الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

عزيز الخمليشي: سوء الجوار بالنسبة للمغرب .. هل هو قضاء وقدر؟

عزيز الخمليشي: سوء الجوار بالنسبة للمغرب .. هل هو قضاء وقدر؟ عزيز الخمليشي
باستقراء التاريخ كان المغرب عبر القرون محط أطماع القوى الإستعمارية، نظرا لموقعه الجغرافي الإستراتيجي، لذا تكالبت عليه القوى الإمبريالية من كل حدب وصوب، وللترافع عن القضية الأولى للوطن لابد من تصحيح العديد من المفاهيم التي يروج لها الخصوم في المحافل الدولية، بدءا بالتسمية، حينما يركز أعداء الوطن على ذكر الصحراء "الغربية" بدل الصحراء المغربية في كل المنتديات الدولية، لذا فإن انتقاء هذه الكلمة بشكل مقيت يراد من خلالها ترسيخ مفهوم مزيف بجعل الصحراء المغربية منعزلة عن المغرب ولإحداث نوع من القطيعة بين الأصل والفرع، رغم أن التسمية في حد ذاتها لها طابع جغرافي صرف بغض النظر عن التقاطبات السياسية وذلك :.
حينما يستنجد الخصوم ويتحججون بكون قضية الصحراء المغربية أقاليم متنازع بشأنها معروضة أمام أنظار المنتظم الدولي في إطار لجنة تصفية الإستعمار، يوظفون ذلك في بعد اختزالي كله تحريف للوقائع التاريخية :
-يغفلون عن قصد وبسوء نية وبشكل ممنهج أن المغرب بدأ يسترجع أقاليمه الجنوبية بالتدريج منها سيدي إفني وهو من تقدم بعرض قضية الصحراء على لجنة تصفية الإستعمار بغرض استكمال وحدته الترابية.
-الإستفتاء: منطق متجاوز بمعايير الجزائر، حيث لا يوجد أي مقتضى قانوني في قواعد القانون الدولي ينص على الإستفتاء، وانما هو تدبير استثنائي لا يتم اللجوء إليه إلا في حالة الضرورة، ولا يرقى إلى مرتبة القاعدة القانونية الملزمة لأنه مجرد إجراء يؤخذ على سبيل الإستئناس وبلغة الأرقام فإن قرابة 64 نزاع كانت معروضة أمام مجلس الأمن أربعة منها فقط تم حلها عن طريق الإستفتاء منها قضية السودان ،علما أن الراحل الحسن الثاني كان هو من طالب في مؤتمر نيروبي امام منظمة الوحدة الإفريقية بإجراء الإستفتاء ، لكن اختلاق العراقيل والإستشكالات المتعلقة بتحديد هوية من يحق لهم التصويت جعلت المنتظم الدولي يستبعد هذا الخيار نظرا لاستحالة تنفيذه بشكل عملي، فتم إقباره من خلال قرارات مجلس الأمن المتحدة بهذا الشأن، وأصبح في عداد الأموات ونعتقد جازمين أنه لا يمكن إحياء الموتى.
-تقرير المصير: لا يعني بتاتا الإنفصال، ولا يمكن لجماعة مسلحة مدعمة عسكريا ودبلوماسيا من قبل النظام الجزائري أن تكون ممثلة لسكان الصحراء، كما ان مشروع الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب حضي بتأييد المجتمع الدولي منذ سنة 2007 باعتباره جدي وذي مصداقية، وأنه الحل الوحيد الممكن لكونه يتأسس على مجموعة من المعايير الدولية المتعارف عليها كونيا منها تدبير سكان الإقليم لشؤونهم الإقتصادية و الإجتماعية والثقافية بأنفسهم تحت السيادة المغربية، تأسيسا على ذلك، فهذا المقترح يعد أسمى وأرقى أشكال تقرير المصير.
-التأويل الخاطئ لمفهوم اللاجئين والمحتجزين: سكان مخيمات تندوف لا يمكن اعتبارهم لاجئين بمنطق القانون الدولي لأن هذه الصفة تستمد مشروعيتها من إحصاء الساكنة وتمكينها من جواز السفر وضمان حرية اختيار البلد الذي تريد المغادرة إليه أو إختيار البقاء في نفس المنطقة وهذه الشروط تبقى منعدمة بالنسبة لسكان المخيمات، لذا فالوصف القانوني الذي يسري عليهم هو كونهم محتجزين غصبا داخل خيام مهترئة لا تتوفر فيها أبسط شروط الكرامة الإنسانية، فالأركان التأسيسية لجريمة الإختطاف والإحتجاز تبقى قائمة في غياب حرية التنقل من مخيم لآخر فبالأحرى مغادرة المخيمات إلى وجهة أخرى.
-البنية الديمغرافية: منذ خلق هذا الكيان اللقيط والمولود المعتوه الذي يعاني عدة تشوهات خلقية، عملت الجزائر على قلب بنيته الديمغرافية راسا على عقب وذلك، بمحاولة استنبات شعب كرها باستقطاب واحتضان مهاجرين أفارقة فروا من بلدانهم كمشردين نتيجة الحروب أو الجفاف.
