الخميس 28 مارس 2024
اقتصاد

عبد الصمد ملاوي: المفاتيح الثمانية لخفض سعر الكهرباء بالمغرب

عبد الصمد ملاوي: المفاتيح الثمانية لخفض سعر الكهرباء بالمغرب عبد الصمد ملاوي، أستاذ جامعي وخبير دولي في تكنولوجيا الطاقات المتجددة 
يفكك د.عبد الصمد ملاوي، أستاذ جامعي وخبير دولي في تكنولوجيا الطاقات المتجددة، في حوار مع “أنفاس بريس“، أسباب ارتفاع سعر الكهرباء بالمغرب مقارنة مع عدد من الدول العربية. وماهي الحلول الممكنة لخفض كلفة الكهرباء وجعل سعره مقبولا كما هو معمول به في دول أخرى.

 
ما‭ ‬هي‭ ‬أسباب‭ ‬ارتفاع‭ ‬سعر‭ ‬الكهرباء‭ ‬بالمغرب؟
يمكن‭ ‬تلخيص‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب‭ ‬إلى‭ ‬أربعة‭ ‬أسباب‭ ‬رئيسية: 
أولا،‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬لازال‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬الأحفورية‭ ‬لتوليد‭ ‬الكهرباء،‭ ‬حسب‭ ‬الأرقام‭ ‬الرسمية‭ ‬المتوفرة‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬بداية‭ ‬سنة‭ ‬2022،‭ ‬تمثل‭ ‬الكهرباء‭ ‬المنتجة‭ ‬من‭ ‬المصادر‭ ‬المتجددة‭ ‬حوالي‭ ‬37‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬63‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬الكهرباء‭ ‬مولدة‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬الأحفورية‭ ‬موزعة‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولىعلى‭ ‬منتوجات‭ ‬بترولية،‭ ‬مصادر‭ ‬غازية‭ ‬ثم‭ ‬مصادر‭ ‬معتمدة‭ ‬على‭ ‬الفحم‭ ‬الحجري‭.‬

37 ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬الكهرباء‭  ‬المنتجة‭ ‬من‭ ‬الطاقات‭ ‬المتجددة،‭ ‬تتوزع‭ ‬كالتالي: 7‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬مصدرها‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬وحوالي‭ ‬16.57‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬الكهرومائية‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬السدود‭ ‬وحوالي‭ ‬13.4‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬الريحية‭.‬

لهذا‭ ‬لازال‭ ‬المغرب‭ ‬يعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭  ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬الكهرباء‭ ‬من‭ ‬المصادر‭ ‬الأحفورية،‭ ‬وكما‭ ‬نعلم‭ ‬فإن‭ ‬ارتفاع‭ ‬هذه‭ ‬المواد‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬الدولية‭ ‬للطاقة‭ ‬يؤثر‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬الكهرباء‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمواطن‭ ‬المغربي‭.‬
 
ثانيا،‭ ‬خصوصية‭ ‬المغرب‭ ‬لا‭ ‬تشبه‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الديمغرافية‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الصناعية‭ ‬أو‭ ‬نمط‭ ‬الحياة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬إذ‭ ‬لوحظ‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬انتعاش‭ ‬اقتصادي‭ ‬وصناعي‭ ‬تجاري،‭ ‬تستعمل‭ ‬أو‭ ‬تستهلك‭ ‬الكهرباء،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬استهلاك‭ ‬الكهرباء‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬مقارنته‭ ‬بشكل‭ ‬متجانس‭ ‬مع‭ ‬باقي‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭. ‬والدليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الأرقام‭ ‬المتوفرة‭ ‬من‭ ‬مديرية‭ ‬الدراسات‭ ‬والتوقعات‭ ‬المالية‭ ‬أو‭ ‬كذلك‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬البحثية‭ ‬الدولية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الأرقام‭ ‬الرسمية‭ ‬الوطنية‭ ‬الصادرة‭ ‬من‭ ‬الوزارة‭ ‬أو‭ ‬المؤسسات‭ ‬الطاقية‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬إنتاج‭ ‬الكهرباء‭ ‬بحوالي‭ ‬5.6‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬نهاية‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬سنة‭  ‬2022‭. ‬وكذلك‭ ‬الاستهلاك‭  ‬وصل‭ ‬إلى 7.6‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬خلال‭ ‬نفس‭ ‬الفترة،‭ ‬مما‭ ‬يتطلب‭ ‬شراء‭ ‬الكهرباء‭ ‬سواء‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الكابلات‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬أوروبا‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭  ‬أو‭ ‬كذلك‭ ‬عبر‭ ‬الكابل‭ ‬الكهربائي‭ ‬الذي‭ ‬يربط‭ ‬المغرب‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬المار‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭.‬

