الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

جلال كندالي: في انتظار فرح آخر !

جلال كندالي: في انتظار فرح آخر ! جلال كندالي
فعلتها الساحرة المستديرة، ولأنها ساحرة ومبهرة،وحدها هي القادرة على توحيد الشعوب والقبائل ليتعارفوا، وأيضا ليستمتعوا بجمالها في حب وسلام.
الساحرة نجحت فيما فشل فيه الآخرون، بما في ذلك الأمم المتحدة ومجلس الأمن، يكفي أن العلم الفلسطيني كان حاضرا يرفرف عاليا في كل انتصار مغربي ، فكانت الرسائل أوضح وأقوى وأبلغ من أي بيان أو موقف سياسي.
لم ينصف المنتظم الدولي أشقاءنا الفلسطينيين رغم المرافعات التي امتدت عقودا من الزمن ، زيادة على التعتيم الإعلامي الذي ضرب على القضية وأصحابها ،لكن المستديرة الساحرة ، قلبت هذه المعادلة ، حين سلطت الضوء وأزالت العتمة والغمة ، فتذكر المجتمع الدولي أن هناك شعبا مازال يقبع تحت الاحتلال ، في لحظات وجيزة بعدما وثقت عدسات الكاميرات الحدث والأسود ترفع العلم الفلسطيني عاليا جنبا إلى جنب مع العلم المغربي.
ونحن نتابع المباراة الأخيرة بين المغاربة والإسبان، كان هناك شعور مشترك ،لكن هذه المرة جد مختلف ، شعور بفخر الانتماء الوطني والعروبي والإفريقي ، بعدما تتبع الجميع الروح القتالية والبطولية لوليدات وليد الركراكي ، واللعب ندا للند دون الشعور بأي مركب نقص ، وصدق في ذلك المقاتل البطل سفيان لمرابط ،حين أجاب عن سؤال ذات مباراة « منخافو من حد اللي جا باسم الله « ، أحسنت أيها المرابط، ومتى كان الأسد « يعيف فريسته «.
لقد كانت وليمة دسمة تلك الأمسية للأسود، رغم أن الثيران الهائجة كثيرا ما تهاجم ب» قرونها» وسنواتها الممتدة في تاريخ اللعبة وفي تاربخ الانتصارات،ويكفي أن كرة القدم لديهم أنتجت طرق لعب وخطط مبهرة، مثل التيكي تاكا الإسبانية التي كان لها الفضل بفوز منتخب إسبانيا بكأس أمم أوروبا مرتين وكأس العالم مرة واحدة ، وكانت سبب قوة برشلونة في الجيل الذهبي الذي تكون من تشافي وأندريس بقيادة العقل المدبر بيب جوارديولا.
تشاو تشاو تشاو، كما تقول الأغنية الشهيرة التي لها حكاية أخرى، وكانت جنيريكا للمسلسل الإسباني الشهير،" casa de papel"، نعم بثلاثية نظيفة ودعناهم ، وهزمهم ياسين بونو ابن الشاوية بابتسامته العريضة قبلا، وهو يتصدى لضربتاهم ،فكانت ابتسامته عارضة حقا اعترضت كل الركلات.  
اليوم ونحن نستكمل المشوار ،يكفي أن نؤمن بقدراتنا أمام البرتغال أو « البرتقيز» كما يسميهم المغاربة رفقة بطلهم رولاندو كريستيانو، كما آمنا بذلك مع فرق أعتى وأقوى، فكان النصر حليف إرادة أسود الأطلس .
في انتظار فرح آخر ، يحرج الخصم الكروي ،و يخرج العرب من المحيط إلى الخليج ونعيد الكرة مرة أخرى، كما فعلنا بالأمس وقبله، علينا كما يقول المدرب الراقي وليد الركراكي، "نديرو النية " ونلعب بقتالية، أكيد كما تقول الأغنية المغربية الشعبية " غتكون حاجتنا مقضية " .
مابعد مونديال قطر، هناك تاريخ آخر، تاريخ كتبه أسود الأطلس، ورددته بفخر وتلقائية، الشعوب الإفريقية والعربية في المقاهي والشوارع وحتى في الأزقة الضيقة ، لكن الفرح كان واسعا وكبيرا مثل أحلامنا وقلوبنا.
ارفع رأسك عاليا ،إنك مغربي، إنك عربي ،إنك إفريقي، يكفي المغرب والمغاربة، أنهم أحييوا الأمل وكانوا فخر العرب ، ويكفي أن نمعن النظر في هذه الوجوه التي خرجت في كل الدول العربية، ندرك من غير إمعان في النظر ، أننا نعرفها وتعرفنا ، نحبها وتحبنا، حتى الأمهات الأخريات، فعلن ما فعلت أمهات حكيمي وزياش وغيرهم ، يتعانقن في المقاهي والشوارع مع أبنائهن وأبناء الجيران وكل من هم في عمر الأبناء ، وهي خصلة أعدناها من الزمن المنفلت من بين أيدينا . كنت أرى كل سيدة وهي تحمل العلم المغربي وتزعرد احتفاء بانتصارنا، أنها أمي و"حناتي"رحمهما الله ، وأشم فيها عن بعد رائحتيهما ، ياسبحان الله كم تطابقت الصور ،وتطابقت الرائحة أيضا ، أحقا كل ذلك تفعله بنا الساحرة المستديرة، ويفعله بنا هذا الإنجاز الكروي.
إنها المحبة التي تأتي طوعا وليس كرها، لأننا أهل لذاك، وكما نقول دائما " يا لطيف يالطيف ،لمحبة ماشي بالسيف" .
لأول مرة، يحدث هذا معي ،هل العيب في ومني ،أم هو تأثير سحر اللعبة، لا جواب لدي ، المهم أنني وجدت نفسي وأكيد كما أنتم ،أتتبع المبارايات ليس بعيني فقط بل بالقلب، لا أدري ما التفسير ، ربما لأن الكرة مثل أمنا الأرض، كروية الشكل ، كما أصبح القلب في هذا المونديال ومع هذاالحضور والانتصار، كروي هو الآخر، يتسارع نبضه حبا وفرحا بفعل تقاذف الكريات الحمراء والخضراء.