الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

رشيد زكي: بلاغ المركز السينمائي المغربي مخز ومهين في تدبير أزمة الفيلم المسيء للشيخ الركيبي

رشيد زكي: بلاغ المركز السينمائي المغربي مخز ومهين في تدبير أزمة الفيلم المسيء للشيخ الركيبي رشيد زكي
جاء بلاغ المركز السينمائي جبانا كسابقه. 
تذكرون قضية "زنقة كونطاكت"؟ مع الاختلاف في حجم الخطأ المرتكب ما وقع لاسماعيل العراقي، هو ما يقع الآن لمجيدة بنكيران. فالقضية في واد، وردة فعل المركز السينمائي في واد آخر. نفس الجبن في تدبير الأزمة، نفس التملص من تحمل المسؤولية ونفس القدرة على إيجاد كبش الفداء واتهام الحلاق بسقوط المئذنة. 
لن نختلف إن قلنا أن شريط " زوايا الصحراء" قد عرف انزلاقا يمكن وصفه بالخطير ينم عن رعونة في التدقيق في المعلومات واستسهال، إن لم نقل استخفاف بثقافة وتاريخ ومخيال جزء مهم من ساكنة الصحراء.
أعتقد أن الرجة التي وقعت كانت طبيعية. فلا أحد منا كان سيقف مكتوف الأيدي حين يتعلق الأمر بجذوره خصوصا حين يراها تُجْتَثُّ بهاته البساطة بجملة مسمومة وملغومة شِيءَ لها أن تمر عابرة أو لم يتم الإنتباه إليها. والأمر سَيٌَان بالنسبة لي.
إذا كانت المسألة مقصودة وجب الدفاع عنها والمقارعة بالحجج، أما إذا مرت دون انتباه من أحد فذاك هو الجهل بعينه الذي بإمكانه أن يجرنا إلى تجاوزات أخرى. 
من المسؤول هنا؟ قلتها وكررتها وأقولها الآن وأكررها..
المركز السينمائي وحده، هو من يعين اللجان ويمنح الدعم ويوقع على تصاريح التصوير وبعده على تأشيرات العرض، وهو من ينظم أو يدعم المهرجانات. في نازلتي الفيلمين المركز السينمائي المغربي هو المنظم للمهرجان الوطني ولمهرجان الفيلم الوثائقي بالعيون، أليس كل ما ذكرت كفيلا بأن يجعل منه المسؤول عما وقع؟ لست هنا لأشخصن الأشياء بل لأسائل مؤسسة عتيدة وعريقة يجب أن تتحلى بالحرفية والشجاعة في التعاطي مع الأشياء، من الواجب عليها أن تكتب بلاغات تعترف فيها بأخطائها وتضع فيها الأصبع على المسؤولين ولم لا محاسبتهم إذا اقتضى الأمر ذلك. 
هاهو المركز الراعي للسينما يخرج علينا مجددا ببلاغ مهين ومخز. ما معنى أن يحتوي البلاغ على جملة مأخوذة من تقرير لجنة تحكيم دورته السادسة جاء فيه "في تقييمها لهذه الأعمال، لاحظت لجنة التحكيم أن مستوى جودة صناعة الأفلام يبقى محدودا بالرغم من الإمكانيات المادية الممنوحة لها في إطار الدعم العمومي". ألم يكن حريا بهاته اللجنة بدل إعطاء الدروس أن تمنح جوائزها أولا قبل أن تستقِلَّ الطائرة؟ لماذا تم الاختباء وراءها وتوظيفها بهذا الشكل الفج كرجل إطفاء؟
بهذا التصريح نصب المسؤولون عن المركز فخًّا لإنسانة من العيار الثقيل وهي فاطمة لوكيلي. فهي كانت الرئيسة السابقة للجنة الدعم واختارت جل الأعمال التي تنتقدها الآن. من العار والعيب أن يمسح مسؤولو هذا المركز أحذيتهم في شخصية بهاته الهامة...
