الأربعاء 24 إبريل 2024
اقتصاد

بدر الزاهر الأزرق: المغرب يطمح الى جعل الأقاليم الجنوبية قاطرة للتنمية الاقتصادية لكل بلدان الغرب الإفريقي

بدر الزاهر الأزرق: المغرب يطمح الى جعل الأقاليم الجنوبية قاطرة للتنمية الاقتصادية لكل بلدان الغرب الإفريقي بدر الزاهر الأزرق
في لقاء مع أسبوعية "الوطن الآن" و"أنفاس بريس"، قال بدر الزاهر الأزرق، باحث في الاقتصاد وقانون الأعمال، أن المغرب لا يطمح الى تحقيق تنمية محلية فقط على مستوى الأقاليم الجنوبية، بل يطمح إلى جعل الأقاليم الجنوبية قاطرة للتنمية الاقتصادية لكل دول الجوار وكل دول الغرب الإفريقي.

كيف تنظر الى دينامية الاعتراف بمغربية الصحراء وما مدى انعكاساتها الاقتصادية والتنموية في المنطقة؟
نجح المغرب خلال العقدين الأخيرين في تغيير الزاوية التي يرى منها عدد كبير من الدول الصحراء المغربية، فبعد أن كانت خلال ثلاثة عقود ساحة للمعارك والمواجهات بين المغرب من جهة وجبهة البوليساريو والجزائر من جهة ثانية، أصبحت منذ 2007 بعد طرح مشروع الحكم الذاتي والتغيرات الجذرية التي عرفتها الدبلوماسية المغربية والتي أعطت بعدا آخر لهذه الدبلوماسية عبر البوابة الاقتصادية، حيث أصبحت العديد من الدول تعترف بمغربية الصحراء وتسحب اعترافها بالجمهورية الوهمية، بل والأكثر من ذلك نحن اليوم بصدد جني ثمار كل هذه الدينامية عبر فتح العديد من القنصليات في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ النزاع في المنطقة أو في تاريخ الصحراء المغربية. اذا من خلال بوابة التعاون الاقتصادي وأيضا التعاون السياسي مع عدد كبير من الدول سواء في القارة الإفريقية أو خارجها أمكن للمغرب تحصيل مجموعة من الامتيازات ومجموعة من الاعترافات من طرف عدد كبير من الدول. اليوم المملكة المغربية تروج لمشروع الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية، باعتبار الحكم الذاتي هو مشروع ذو أبعاد سياسية ولكنه في الأساس هو مشروع اقتصادي وتنموي، والمملكة المغربية لم تنتظر كي يتم الحسم بشكل نهائي في قضية الصحراء المغربية في أروقة الأمم المتحدة، بل استبقت هذا الأمر عبر خلق مجموعة من المشاريع التنموية الكبيرة، فخلال السنوات القليلة الماضية تم رصد 77 مليار درهم لتنمية الأقاليم الجنوبية وخلق مشاريع كبيرة، منها الطرق والمطارات والموانئ والتي كان لها أثر كبير على البنية التحتية، وتقوية البنية التحتية. ونحن نعلم أن المغرب قد استرجع أراضيه الجنوبية من اسبانيا وهي أرض جرداء باستثناء بعض البنيات القليلة التي كانت تؤثث المشهد، وبالتالي كان عليه أن يبدأ من المربع الأول، واليوم تعد المناطق الجنوبية في المغرب هي أكبر المناطق التي تسجل فيها نسب النمو، ومن أكبر المناطق التي تسجل فيها نسب الرفاه، وهناك اليوم حواضر كبرى مثل حاضرة الداخلة وحاضرة العيون التي تضاهي كبريات المدن المغربية، وتضاهي أهم المدن في شمال إفريقيا. 
 
