الجمعة 29 مارس 2024
خارج الحدود

الجزائر.. قمع واعتقال جماعي وسجن سكان حي بأكمله ومطاردة مصوري الاحتجاجات (مع فيديو)

الجزائر.. قمع واعتقال جماعي وسجن سكان حي بأكمله ومطاردة مصوري الاحتجاجات (مع فيديو) احتجاجات و فوضى في حي الخربة ولاية ميلة

في سابقة خطيرة، قامت سلطات النظام العسكري الجزائري، باعتقال وسجن  سكان حي "الخربة" بمدينة ميلة، شرقي الجزائر بعد الاحتجاجات التي عرفتها المنطقة، ومطاردة واعتقال مصوري الاحتجاجات وأصحاب المواقف المنتقدة للمسؤولين، من بينهم مُسيّر صفحة "ميلة إنفو ".

وتعود تفاصيل هذه الاحتجاجات إلى يوم الأربعاء 30 نونبر المنصرم، لما توجّهت السلطات المحلية لهدم متوسطة بن التونسي وابتدائية بن سلامة رابح لما تُشكّله من خطر على الساكنة بحسب السلطات المحلية، إلّا أنّ سكان الحي المنكوب جراء زلزال 2020 رفضوا رفضًا قاطعًا قرار الهدم قبل تعويضهم وتقديم الإعانات لهم.

وحدثت مواجهات عنيفة بين سكانٍ من الحي المنكوب وعناصر الأمن وثّقتها هواتف مواطنين وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، كما توجّه سكان "الخربة" إلى مقرّ البلدية من أجل التنديد ورفض ردم البنايات دون تلبية المطالب المرفوعة منذ زلزال 2020.

وسبق أن أعلن قرار وزاري مشترك بين وزارة الداخلية ووزارة المالية، يوم 16 غشت 2020، منطقة الخربة ببلدية ميلة منطقة منكوبة، وذلك جراء زلزالي السابع غشت 2022، الذي أدّى إلى انهيار مبنى من خمسة طوابق وتعرض نحو ثلاثين منزلا لتشققات دون تسجيل أي خسائر بشرية.

وعقب صدور قرار الهدم، خرج السكان في مسيرة سلمية رفضا له، وعقد اجتماع بين ممثلي السكان وحاكم الولاية مصطفى قريش، لم ترضِ نتائجه السكان بعد تمسك الحاكم بقرار هدم البنايات التي صنفتها هيئة الدفاع المدني "آيلة للسقوط"، وتشكل خطرا عليهم.

وأصرت السلطات لاحقا على تنفيذ قرار الهدم، وأرسلت قوة كبيرة من الشرطة والآليات للتنفيذ، فتصدى لها السكان، ونجم عن المواجهات مع الشرطة إصابات في صفوف الأخيرة، التي اعتقلت عددا من السكان قبل انسحابها من الحي.

ويعتبر هذا هو أول احتجاج شعبي في الجزائر منذ توقف تظاهرات الحراك الشعبي في مارس 2021، بعد أن فرضت السلطات منذ ذلك الوقت إغلاقا للشارع، وضبطا للفضاء العام، ومنعا كاملا لأي تجمع من نوعه، وشددت العقوبات ضد كل دعوات التجمع والتجمهر، بغض النظر عن طبيعة مطالبها السياسية والاجتماعية.

وتترصد السلطات الجزائرية في الفترة الأخيرة، حسب ما نقله موقع "العربي الجديد"، الناشطين والشباب الذين يستخدمون الهواتف لتصوير ممارسات أو مواقف غير سليمة، وبثها على مواقع التواصل الاجتماعي، تخوفاً من أن يمثل ذلك استعادة للاحتجاج ضد السلطة ولمناخات الحراك الشعبي، فيما يلقى تعامل السلطات هذا تنديداً سياسياً ومدنياً مستمراً، ويوصف بأنه تخويف وتضييق على الحريات.

وقبل يومين، اعتقلت مصالح الأمن الجزائرية ناشطاً يدير صفحة إخبارية على مواقع التواصل الاجتماعي، تعنى بأخبار ولاية ميلة شرقي الجزائر، بسبب تصويره وبثه لفيديوهات عن احتجاجات شعبية ومواجهات بين السكان وقوات الشرطة في أحد أحياء المدينة، بسبب عزم السلطات هدم بنايات فيه.

وحكمت المحكمة سريعاً على الشاب بالسجن لمدة عام، حسب نفس المصدر، ويكشف ذلك عن انزعاج لافت للسلطات من بث صور وفيديوهات عن هذا الاحتكاك الأول من نوعه بين الشارع الجزائري والشرطة منذ الحراك الشعبي، خصوصاً بعدما تم تداول هذه الفيديوهات على نطاق واسع، واستغلتها قنوات معارضة تبث من الخارج.

وقبل أسبوعين، عمدت السلطات إلى توقيف الشاب حسين سليمان، في مدينة وهران غربي الجزائر، بعد تصويره ونشره شريط فيديو لبائع على الرصيف، كان تعرض لمعاملة غير لائقة من قبل حاكم ولاية وهران، ردّ فيه البائع على ما قاله الحاكم من عبارات كانت محل استهجان بالغ من قبل الجزائريين. واعتبرت المحكمة أن بث الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، تشهير وإهانة لموظف عمومي وهيئة نظامية، وأصدرت بموجب هذه التهم حكماً بالسجن ضده بعامين حبس.

