخصص لوالدي في ذكرى وفاته. وأحب أن أشكر، في الثاني الذين بذلوا الجهد لتنظيم هذا المحفل، السيد أنوار نور الدين الرضا. وإني أتخيل والدي لو شاهد شريط فيديو الخاص بهذه المناسبة، وأعتقد أنه سيفرح جدلا لحضور هذا العدد الهائل من رفاقه ومحبيه الذين حضروا بمدينة أكادير تكريما لروحه، واستحضارا لمبادراته «Les initiatves» في النسيج الجمعوي.
ـ 2ـ الخاصية الثانية في أبي هي خاصية التجميع بين الأشخاص والأراء « Rassemblement ». أتذكر لما كنت أتابع دراساتي في إنجلترا في مدرسة الاتصال والعلوم السياسية. كنت عاكفا على دراسة مصوغة بالإنجليزية. ونشط المراء بيننا حيث يسألني: ماذا فعلت؟ وماذا درست؟ أتذكر أنه جلس بالمقهى وفجأة أحاط به مجموعة من الأصدقاء، أتوا للنقاش معه موضوعا سياسيا. كان أصدقاؤه يلقبونه «خونا». كان يجمع بين أناس مختلفين في آرائهم. ولقد ذكرتني فرصة يومه بإحدى خاصيات أبي، خاصية التجميع.
ـ 3ـ الخاصية الثالثة خاصية الإقناع والتشجيع. كلما تحدثت معه هاتفيا أجدني أكثر اقتناعا ببذل المجهود في الدراسة، كان ذا صدر رحب. أتذكر يوم رحلتنا، وبينما نحن في طريق العودة من مراكش إلى أكادير، سالكين طريقا غير الطريق السيار. لذلك استغرقت رحلتنا ست ساعات بدل ساعتين ونصف الساعة. بدأت أطرح عليه الأسئلات طيلة تلك المسافة، ولما وصلت أكادير، قال لي: مهدي، انتفخ رأسي بكثرة أسئلتك. أثرت هذه الحكاية لأبين لكم قدرته على مناقشة جميع المواضيع بدون عقد، وبثقة عالية في النفس.
أجدد لكم الشكر على مشاركتم في هذا المحفل. أنهى الابن البار مهدي باري مداخلته في ظرف دقائق و50 ثانية. وعلى الساعة 19 و16 دقيقة بتوقيت المغرب الذي أريد لها أن يزيد عن توقيت خط كرينتش بساعة انطلق شريط الفيديو حول حياة الفقيد باري. وما يمكن أن يضاف على ما سلف ذكره أن محاكمته ضمن مجموعته، انطلقت يوم 30 من شهر يوليوز من العام 1972.