-الدبلوماسية الموازية: إذا كانت الدبلوماسية الرسمية قد حققت العديد من المكاسب لمصلحة القضية الوطنية منها الإعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وفتح مجموعة من القنصليات العامة بكل من مدينتي العيون والداخلة وتفهم مجموعة من دول الإتحاد الإفريقي لحقائق الملف ومراجعة كل من موقف اسبانيا وألمانيا، ولحماية هذه المكتسبات في عالم مضطرب ومتغير لا يؤمن إلا بلغة المصالح، فإن المأمول هو تشبيك  الاستهدافات بين الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية الموازية التي لها مفهوم واسع قد يشمل الجانب الثقافي والرياضي والديني...
تقوية الجبهة الداخلية: التدافع السياسي داخليا أمر طبيعي ومطلوب قد يتجاوز حدود اللياقة إلى درجة الإصتطام الذي يخلق أضرار جسيمة بتبادل الإتهامات والحملات الإعلامية بغض النظر عن صدقيتها ومصداقيتها، وانتقاد المؤسسات وتدبير الشأن العام، لكن حينما يتعلق الأمر بالمصلحة العليا للوطن والقضايا الكبرى، فإن الأمر يستدعي التضامن والتضحية وتنقية الأجواء بدل تسميمها لمواجهة التحديات الخارجية الكبرى وهذا ما يثبت ذكاء الشعوب وتوجه العقلاء.
 باب الاستخلاصات:
منذ افتعال نزاع قضية الصحراء المغربية وباستقراء مواقف الجارة الجزائر عبر التاريخ يتضح جليا أنه كلما ارتفع سعر البترول والغاز إلا وكان هذا النظام أكثر عدوانية وتغولا ضد المغرب حيث توظف هذه العائدات المالية بشكل أرعن للنيل من وحدته الترابية.
قمة الحقد والهيجان أن المؤسسة العسكرية بالجزائر، قررت قطع أنبوب الغاز عن اسبانيا الذي يمر عبر المغرب لمجرد أنها اتخذت موقفا مشروعا يشيد بوجاهة الحكم الذاتي وهي الملمة بخبايا الملف.
الخارجية الجزائرية لا يوجد في أجندتها السياسية إلا ملف وحيد هو قضية الصحراء المغربية.
فرنسا الحليف التقليدي للمغرب أضحت مواقفها غامضة وأكثر ضبابية وبدأت تنهج سياسة التوازنات ولغة الحسابات تارة بإرضاء المغرب وتارة أخرى بمجاملة الجزائر، وهي التي تتوفر على كل الوثائق والمستندات التي تثبت مغربية الصحراء.
بعد الإنجازات المحققة لفائدة القضية الوطنية بدأت الجزائر تغير من منهجية وقواعد اللعب من خلال ابتزاز تونس للاعتراف بجمهورية الوهم عن طريق المساعدات والضغط على موريتانيا لتشكيل حلف مغاربي يستثنى منه المغرب.
استبدال آليات الإشتغال باستغلال التظاهرات الرياضية لشحن الشعب الجزائري بالأحقاد وتصوير المغرب بأنه عدو كلاسيكي، ولا غرابة في ذلك، لأن حتمية التاريخ وبداهة الجغرافيا حشرتنا مع جارة السوء يمكن أن تبدد كل الثروات وتسخر كل الإمكانيات في محاولة يائسة لاقتطاع جزء من أرض الوطن فهل هو قضاء وقدر أم لعنة من السماء؟
وفي ظل وجود رئيس صوري ضعيف وجيش متربص يحكم البلاد بقبضة شديدة  من خلال التحكم في الإعلام والقضاء ورسم السياسات الخارجية المتسمة بالعداء البنيوي المزمن، وبعد استنفاد كل الوسائل الدبلوماسية الممكنة يبقى التعنت سيد الموقف، لذلك فإن مغربية الصحراء لا تحتاج إلى تأكيد، ومن لم يعجبه ذلك (ينطح راسو مع الحيط-مع كامل الإحترام للحيط).
إن سكان الصحراء المغربية سبق وان عبروا عن تقرير مصيرهم في العديد من المحطات بشكل علني صريح، بمقتضى انتخابات حرة ديمقراطية نزيهة بشهادة المنظمات الدولية وبنسبة مشاركة قوية ومرتفعة  لاختيار المجالس الجهوية ومجالس العملات والأقاليم والجماعات الترابية.
والتصويت بكثافة على مختلف الإستشارات الشعبية المرتبطة بدساتير المملكة منها دستور 2011. ولعل المذابح التي عرفتها الجزائر فيما يعرف بالعشرية السوداء، يزكي أطروحة العساكر الدموية..
-إما أحكمكم أو أذبحكم-
عزيز الخمليشي، باحث في العلوم القانونية