الخميس 28 مارس 2024
سياسة

بن يونس المرزوقي:الفريق الوطني المغربي.. و"غزوة" قطر..

بن يونس المرزوقي:الفريق الوطني المغربي.. و"غزوة" قطر.. بن يونس المرزوقي والمنتخب المغربي

أولا.. الإنجاز واللحظة

تابعت بكل جوارحي، ككل مغربي ومغربية، مشاركة المغرب في مباريات كأس العالم بقطر..

ولا أخفيكم سرا أن قلت لكم/ن أن هذه أول مرة أتفاعل مع مباريات كرة القدم بشكل لم يسبق لي القيام به..

قمت بتصوير وبث مقاطع فيديو من الفضاءات التي تابعت فيها مباريات الفريق الوطني..

قمت ببث تصوير مباشر على إثر كل مقابلة.. ومن وسط الجماهير.. في كل من وجدة.. والرباط..

وحتى عندما هدأت الأحوال كتبت عن أهمية الأفراح الجماعية في لحم وتشديد الانتماء..

كانت لحظة متميزة.. وبامتياز..

أدرك المغاربة في كل بقاع العالم أهمية الإنجاز.. واللحظة..

ولم نفرح لوحدنا كمغاربة ومغربيات.. بل حتى كذوي أصول مغربية..

بل عمت الفرحة شعوبا كاملة..

من العالم العربي.. من إفريقيا.. من الدول الإسلامية..

وباختصار من دول العالم "الثالث".. بل ومن عقر العالم "الأول"..

ثانيا.. التكريم الملكي

وكان لخروج صاحب الجلالة لمشاركة الشعب المغربي احتفالا بمنجزات أسود "الأطلس" دلالات عميقة..

دلالات الاحتفال الملكي وسعت مجال الأسود من "الأطلس" إلى الجبال والسهول والصحاري..

وكان لعودة الفريق الوطني طعم خاص..

استقبال شعبي ذو مغزى عميق..

تُوج كل ذلك باستقبال ملكي.. وأوسمة ملكية.. وتكريم للأمهات..

ملك وشعب وفريق.. إنجاز ولحظة تاريخية..

ثالثا.. ما بعد اللحظة

في خضم أفراحنا واحتفالاتنا ظهرت تدريجيا أصوات نشاز..

كانت محتشمة في البداية.. ثم سرعان ما اكتسحت الساحة..

أصوات جعلت منجزات الفريق الوطني نتيجة لسياسة رياضية للبلاد..

ولم تكن المصطلحات دقيقة.. فعمت فوضى التعليقات والتحاليل..

وخرجت من حيز الرياضة.. لتدخل عالم السياسة الرياضية..

وهكذا.. وبقدرة قادر..

أصبحوا يحدثوننا عن "استراتيجية" في كرة القدم..

وأصبحوا يُحللون لنا "مخططات" البلاد في كرة القدم..

وحتى أن البعض تحمس للحديث عن استراتيجية رياضية..

أصابني الذهول مما كنت أقرأه.. أشاهده.. أسمعه..

ومما زاد في ذهولي كون التعاليق والتحاليل تكون شرسة بقدر "ارتفاع" الوعي أو الانتماء السياسي أو الحزبي..

والآن.. بعد أن هدأت الأحوال..

حان وقت زوال "الاندفاع" العاطفي.. وحل وقت التساؤلات..

رابعا.. الرياضة: فن أم علم؟

كان هذا هو أول سؤال تبادر لذهني وأنا أخط هذه المحاولة..

سؤال استنبطته من مجالات أخرى.. لكن مكانته مشروعة..

تخيلت في البداية أن الرياضة علم..

لم يكن ذلك من باب اليقين.. ولكن من باب بسط كل الاحتمالات..

أصابتني هيستيريا من الضحك..

ما هي المكانة العلمية لجل الدول التي سبق لها الفوز بكأس العالم..

إليكم الترتيب..

البرازيل (5 مرات)، إيطاليا (4)، ألمانيا (4)، الأرجنتين (3)، أوروغواي (2)، فرنسا (2)، ومرة واحدة كل من إنجلترا وإسبانيا!!

لو كانت الرياضة علما.. فأين الولايات المتحدة الأمريكية؟ وأين الصين العظيمة؟ وأين روسيا؟ واين اليابان؟

استنتجت مسألة واحدة فقط..

علاقة الرياضة بالعلم.. وأتحدث هنا بالخصوص عن كرة القدم.. هي علاقة: بينهما "برزخ لا يبغيان"..