وما‭ ‬يفسر‭ ‬بأن‭ ‬تكلفة‭ ‬استيراد‭ ‬الطاقة‭ ‬في‭ ‬مجملها‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬قد‭  ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬103.05‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬نهاية‭ ‬غشت‭ ‬2022،‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬تكلفة‭ ‬استيراد‭ ‬الطاقة‭ ‬بلغت‭ ‬في‭  ‬حدود‭ ‬45‭ ‬مليار‭ ‬درهم،‭ ‬نهاية‭ ‬غشت‭ ‬2021‭. ‬وبالتالي‭ ‬نلاحظ‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬استهلاكا‭ ‬متزايدا‭ ‬للطاقة‭.‬

ونذكر‭ ‬مؤشرا‭ ‬آخر‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمواطن‭ ‬المغربي‭ ‬يبين‭ ‬أن‭ ‬استهلاك‭ ‬الكهرباء‭ ‬بلغ‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭  ‬نونبر‭ ‬ودجنبر‭ ‬2021‭ ‬بلغ 5.5‭ ‬(ثيراوت‭ ‬في‭ ‬الساعة،‭ ‬ثيراوات‭ ‬تعادل‭ ‬1000‭ ‬جيغاوات‭ ‬أو‭ ‬مليون‭ ‬ميغاوات‭ ‬من‭ ‬الطاقة)‭.‬
 
ثالثا،‭ ‬نمط‭ ‬احتساب‭ ‬فاتورة‭ ‬الكهرباء‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الدولة‭ ‬سواء‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمواطن‭ ‬أو‭ ‬بالنسبة‭ ‬للشركات‭ ‬للصناعية‭ ‬عبر‭ ‬القطاعات‭ ‬الوصية‭ ‬كالمكتب‭ ‬الوطني‭ ‬للكهرباء،‭ ‬فالدولة‭ ‬تحتسب‭ ‬تكلفة‭ ‬ثابتة‭ ‬للكهرباء‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬ارتفاع‭ ‬أو‭ ‬تقلبات‭ ‬السوق‭ ‬الدولية‭ ‬للطاقة،‭ ‬وتتكفل‭ ‬الدولة‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بالفرق‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الشأن‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمحروقات‭ ‬قبل‭ ‬تحرير‭ ‬الأسعار،‭  ‬فهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬تحتسب‭ ‬الكهرباء‭ ‬بأسعار‭ ‬ثابتة‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬سيلاحظ‭ ‬ارتفاع‭ ‬في‭ ‬أسعار‭ ‬المحروقات‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬الدولية‭ ‬وثبات‭ ‬سعر‭ ‬الكهرباء‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يفهمه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭.‬
 
رابعا،‭ ‬تبقى‭ ‬تكلفة‭ ‬الكهرباء‭ ‬بالمغرب‭ ‬رغم‭ ‬ارتفاعها‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬نفس‭ ‬الخصوصية،‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬المعدل‭ ‬العالمي‭ ‬للكهرباء‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬حدود‭  ‬0.161‭  ‬دولار‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬سعر‭ ‬الكهرباء‭ ‬هي‭ ‬0.115‭ ‬دولار،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬كتونس‭ ‬التي‭ ‬تبيع‭ ‬الكهرباء‭ ‬بـ‭ ‬0.069‭ ‬دولار‭ ‬وبعض‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬خصوصية‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬ارتباطه‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تبيعه‭ ‬الكهرباء‭. ‬بعد‭ ‬الأزمة‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬انقطاع‭ ‬الأنبوب‭ ‬الغازي‭ ‬المغاربي‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الجزائر،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ينقل‭ ‬الغاز‭ ‬ويستغل‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬الكهرباء،‭ ‬اضطر‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬شراء‭ ‬الكهرباء‭ ‬عبر‭ ‬الكابل‭ ‬البحري‭ ‬الذي‭ ‬يربطه‭ ‬بإسبانيا‭ ‬بأسعار‭ ‬تلك‭ ‬الدول،‭ ‬فسعر‭ ‬الكهرباء‭ ‬بإسبانيا‭ ‬هي‭ ‬0.373‭ ‬دولار‭ ‬أي‭ ‬مرتين‭ ‬ونصف‭ ‬بالنسبة‭ ‬للسعر‭ ‬المغربي،‭ ‬ويضطر‭ ‬المغرب‭ ‬أحيانا‭ ‬إلى‭ ‬شراء‭ ‬الكهرباء‭ ‬من‭ ‬البرتغال‭ ‬التي‭ ‬يصل‭ ‬سعرها‭ ‬إلى‭ ‬0.272‭ ‬دولار‭. ‬
 