وفي 25 أكتوبر الماضي، يضيف موقع "العربي الجديد"، أوقفت السلطات الجزائرية مجموعة من الشباب كانوا قد صوروا فيديو تم نشره على مواقع التواصل الاجتماعي قبل وقت قصير، يظهر طريقة تعامل الشرطة مع المناصرين لدى دخولهم الملاعب، حيث وجه لهم القضاء تهم تصوير وعرض ونشر عبر إحدى منصات التواصل الاجتماعي، فيديوهات تمس بالمصلحة الوطنية، وإهانة هيئة نظامية والتشهير.

وكان الشباب قد قاموا بتصوير فيديو تمثيلي، لمشهد يعرض تعاملاً عنيفاً للشرطة مع المناصرين لدى دخولهم الملاعب، وتقمص بعضهم دور رجال الشرطة الذين يقومون بضرب المناصرين. ويظهر الفيديو المحاباة لصالح بعض الأفراد الذين يسمح لهم بدخول الملاعب دونما احترام للطابور.

وعاد الهدوء، الجمعة 2 دجنبر 2022، إلى مدينة ميلة، شرقي الجزائر، بعد ثلاثة أيام من التوتر والمشادات بين سكان حي الخربة الشعبي وقوات الشرطة، أسفرت عن إصابات في صفوف قوات الأمن، في أول احتجاج شعبي تشهده الجزائر منذ توقف تظاهرات الحراك الشعبي في مارس 2021.

ووجه محامون انتقادات حادة إلى القضاء بسبب سرعة إجراء المحاكمات في قضية الموقوفين في أحداث ولاية ميلة، واعتماد المحاكمة بموجب إجراءات المثول الفوري، التي يتم فيها عرض الموقوفين وتوجيه التهم إليهم ومحاكمتهم والنطق بالأحكام في حقهم في اليوم نفسه.

وقال عضو هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي في الجزائر المحامي سعيد زاهي، في قراءة نشرها على صفحته على "فيسبوك": "محاكمة المتابعين في قضية حي الخربة بولاية ميلة وغيرهم تطرح إشكالية المحاكمة بموجب إجراءات المثول الفوري، هل المحاكمة التي تجرى فيها متابعة مجموعة من المتقاضين بموجب إجراءات المثول الفوري مباشرة بعد تقديمهم أمام وكيل الجمهورية تمكنهم من حقوقهم في محاكمة عادلة، خاصة إذا علمنا أنهم حوكموا وأدينوا بعقوبة الحبس النافذ وصلت إلى ثلاثة سنوات مع الإيداع في الجلسة".

وتساءل زاهي عمّا إذا كان هذا الوقت "كافياً لدراسة القضاء للملف بصورة جيدة، ولتمكين هيئة الدفاع من تحضير المرافعات اللازمة؟".

وقال المحلل السياسي فيصل أزغدان لـ"العربي الجديد"، إن "سلوك السلطة يأتي تحت عنوان كبير، وهو ضبط الشارع وفرض هيبة الدولة، لكنه يجري تنفيذ ذلك بشكل متشدد، وهذا يؤكد أولاً رفضها الكشف عن الاختلالات المستمرة، والذي يأتي معاكساً للخطاب الرسمي الذي يتحدث عن تحقيق منجزات اجتماعية واقتصادية، ومن جهة ثانية يؤشر على أن الحراك الشعبي توقف في الشارع، لكنه مستمر في عقل السلطة، لأنها تعتبر أن مثل هذه الفيديوهات وغيرها من هوامش التعبير، هي جزء من التعبئات التي خلقت الحراك الشعبي"، في فبراير  2019 .

وأدان رئيس كتلة "حركة مجتمع السلم" المعارضة في البرلمان أحمد صادوق، خلال مناقشة قانون الموازنة الجديدة قبل أيام في البرلمان، حسب نفس المصدر، التضييق وترصد السلطات للشباب الذين يصورون فيديوهات تكشف الفساد أو ممارسات غير منضبطة للمسؤولين أو ممثلي الدولة.

واعتبر أن "توقيف الشاب الذي صوّر التصريحات غير المقبولة لحاكم ولاية وهران، وتصرفه مع الباعة في الشارع، هو تضييق غير مبرر"، قائلاً: "الشاب أخذته النخوة لاستنكار سلوك الوالي، بينما كان يتوجب تكريم هذا الشاب الذي لديه مروءة وشهامة لتضامنه مع جاره الذي أهانه الوالي"، وطالب صادوق الرئيس عبد المجيد تبون بالتدخل لوقف ما وصفه " بالاستعراض غير مبرر".

وإضافة إلى التنديد المستمر من قبل الهيئات الحقوقية والمدنية في الجزائر، إزاء ما تعتبره تضييقاً وترصداً للناشطين والمدونين، دعا الناشط الحقوقي والعضو السابق في هيئة الانتخابات حفناوي غول، الرئيس تبون إلى وقف هذا التضييق، ونشر نداءً موجهاً إلى الرئيس، جاء فيه: "بعد تشديد العقوبات على النشطاء، واللجوء إلى الاستدعاء المباشر والمثول الفوري، واستعماله المفرط من طرف القضاة، نرى اليوم أن هناك حملة اعتقالات تمسّ كل من يريد أن ينقل انشغالاً أو يصور تجاوزاً أو يبلغ عن الفساد، أو ينهي عن منكر أو يفضح التسيير الأعرج الذي يقوم به الكثير من المسؤولين".

وتساءل غول "كيف نستطيع أن نبلغك عن التجاوزات واستشراء الفساء وما يقع بالإدارات البيروقراطية، وما يجري بمناطق الذل والظل؟ فقد أصبح الجميع يخاف أن يقع تحت طائلة العقاب، والأمثلة كثيرة، بدءاً بالمواطن الذي نقل ما تلفظ به والي وهران وإهانته لبائع البيض، ومن صوّر احتجاجات ميلة وغيرهما الكثير".