الجمعة 19 إبريل 2024
سياسة

أعمو يفكّك قضية هجرة الأفارقة في المغرب من خلال خمسة أبعاد

أعمو يفكّك قضية هجرة الأفارقة في المغرب من خلال خمسة أبعاد النقيب عبد اللّطيف أعمو
قال عبد اللطيف أعمو، نقيب هيئة المحامين سابقا بأكادير وكلميم والعيون، والمستشار البرلماني السابق بالغرفة الثانية للبرلمان، إن "موضوع المهاجرين الأفارقة في المغرب شكل على الدوام إشكالا محرجا يقضّ مضجع الحكومات المتعاقبة لعقود طويلة. فما بين "غض الطرف" حيناً والصرامة الأمنية حيناً آخر، تحكم مقاربات بأبعاد خمسة، منها ما هو سياسي وما هو حقوقي ، وما هو اجتماعي وإنساني، وثقافي وتشريعي.
"أنفاس بريس"، تنشر رأي النّقيب والحقوقي عبد اللطيف أعمو حول مقاربة المغرب لقضية الهجرة:
 
البعد السّياسي:
أ‌- يندرج ضمن حسابات مرتبطة بمصالح معينة مع الجيران الأوروبيين في الضفة الشمالية، وبالخصوص مع الإسبان، إذ أريد للمغرب أن يقوم بما يشبه دور الدركي، بحكم أن تواجد المهاجرين الأفارقة في المغرب هو مجرد محطة لمحاولة التسلل نحو “النعيم” الأوربي. ومن هذا المنطلق، يتخذ التعاون المغربي ـ الإسباني خصوصا، والأوربي عموما ـ في جانب منه ـ شكل ضغط غير مباشر على المغرب في موضوع محاربة الهجرة غير الشرعية والمخدرات، حيث يُطلَب من بلادنا أن تقيم سدا منيعا لفائدة أوربا أمام هذا “الشر المتربص” بها.

ب‌- إن التعاطي مع البعد الإفريقي ومع الامتداد التاريخي والجغرافي والجيواستراتيجي للمغرب، يجعل المنظور الأوروبي وحده للأمر نسبيا. وعلينا الإقرار بأننا نحن المغاربة، أفارقة أيضاً. فلا يُعقل والحالة هذه، أن نتحدث عن المواطنين الأفارقة المقيمين بين ظهرانينا كما لو أنهم قادمون من كوكب آخر.

ت‌ - إن رعايتنا لمصالح مواطنينا المهاجرين بالخارج (4.5 مليون مهاجر مغربي) لا ينبغي أن تختلف عن حرصنا على حماية مصالح العابرين والمستقرين الجدد بترابنا. وبهذا المعنى فالمصداقية التي نريدها لنا إزاء المنتظم الدولي لا تحتمل الكيل بمكيالين.

ث‌- في ارتباط قضية الوحدة الترابية مع استحضار العمق الإفريقي للمغرب، يجب التعامل كذلك مع موضوع الهجرة غير الشرعية من منظور “براغماتي”، خاصة وأن خصوم وحدتنا الوطنية يستعملون الورقة ذاتها للضغط على بلادنا. ومن هنا، نعتقد أنه متى تعاملنا بالحكمة والتعقل والتروي وبُعد الرؤية مع موضوع شديد الحساسية كهجرة الأفارقة ببلادنا، فإننا نكون قد فوّتنا على خصوم وحدتنا الترابية فرصة التشويش على قضيتنا الوطنية العادلة في المنتظم الدولي.
 
البعد الحقوقي والإنساني:
يكفله دستور المملكة المغربية حين يشدد على الالتزام بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، وحين يمنع كل أشكال التمييز على أساس الجنس أو اللون أو المعتقد أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو أي وضع شخصي كان. ومن هذا المنطلق، يجب اعتبار وجود مواطنين من بلدان إفريقية جنوب الصحراء في المغرب، قضية كرامة إنسانية وقضية حق الإنسان في العيش والعمل والاستقرار، ولاسيما حين يفرّ المواطن مُكرَهاً من أوضاع الفقر والبطالة والمجاعة والحرب والقمع والاستبداد.

كما يجب اعتبار الممارسات السلبية المرتبطة بالعديد من المواطنين الأفارقة القادمين من جنوب الصحراء، (وهي ممارسات توجد أيضا بين صفوف الكثير من مواطنينا) والتي يثيرها الميالون إلى تغليب المقاربة الأمنية البحثة تسري عليها مقتضيات القانون الجنائي، وتستدعي تطبيق القانون عليها في حال ثبوت الجنحة أو الجريمة.