ماهي‭ ‬الإجراءات‭ ‬الممكنة‭ ‬لخفض‭ ‬كلفة‭ ‬الكهرباء‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمغاربة؟
أن‭ ‬هناك‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬يمكن‭ ‬تلخيصها‭ ‬في‭ ‬ثمان‭ ‬نقط:
 أولا،‭ ‬ضرورة‭ ‬إعادة‭ ‬تأهيل‭ ‬والتفكير‭ ‬في‭ ‬استعمال‭ ‬النقل‭ ‬الجماعي‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬النقل‭ ‬الفردي‭ ‬بالنسبة‭ ‬للاستعمالات‭ ‬غير‭ ‬الضرورية‭.‬
 
ثانيا،‭ ‬ضرورة‭ ‬التشجيع‭ ‬الذاتي‭ ‬لإنتاج‭ ‬الكهرباء‭ ‬مع‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الإعفاءات‭ ‬الضرورية‭ ‬وسن‭ ‬القوانين‭ ‬كالقانون‭ ‬الأخير‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬المصادقة‭ ‬عليه‭ ‬بالبرلمان‭.‬
 
ثالثا،‭ ‬تحفيز‭ ‬النجاعة‭ ‬والترشيد‭ ‬الطاقيين،‭ ‬مثلا‭ ‬تحفيز‭ ‬أسعار‭ ‬تحفيزية‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬في‭ ‬المبادرة‭ ‬الأخيرة‭ ‬لتحفيز‭ ‬المواطنين‭ ‬على‭ ‬خفض‭ ‬تكلفة‭ ‬شهرين‭  ‬نونبر‭ ‬ودجنبر‭ ‬2022،‭ ‬إذ‭ ‬يجب‭ ‬اتباع‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الطرق‭ ‬لتحفيز‭ ‬المواطنين‭ ‬على‭ ‬ترشيد‭ ‬واستهلاك‭ ‬الكهرباء‭.‬
 
رابعا،‭ ‬اعتماد‭ ‬قوانين‭ ‬صارمة‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬هدر‭ ‬الطاقة‭ ‬خصوصا‭ ‬لدى‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬والغير‭ ‬عمومية‭. ‬إذ‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬نرى‭ ‬الإضاءة‭ ‬العمومية‭ ‬في‭ ‬واضحة‭ ‬النهار‭ ‬بدون‭ ‬مراقبة‭ ‬وحسن‭ ‬التدبير‭.‬
 
خامسا،‭ ‬فرض‭ ‬شروط‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬والجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬الكهرباء‭ ‬من‭ ‬الطاقات‭ ‬المتجددة‭ ‬بنسب‭ ‬متفاوتة‭ ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬25‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬الإنتاج‭ ‬الخاص‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭.‬
 
سادسا،‭ ‬تشجيع‭ ‬الأبحاث‭ ‬الواقعية‭ ‬والمستثمرة‭ ‬مباشرة‭ ‬في‭ ‬النجاعة‭ ‬الطاقية‭ ‬وفي‭ ‬الإنتاج‭ ‬الكهربائي‭ ‬الأخضر‭.‬
 
سابعا،‭ ‬تشجيع‭ ‬الاقتصاديات‭ ‬والصناعات‭ ‬المنتجة‭ ‬للطاقات‭ ‬المتجددة،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمشروع‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬تشييد‭ ‬أول‭ ‬مصنع‭ ‬لسخانات‭ ‬المياه‭ ‬تعمل‭ ‬بالطاقة‭ ‬الشمسية‭.‬
 
ثامنا،‭ ‬ضرورة‭ ‬استغلال‭ ‬الرقمنة‭ ‬في‭ ‬التتبع‭ ‬والتأطير‭ ‬الطاقي‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬هدر‭ ‬وتبذير‭ ‬الطاقة‭ ‬الكهربائية‭ ‬لدى‭ ‬المواطن‭ ‬والمؤسسات‭.‬