بعض المراقبين يرون أن المغرب نجح في المرحلة الأولى وهي مرحلة التأسيس لبنية تحتية قوية تؤهله لكسب رهان التنمية على مستوى الأقاليم الجنوبية، فماذا عن انعكاسات  ذلك على دول المنطقة؟ 
المغرب لا يطمح الى تحقيق تنمية محلية فقط على مستوى الأقاليم الجنوبية، بل يطمح الى جعل الأقاليم الجنوبية قاطرة للتنمية الاقتصادية ليس للمغرب وللأقاليم الجنوبية فقط، بل لكل دول الجوار وكل دول الغرب الإفريقي، وتوجهات المغرب واضحة في هذا السياق، فهو أولا يتوجه إلى الجنوب من أجل خلق شراكات اسراتيجية وشراكات اقتصادية خاصة مع دول مثل السنيغال وساحل العاج ونيجيريا، وموريتانيا. وطموح للمغرب في الانخراط في منظمة " سيداو " كان واضحا، فالمغرب يطمح الى الانضمام الى هذا السوق الذي يضم أكثر من 300 إلى 400 مليون نسمة، كما يطمح المغرب إلى خلق تواصل مع هذه الدول عبر ربط شبكة الطرق وشبكة السكك الحديدية، وهناك اليوم مشاريع كبرى في المغرب، خاص الطريق السريع الذي سيربط شمال المغرب بجنوبه، ومن الممكن أن يتوجه نحو موريتانيا ونحو السنيغال، هناك أيضا خلق خطوط بحرية عبر توسيع وخلق ميناء الداخلة الذي سيكون على صورة ميناء طنجة – المتوسط، ولكن هذه المرة هو موجه نحو الجنوب. كذلك على مستوى الربط بالخطوط الجوية، اذا كان هناك عمل كبير على هذا المستوى بالنسبة للمملكة المغربية، وهو اليوم في مرحلة ثانية أي مرحلة الربط الاقتصادي والتجاري مع هذه الدول عبر خلق مشاريع كبرى وفي مقدمتها مشروع الطاقة ومشروع الغاز الذي سيربط نيجيريا بالمغرب، كما سيربط نيجيريا بأكثر من 13 بلد إفريقي. كذلك هناك عدد كبير من الاتفاقيات، ونحن نتذكر الزيارات التي سبق للملك محمد السادس أن قام بها لبلدان المنطقة والعدد الكبير من الاتفاقيات التي وقعت والتي تزيد من توثيق العلاقات التجارية بين المغرب وبين هذه الدول وولوجه الى المنطقة الاقتصادية الجنوبية عبر بوابة الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، ويطمح الى جعل هذه الأقاليم قاطرة للاقتصاد في المنطقة، وهذه القاطرة لا تعني فقط المغرب والدول الإفريقية إنما تعني أيضا الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية والصين التي تراهن على الاستثمار في هذه المناطق وجعلها منصة للتوجه الى القارة الإفريقية، ونحن نعلم اليوم أن هناك توجهات معلنة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والصين للاستثمار في القارة الإفريقية. والمغرب بإمكانه تحقيق هذا المطمح عبر خلق منصات صناعية كبرى على شاكلة المنصة التي خلقت في طنجة المتوسط والتي كان لها أثر كبير في تنمية الأقاليم الشمالية وخلق صلات تجارية قوية مع أوروبا.
 
المغرب يسعى الى استثمار موقعه الاستراتيجي كبوابة لإفريقيا، وكسب الرهان السياسي في الأقاليم الجنوبية والذي سيكون له وقع كبير على تنمية المنطقة، فكيف يمكن كسب هذا الرهان في ظل وجود قوى أجنبية مناوئة لقضية الوحدة الترابية وعلى الخصوص فرنسا التي لازال موقفها يتسم بالضبابية بشأن مغربية الصحراء، ما رأيك ؟ 
لابد من التأكيد أن الرهان السياسي والدبلوماسي يكسب من البوابة الاقتصادية لأنه في آخر المطاف المصالح هي التي تنتصر، وكل دولة تبحث عن مصالحها الخاصة، كما أن كل دول العالم تعلم مدى شرعية مطالب المملكة المغربية، وهي تعلم أن الصحراء المغربية هي جزء لا يتجزأ من المغرب الكبير من الناحية التاريخية، ولكن هذه الدول كانت لها مصالح مع الجزائر، حيث كانت تستفيد من الريع البترولي والريع الغازي أو تستفيد من المساعدات أو تربطها علاقات تجارية مع الجزائر، وبالتالي كيفت مواقفها بشأن المغرب بالموازاة مع مصالحها الخاصة مع الجزائر. المملكة المغربية اليوم تتجه اليوم الى حماية مصالحها السياسية والدبلوماسية عبر البوابة الاقتصادية، ليس عبر بوابة الريع والبترودولار، ولكن عبر بوابة الشراكة الاقتصادية الحقيقية، وعلاقاتها ببلدان الجنوب وأيضا بلدان الشمال و القائمة على معادلة رابح / رابح. المملكة المغربية تتوجه بمشروعات كبرى كما قلت، فهناك مشروع لربط أكثر من 13 بلد بالغاز انطلاقا من نيجريا، وكذلك مجموعة من المشاريع المرتبطة بالأمن الغذائي، خاصة أن المكتب الشريف للفوسفاط يسعى إلى إقامة مجموعة من الوحدات في كل السنيغال ونيجريا وعدد من البلدان الإفريقية لإنتاج الأسمدة، ولا ننسى أيضا أن المغرب يلعب دورا كبيرا على مستوى تكوين النخب في هذه الدول. اذا العلاقة هي أكبر من علاقات مصلحية ضيقة، فهي علاقات شاملة تسعى الى تنمية كل المنطقة وخلق تكتل سياسي واقتصادي كبير في المنطقة يعوض شيئا ما فشل تكتل المغرب العربي الذي كان المغرب يطمح الى أن يكون قاطرة سياسية واقتصادية للمنطقة.
 
بدر الزاهر الأزرق/ باحث في الاقتصاد وقانون الأعمال