السبت 4 مايو 2024
كتاب الرأي

أحمد الحطاب: أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ

أحمد الحطاب: أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ أحمد الحطاب
عنوانُ هذه المقالة عبارة عن جزءٍ من الآية رقم 99 من سورة يونس. وهذا نصُّها الكامل : "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ".
الهدف من هذه المقالة ليس تفسيرُ هذه الآية علما أن تفسيرَ القرآن الكريم له ناسُه وأخصَّاءُه. بل المقصود من المقالة هو : ما هو المغزى الذي يمكن استخلاصُه منها؟ 
في هذه الآية الكريمة، الله يخاطِب رسولَه محمد (ص) و كأنه يقول له : بلِّغْ الرسالةَ التي بُعِثتَ من أجلها وبُعِثَ من أجلها رُسُلٌ وأنبياءٌ من قبلك. أما الإيمان بهذه الرسالة أو نُكرانُها أو الكُفر بها، فهما من مشيئة الله مصداقا لقوله سبحانه وتعالى : "...إن اللهَ يفعل ما يشاء" (الحج، 18) أو مصداقا لقولِه سبحانه وتعالى: "...إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ" (الحج، 14). فما هو المغزى الذي يمكن استخلاصُه من ما سبق وخصوصا من الآية 99 من سورة يونس؟
المغزى المُستخلصُ هو أنه : ما دام سبحانه وتعالى هو الذي يفعل ما يشاء أو ما يريد، أو بعبارة أخرى، يهدي مَن يشاء ويُضلُّ مَن يشاء، فما على ألأنبياء والرُّسل آلا تبليغُ ما كلَّفهم اللهُ به من رسائل. فهم في هذه الحالة، مبشِّرون و منذرون مصداقا لقوله سبحانه وتعالى : "...فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19). يكون الرُّسلُ مبشرين حينما يبيِّنون للناس الخيرَ الذي سيجنونه من إيمانِهم بالرسالة السماوية. وهم منذرون (أو مُحدِّرون) حينما يُبيِّنون للناس الشَّرَّ الذي سيجنونه من كُفرهم بهذه الرسالة.
وما دام اللهُ هو الهادي والمُضِل، فلا حاجةَ للأنبياء والرسُل ولخاتِمهم محمد (ص) أن يلجأوا لإكراه الناس، بطريقة أو أخرى، على الدخول في الإيمان. والإكراهُ هنا هو اللجوءُ إلى القوة، المادية أو المعنوية، لإجبار الناس على الإيمان. في هذه الحالة، تبقى المهمة الأساسية للرُّسل والأنبياء هو تبليغ ما أراده اللهُ سبحانه وتعالى من إيمان وتقوى وخيرٍ لعباده مصداقا لقوله سبحانه وتعالى : "...وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ" (النور، 54). وهنا، لا بدَّ من توضيحٍ أعتبرُه، أنا شخصيا، من الأهمِّية بمكان.
وتوضيحا للتَّوضيح، أطرح هذا السؤال : "لماذا ميَّز اللهُ سبحانه وتعالى البشرَ بالعقل؟ أو لماذا فضّل اللهُ جلَّ عُلاه البشرَ عن سائر مخلوقاته بالعقل؟ والتَّمييزُ هنا أوالتَّفضيلُ ليس شيئا عَرَضيا أو صُدفويا. إن أراده اللهُ، فمن الضروري أن له هدفا معينا. الهدف الأساسي من مَنحِ البشرِ العقلَ هو التَّمييزُ بين الأشياء. التَّمييز بين ما هو حق وما هو باطل وبين ما هو خير وما هو شرٌّ وبين ما هو صالح وما هو طالح… ولهذا بعَثَ اللهُ رُسُلا وأنبياء ليبيِّنوا للناس فضلَ الإيمان وجزاء تركه. وهذا يعني أن اللهَ سبحانه وتعالى، بعد أن بيَّن للناس، عن طريق رُسُله وأنبيائه و عن طريق القرآن الكريم، ما هو حقٌّ وما هو باطِلٌ، ترك لهؤلاء الناس الاختيارَ بين الإيمان وعدم الإيمان. والعقل الذي ميَّز به اللهُ سبحانه وتعالى البشَرَ هو الذي يختار.
بل العقل البشري هو الذي يُحسِن العبادات ويرقى بالمعاملات إلى أرقى وأرفع وأنفع وأفيد الدرجات. فالإيمان لا يمكن فرضُه على أيٍّ كان بالقوة أو بأي وسيلة قهرٍ لأن البشرَ منحهم اللهُ سبحانه وتعالى العقلَ ليختاروا بين طريق مُظلمٍ وطريق مستنير. وهذا هو مغزى عنوان هذه المقالة. ثم إن الإيمانَ ينبع من القلوب وعن قناعة ورضى مَن يؤمن. والقناعة والرضى مكانُهما العقل. والعقل هو أيضا مكان ضميرِ الإنسان. والقناعة والرضى هما اللذان فتحا ويفتخان البابَ واسعا ليعتنقَ ناسٌ كُثُرٌ، من جميع أنحاء العالم، الدينَ الإسلامي.