ولنعرج الآن على ما هو أخطر، جاء في البلاغ السيء الذكر مايلي "وانطلاقا من هذا الوضع، يتضح أن منظومة الدعم العمومي للشريط الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني المحدثة سنة 2015، لم تعد تستجب للأهداف المتوخاة منها وبالتالي سينكب المركز السينمائي المغربي، في أقرب الآجال، على إعداد تصور شامل لإصلاح هذا الصنف من الدعم وآليات وضوابط اشتغال لجنة الدعم".
هل يقصد المركز السينمائي أن الفكرة كانت في الأساس مجرد نزوة أو إرضاء للخواطر وأن مهندسيها قاموا بتحقيقها على أرض الواقع دون استراتيجية واضحة في الزمان والمكان؟  هذا مايبدو لي على الأقل.
ثم ماذا يعني "التصور الجديد والشامل الذي سينكب عليه المركز السينمائي لإصلاح هذا الصنف من الدعم"، سوى ما جاء في تكملة نفس الجملة؟ "وضع آليات وضوابط.." وهو ما لا يعني شيئا آخر سوى جعل الأعمال المقبلة للأسف أقل حرية وموجهة بشكل كبير... في أفق إقبار هاته التجربة بشكل تدريجي.
الآن ابتعد عن المركز السينمائي لأتكلم عنا جميعا كجسم سينمائي. مريض للأسف. في كل مرة يخرج علينا بعض "العباقرة" من مهنيين ونقاد وصحافيين بخطاب تحقيري لهذا النوع من الأفلام. بين من يعتبرها نوعا من البروباغندا التافهة ومن يعتبرها أفلاما قاصرة ينتجها منتجون مبتدؤون ويوقعها مخرجون من الدرجة الثانية، الكل يعَبِّر عن جهل صارخ بالصحراء وبناس الصحراء وبثقافة الصحراء الضاربة في العراقة والتاريخ بل ويمارس نوعا من الوصاية والتعالي.
بأي حق تعتبرون المنتجين الذين يتقدمون لهذا الشباك مجرد باحثين عن "البزولة" والمخرجين مسترزقين ومرايقية؟ 
تعالوا نلقي نظرة على الدعم الذي يمنح منذ عقود لأفلام "الدرجة الأولى" أو البزولة الكبرى كما أسميها، الذي يتقدم له كبار المنتجين بكُبْريات الإنتاجات الموقعة من طرف مخرجي الدرجة الأولى. بعد كل هاته السنوات والأموال المصروفة من المال العمومي أما كان بإمكاننا أن نحرز أوسكارا أو على الأقل سعفة ذهبية أو دبا؟
تسحلون فقط أفلاما وثائقية تنجز بميزانية أقصاها 900.000 درهم وتطلبون منها أن تغير تاريخ السينما؟ وحده صندوق الدعم للفيلم الوثائقي الحساني تعتبرونه ريعا في الوقت الذي نهل كل واحد من هذا الريع ومص من نفس البزولة؟ حتى بعض الصحافيين والنقاد تتم دعوتهم لهاته الوجبة الريعية الدسمة "واكلين، شاربين، مفرجين ومفججين.. إلخ" على حساب المهرجانات. ستقولون لي هو حق مشروع في سبيل البحث عن المعلومة. سأقول لكم حلال عليكم حرام على أهل الصحراء". 
أنظروا أين أوصلنا هذا الضيق المريع في التفكير والتسرع في إصدار الأحكام وهذا الكم الهائل من الحقد والتحقير الذي أصبح معه كله من يملك حسابا على الفايسبوك شرطيا على المال العمومي وحارسا أمينا على الذوق العام. 
لكل من يطلقون الكلام على عواهنه أقول لكم أن أشياء كثيرة تغيرت من 2015 إلى الآن وهو ظرف وجيز وأن أبناء الصحراء العظام سوف يبرهنون لكم في المستقبل القريب (وقد بدأوا بالفعل) أنهم أكثر وعيا ومهنية منكم جميعا. لأنهم بكل بساطة أكثر تواضعا أمام السينما. وليس من رأى كمن سمع... 
هذا هو الدرس الذي تعلمته من تجربتي في الصحراء. وأقولها بكل فخر "أنا صحراوي".
مخرج سينمائي