لم يعد أمامي من الاحتمالات والأجوبة إلا اعتبار الرياضة فن..

وهنا فقط يمكن أن يكون للترتيب أعلاه دلالة أقرب الواقع..

خامسا.. مناسبة الكلام

مناسبة هذا الكلام.. أحاديث بعض مما أصبحوا يروجون أطروحة موجهة..

أطروحة اختلط فيها الانفعال اللحظي بالتحليل الرصين..

فأصبحنا.. نسمع عن جامعة رياضية حققت أهدافا استراتيجية..

وأمسينا نسمع عن شخص أو أشخاص وضعوا مخططات تم تحقيقها..

وبتنا نسمع عن رأي عام فرض اختيار المدرب.. وفرض أسماء لاعبين معينين..

كل ذلك، أو جله، صحيح..

لكنه جزء من الحقيقة "الحقيقية"..

لم يسبق للرأي العام أن فرض أي شيء حتى في مجال حياته الحيوية من مستوى معيشي.. وغلاء أسعار.. ولا في توجهات السياسات العمومية..

ولم يسبق للتخطيط أن حقق نتيجة في مختلف المناخي الاقتصادية.. أو الاجتماعية.. أو.. أو..

وحده الارتجال يسود في السياسات العمومية.. ودون حسيب أو رقيب..

لكن الأخطر هو الحديث عن الأشخاص.. أينما حللنا وارتحلنا نقرأ أو نسمع عن أسماء مُعينة..

فلان "خَطَّطَ".. "حَقَّقَ".. "أَنْجَزَ"..

كادوا أن يقولوا: فلان "خَطَّطَ وحَقَّقَ وأَنْجَزَ"..

نعم.. هكذا دون استحضار أي سياق..

أتساءل الآن فقط.. ومن حقي ذلك..

هل سبق لشخص أن حجب عنا مراكز القوى الحقيقية في بلادنا..

أعتقد أنه لن يستطيع أي كان أن يقوم بذلك..

فالشعب المغربي يعرف يُهَنْدِسُ الاستراتيجيات.. ويعرف واضع الخطط..

ولا يثق إلا به.. صاحب الجلالة لوحده.. دون غيره..

فاتقوا الله.. فينا وفي أحلامنا.. ولا تُنغصوا علينا أفراحنا بأسمائكم ومنجزاتكم..

وحده الفريق الوطني ومدربه.. قاموا بما يلزم..

سادسا.. فما الذي حدث؟

غزوة.. والسلام..

كتيبة عمليات محترفة..

وقائد من نفس الطينة..

لم يُكلفوا أنفسهم عناء متابعة السياسة الرياضية ببلادنا.. وإلا كان أملهم قد خاب..

ولا يهمهم مع من.. أو ضد من..

ولم يدخلوا في تفاصيل تُحبط عزيمتهم..

عقدوا العزم على تحقيق هدف واحد..

وكان لهم ذلك..

ولم يكن من الممكن تحقيق ذلك لو دخلوا في متاهة أو متاهات..

متاهات السياسات العمومية ببلادنا..

أو متاهات الخلافات حول المخططات الحكومية..

أو متاهات الصراعات الحزبية والنقابية والجمعوية..

أو متاهات المشاهد الإعلامية..

جمعوا "نيتهم".. وضعوها في شعار المملكة.. الله.. الوطن.. الملك..

فحققوا المراد..

أكاد أشبه الواقعة بما كان يقع في تاريخ توارثناه بخصوص "الغزوات"..

علمونا أن "الغزوة" من فعل "غَزَا" يعني "سَارَ إِلَى مُحَارَبَتِهِ وَقِتَالِهِ فِي عُقْرِ دِيَارِهِ"..

فلا يغركم/ن ذلك..

لأن فعل "غَزَا الشَّيْءَ" هو أيضا "أَرَادَهُ وَطَلَبَهُ"..

كما أن تعبير "غزتِ البضائعُ الأسواقَ" تعني "تكاثَرَتْ وتدفَّقت"..

كما أن "غَزْوَ" الفضاء.. لا يعني سوى "اكتشافُ مجاهله"..

وذلك ما قام به فريقنا الوطني..

كتيبة محترفة.. فريقنا الوطني

مدرب صادق.. وليد الرݣراݣي..

موجه عبقري.. صاحب الجلالة..

ووطن يستحق التضحية.. المغرب..

ولا شيء غير ذلك..

 

بن يونس المرزوقي،أستاذ باحث بكلية الحقوق وجدة