الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

الدكتور امحمد مالكي يحلل النهايات التراجيدية للوحدة المغاربية.. ويتحدث عن علال الفاسي وعبدالله إبراهيم وآخرين

الدكتور امحمد مالكي يحلل النهايات التراجيدية  للوحدة المغاربية.. ويتحدث عن علال الفاسي وعبدالله إبراهيم  وآخرين الدكتور امحمد مالكي
■ ضياع الفرص وتشتت السياسات: 
في حواره مع الاعلامي الزميل عبدالاله التهاني ، ضمن برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية من الرباط، تحدث الدكتور  امحمد مالكي، الباحث الأكاديمي في العلوم السياسية وقضايا الفكر المعاصر، عن المصير المحزن لمشروع الوحدة المغاربية، وهو الموضوع  الذي كان موضوع رسالته الجامعية في مطلع الثمانينات من القرن العشرين.

وأوضح في هذا السياق، بأنه ظل يميز بين أمرين إثنين، أي بين الوحدة كضرورة مجتمعية واقتصادية وهوياتية، بهدف تحقيق التكامل والاندماج والترابط، وبين مراعاة  خصوصيات كل دولة من الدول المغاربية، معتبرا أنه كان بالامكان أن نحقق الكثير،  دون المساس بخصوصية كل دولة، وأن هذا يحدث في العديد من النماذج العالمية، لكن للأسف سرعان ما انقلبت الأمور في صيف سنة 1994، في سياق الأحداث التي حصلت وحصل معها ما حصل، مبرزا بأننا دخلنا عمليا منذ تلك الاحداث ، زمن التراجع التدريجي ، إلى أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه.

وجدد امحمد مالكي التأكيد على أنه ميز دوما، بين الوحدة المغاربية كضرورة مجتمعية واقتصادية، وهوياتية وتاريخية، وبين بعض السياسات العابرة، مذكرا أنه  كان ينظر إلى أهمية هذه الوحدة المغاربية، انطلاقا من قناعته أن لا يوجد لنا كمغاربيين بديل عن أفق ، فيه اكتساب أرصدة للقوة وترسيخها،  وأن تكون لنا مكانة في العالم، مشددا على أننا كمغاربيين تجاوزنا مائة مليون نسمة، وأنه يمكننا أن نفعل الشيىء الكثير بهذه الكتلة الديمغرافية، وبالموارد الموجودة.
 
■النضج المغربي في التعاطي مع أوضاع السياسة الخارجية: 
وسجل امحمد مالكي بأنه من الجانب المغربي، حصل نضج كبير، فيما يتعلق بالتعاطي مع أوضاع السياسة الخارجية بشكل عام،  ومع البعد المغاربي أيضا، مستشهدا على ذلك النضج ، بأنه لا تمر مناسبة  إلا ويؤكد المغرب  على هذا الخيار الاستراتيجي، بل إنه في إحدى المناسبات السابقة، سبق للملك محمد السادس، أن طرح ضرورة إعادة إقامة اتحاد مغاربي جديد، أي بفلسفة جديدة ، وبمؤسسات جديدة، وبأفق جديد يتيح لكل الدول المغاربية، أن تبحث عن القاسم المشترك، دون المساس بأوضاعها وخصوصياتها. 

ولاحظ امحمد مالكي بأسف، أن هذا البعد ليس مبدأ مشتركا بين الجميع. وأضاف يقول بأنه من الناحية التاريخية، وإذا نظرنا إلى الزمن بالمنظور التاريخي، الذي لا يحسب بسنوات ولكن بعقود وبقرون،  فإن السياسات عابرة ومتغيرة،  ولكن الأمور الأصلية والعميقة والضرورية،  هي التي تبقى، مؤكدا  أنه لا يوجد لنا خيار ، إلا أن نعيش في فضاء مغاربي مشترك، وأنه لاجل ذلك  علينا أن نعرف كيف نميز ونفرز، بين الدعوات التي كانت تدعو حقيقة إلى هذا البعد الناضج،  وبين من كانت تعاكسه وتناكفه، مبديا قناعته بأن الوعي بهذا الامر، إنما هو  مسألة وقت، ليس إلا.

■ فشل الوحدة بين تأثير الدور الاستعماري وبين المسؤولية الذاتية:  
وجوابا على سؤال للزميل عبدالاله التهاني،  يتعلق بالادوار والاطماع  الاستعمارية،  التي تؤثر للحيلولة دون تحقق هذه الوحدة المغاربية، أوضح الدكتور مالكي بأن الفكرة الجوهرية لأطروحته، وكذا  خلاصة رسالته الجامعية في الموضوع،  قد فتحت عينيه على أن البحث في عوائق الوحدة ما بعد الاستقلال، لن يكون مجديا من الناحية العلمية، دون الرجوع إلى المرحلة الاستعمارية، مؤكدا  في هذا السياق بأن الاستعمار له دور  وله حضور، وله أبعاد ومنافع.