غير أنه ينبغي الإقرار بأن المغرب تحول من بلد عبور إلى بلد إقامة، لدى عدد لا يستهان به من الشباب الأفارقة، مع رغبة أكيدة في الاندماج، من خلال تعلّم اللغة العامّية، والتعايش مع السكان، والبحث عن مصدر العيش الكريم، ولو في حدود دنيا من خلال ممارسة مهن غير قارة في الأحياء الشعبية، بل وحتى في شوارع بعض المدن الكبرى.
ولا شك أننا سنجد أنفسنا في مستقبل السنين أمام جيل ثان من المهاجرين الأفارقة، يطالبون بحقوق المواطنة الكاملة في بلادنا، بعدما أصبحنا نرى مواليد جُدداً. فكيف لنا أن نتعامل مع هذا المعطى، الذي يطرح إشكالية التسجيل بدفاتر الحالة المدنية، وتمدرس الأطفال، والحق في الرعاية الصحية…
 
البعد الإجتماعي:
إن الرغبة الأكيدة في الاندماج لدى الشباب الأفارقة المتواجدين بالمغرب، هي في حد ذاتها إطراء flatteur، لكنه يقتضي ملائمة اجتماعية، ويستدعي اتخاذ تدابير إدماجية عملية، في مجال التشغيل والصحة والتمدرس والسكن، وتمكين المقيمين منهم بطريقة شرعية من فرص الشغل، وأسباب الاندماج الاقتصادي والاجتماعي، وشروط العيش الكريم.
 
البعد الثّقافي والإدماجي:
الحاجة ملحة اليوم إلى مقاربة ثقافية إدماجية لمواجهة ما قد يتولد عن المقاربة الإدماجية من شرخ بين الجاليات والمجتمعات الأصلية، لأن “الأجنبي” سيصبح مرئيا وظاهرا، وسيصبح كذلك "كثير المطالب" exigeant !.
والظاهر كذلك، أن تداعيات الأزمة الاقتصادية سيكون لها انعكاس على ملف الهجرة الحسّـاس. وأن إجراءات الإدماج قد تولد نوعا من الاحتقان وتُعمق الشّـرخ بين الجالية الإفريقية والمجتمعات الأصلية، لأن أسوار التمييز العنصري، المجازي والحقيقي، التي ترفعها أوروبا والدول الغربية في وجه شباب الجنوب قد تنعكس سلبا على  "حدود التسامح"، وتوسع من شرخ "العنصرية المستترة" racisme latent ! التي تستلهم شرارتها من الجهل ومن الفقر. فالمشكل هو في وعي الناس وليست قضية قانون وتشريع فحسب.

كما أن هذه السياسة التحفيزية قد يكون لها أثر "استقطابي" وتحفيزي لمزيد من موجات الهجرة القادمة من جنوب الصحراء.
فهل لدينا فعلا سياسة لإدماج المهاجرين لمواجهة كل هذه الرهانات المرتبطة بحركية الأشخاص؟ وما هو الإطار القانوني والمؤسساتي الوطني المنظم للجوء وللأجانب الموجودين في وضعية إدارية غير قانونية؟
نحن اليوم، في أمس الحاجة لفتح ورش وطني حقوقي وأخلاقي للإدماج يتمحور حول ثقافة "قبول الآخر" …acceptation de l’autre  يتقوى بمطلب بعض الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني المطالبة بوضع قانون يجرم العنصرية بكافة أشكالها وكيفما كانت الجهة الصادرة عنها تصرفات عنصرية سواء أجهزة الدولة أو المواطنين.
 
البعد التّشريعي:
لقد آن الأوان للتفكير في تنظيم مناظرة وطنية، يحضرها مسؤولون وخبراء من مختلف البلدان الإفريقية المعنية، وتكون بمثابة ورش عملي لدراسة هذا الموضوع والتفكير في إيجاد حلول له، تستحضر كافة الجوانب الحقوقية والسياسية والإنسانية والاجتماعية والثقافية … وغيرها.

كما أن على البرلمان بغرفتيه المبادرة إلى تنظيم ندوة برلمانية حول الجوانب التشريعية المرتبطة برهان حركية الأشخاص وتنظيم الهجرة واللجوء… والتفاعل بشكل إيجابي مع ما يقتضيه وضع سياسة لإدماج المهاجرين وذلك بتقوية الترسانة القانونية، وملائمتها مع المواثيق الدولية ومع مقتضيات الدستور الجديد ، وبالخصوص منها ما يرتبط بوضع إطار قانوني ومؤسساتي وطني منظم للجوء، يرتكز من جهة على المبادئ الواردة في تصدير الدستور المغربي لسنة 2011 وينظم من جهة أخرى وضع اللاجئ بالمغرب وشروط ممارسة حق اللجوء المعترف به في الفصل 30 من الدستور.