الجمعة 26 إبريل 2024
اقتصاد

مشروع الاستثمار الأخضر للمكتب الشريف للفوسفاط تحت مجهر الخبير العربي الجعيدي

مشروع الاستثمار الأخضر للمكتب الشريف للفوسفاط تحت مجهر الخبير العربي الجعيدي العربي الجعيدي
بعد الإعلان عن برنامج الاستثمار الأخضر لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط (2023-2027)، الذي عرض مؤخرا أمام الملك محمد السادس، أجرى الخبير والاقتصادي البارز بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، العربي الجعيدي، حوارا مع وكالة المغرب العربي للأنباء، أكد فيه على أهمية هذا المشروع الهائل من حيث الوسائل والمتفرد على المستوى الإفريقي، والذي يجسد المكانة القيادية والالتزام الراسخ للمملكة في مجال التنمية المستدامة.
 

  1ـ تستعد مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط لإطلاق برنامج الاستثمار الأخضر الجديد، ما قراءتكم لهذه المبادرة؟ 
 يتعلق الأمر ببرنامج ضخم من حيث الاعتمادات المالية التي سيتم ضخها في الاقتصاد الوطني على امتداد أربع إلى خمس سنوات. البرنامج جاء تكملة للمخطط السابق وداعما للقرارات المتخذة من أجل تعزيز قطاع الأسمدة الخضراء وفتح آفاق جديدة بغية تطوير قطاعات الطاقات المتجددة المتصلة بتثمين الفوسفاط.
وبحسب قراءة أولى لهذا المشروع، فإنه يعد تجسيدا لقدرة دولة وقدرة مقاولاتها العمومية الرائدة على استغلال إمكاناتها من الموارد الطبيعية لتنويع اقتصادها وتقوية استقلاليتها الاستراتيجية. ويفسر فشل مسار التنمية الذي ترسمه العديد من دول الجنوب بصورة كبيرة بما نطلق عليه اسم "لعنة الموارد الطبيعية".
وهذا هو حال دول إفريقيا أو أمريكا اللاتينية الغنية بمعادن أو بموارد طاقية والتي تعاني من أوضاع اقتصادية متناقضة تتسم بوفرة الموارد الطبيعية وصعوبة تثمينها من خلال تطوير سلاسل القيمة التي من شأنها تكثيف عائداتها على مستوى الاقتصادات الوطنية.
 ومن ثم فإن القطاعات العامة المحتكرة التي تستغل هذه الموارد تسهم في إعادة إنشاء بنيات اقتصادية ريعية. إذ أن العائدات المالية التي تكسبها المقاولة العمومية توضع في حساب الدولة التي تصرفها بدورها في غالب الأحيان في استهلاكات غير منتجة، ناهيك عن ظواهر استيلاء النخب الفاسدة على الريع الاقتصادي.
 ويمثل برنامج الاستثمار للمكتب الشريف للفوسفاط تعبيرا عن برنامج مضاد للريع، حيث يبين أن القرار تؤطره رؤية بعيدة المدى، واستباق للتحولات البيئية الدولية، وإرادة سياسية، ومقاربة اقتصادية معقلنة. ويتجلى الهدف منه في الإسهام في تنوع الاقتصاد الوطني واندماجه من أجل ضمان نتائج مستدامة على مستوى رفاهية المواطنين.

  2ـ هل يمكننا حقا التطلع إلى نمو أخضر؟ وكيف ذلك؟ 
الحديث هنا ليس على مجرد تطلع، بل ضرورة حتمية. فقد أصبحت موارد البترول والغاز والكاربون، التي طالما تمنينا استبدالها بالموارد الطاقية الأقل تلويثا، في قلب التوترات الدولية. ويبقى التحول صعبا في الوقت الذي يكون هناك اعتماد على طاقة أحفورية موجودة بوفرة.
والملاحظ أن الطاقات المتجددة تستأثر بحصة متزايدة ضمن المزيج الطاقي في العالم. وعلى الرغم من الصعوبات التي برزت خلال المفاوضات الدولية الأخيرة حول المناخ، والمتمثلة في احترام الالتزامات المدرجة ضمن المساهمات المحددة وطنيا، فإن السعي وراء الحياد الكربوني يبقى هدفا يفرض نفسه على كل الشركاء.
 إنه رهان معقد يستدعي جعل كافة القطاعات الاقتصادية للسلع والخدمات خالية من الكربون. ولم يسبق أن كانت حالة الطوارئ البيئية أشد إلحاحا مما هي عليه الآن، فالتنمية المستدامة خيار لا غنى عنه. إن أراد المغرب أن يواصل ريادته في سوق الأسمدة العالمي، والمنتوجات الزراعية أو الصناعية، فعليه رفع التحديات القائمة لجعل هياكل اقتصاده خضراء.
جددت المملكة، خلال كوب 27 رغبتها في تعزيز مجهوداتها المبذولة سابقا، والمتعلقة بالتزاماتها الدولية في الاستدامة، ويكمن التحدي في تعبئة الإمكانات المالية والتقنية من أجل نموذج تنمية يجمع بين الاستدامة والابتكار.
ويتعلق الأمر بإعادة النظر في إمكانات برامج الطاقات المتجددة ودعمها من أجل تحقيق تراجع ملحوظ في السعر الإجمالي للطاقة، وجعله رافعة للتنافسية المقاولاتية وتوفير شروط اقتصاد منخفض الكربون يستقطب الاستثمارات الأجنبية الباحثة عن انتقال جغرافي ذي قيم مضافة قوية.
 وتشكل إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني انطلاقا من أسس الاقتصاد الأخضر عن طريق اعتماد استراتيجية خاصة، شاملة ومدمجة على حد سواء، أهم التوجيهات التي يدعو إليها النموذج التنموي الجديد، كما يتعين أن تمتد هذه الاستراتيجية، على مستوى إقليمي يرتبط بشكل وثيق بالاستراتيجيات القطاعية، مع إعطاء الأولوية للإمكانات المحلية.