واستطرد موضحا بأنه لا يمكن لمنطقة، تعتبر ضمن مناطق النفوذ التقليدي لفرنسا مثلا، أن تراها وقد أصبحت كلها تشكل فضاء واحدا،  يتحدث بلغة واحدة، ويعبر عن مصالح واحدة،  لأن هذا النوع من الخطابات والتطلعات، هو في قلب مناكفة ومواجهة العديد من الامتيازات والمصالح الفرنسية، مضيفا أنه من الناحية الموضوعية،  حتى لا نعلق كل مشاكلنا وإخفاقاتنا على مشجب الاستعمار، لدينا نحن أيضا كمغاربيين، توع من المسؤولية ، ومن هذه العوامل ما هو موضوعي، إذ لا يمكن بناء الوحدات الكبرى كما هو الشأن بالنسبة للفضاء المغاربي، بدون بناء كيانات وطنية قوية.

وشدد امحمد مالكي في هذا الصدد، على أنه لكي نبني مع الآخر كيانا قويا، يجب أن يكون كياني أنا شخصيا قويا، وإلا فإننا لا يمكنني أن أبني مع الآخر كيانا قويا، وأنا ضعيف. 
وحدد عناصر قوة كل كيان، في الاقتصاد وفي التعليم، وفي العلاقة مع المجتمع.
وخلص الأستاذ مالكي إلى الاقرار، بأننا عندما نبني كياناتنا ونجعلها قوية، سنتمكن من أن نبني كيانا مغاربيا موحدا أو مشتركا قويا. 

وردا على سؤال يخص تقييمه لما بات يعرف بأدبيات  السوسيولوجيا الاستعمارية حول المغرب، أوضح امحمد مالكي أنه أفاد منها كثيرا، وأنها كتبت بمناهج علمية وبعمق علمي، ولكن توظيفاتها  كانت ذات أهداف استعمارية، وأن الطابع الإيديولوجي وتوظيف هذا الطابع  كانا يغلبان عليها ، مشددا على في تعامله مع تلك الكتابات،  اهتم  أساسا بالمضمون والمحتوى العلمي، وبالمناهج العلمية، باعتبارها مناهج حديثة وقتئذ ومهمة جدا، وقضى أصحابها زمنا طويلا في إنجازها. وفي ذات السياق، لاحظ الدكتور امحمد مالكي، أن  الكتابات الوطنية التي كتبت بعد ذلك حول تلك الموضوعات السوسيولوجية،  لم تتجاوز  السقف الذي وصلت إليه كتابات المرحلة الاستعمارية.
 
■ سؤال الهويات الفرعية والهوية الجامعة الموحدة:
وجوابا منه على سؤال للزميل عبدالاله التهاني، حول مسألة الهويات الفرعية، والتحديات المطروحة التي  تتهدد الهوية الأساسية أو الهوية الجامعة للامة، قال امحمد مالكي بأن ما يميز الهوية المغربية أنها متعددة الروافد ، والدستور  المغربي يتحدث عن الروافد المتنوعة للهوية المغربية، وهذا شيء جميل لأن فيه عنصر إثراء وإغناء للهوية. وأضاف بأن الهوية المغربية، فيها قدر من التجديد والتجدد والملاءمة مع التطور . وفي هذا الصدد نبه إلى الفرق بين دستور 62 ودستور 2011، أي بعد ما يقرب من ستين سنة،  حيث تمت دسترة مسألة الهوية،  وقعدت الأصول الدستورية لهذه الهوية، حيث  دسترنا التعددية، وهي قابلة للتجديد والتجدد، بمعنى أنها تكتسي طابعا من المرونة، وهذا أمر جيد جدا،  بخلاف هويات أخرى في دول أخرى، ليست فيها هذه الميزة، ولا هي متعددة، ولا هي قابلة للتجديد وللإجتهاد ، في جعلها مواكبة للتطور الذي يحصل في المجتمع.
 
■ الاكتشاف المتأخر لفكر علال الفاسي: 
وتحدث الدكتور مالكي خلال هذه الحلقة في قضايا فكرية أخرى، كما أثار بعضا من ذكرياته عن مساره الجامعي، ومن ذلك تأخره في قراءة  المرحوم  علال الفاسي، حيث ذكر بأنه دخل إلى الجامعة  بفاس عام 1974، وهو تاريخ له دلالته في المغرب وفي تاريخ القطاع الطلابي بشكل عام، إذ  كان هناك تيار فكري يغلب على كل التيارات، ولم تكن هناك مساحة كي تشارك التيارات الأخرى في هذا الفضاء الجامعي. وأشار إلى أن هذا السلوك انعكس على العديد من أبناء جيله، حيث كانوا لا يقرأون إلا فكرا واحدا، ويعتبرون الأفكار الأخرى رجعية أو محافظة،، وينبذون قراءتها، مضيفا أنه عندما بدأ فكره ينضج أكثر، ويتقدم في السن، وشرع يشتغل في  الجامعة، أدرك أن فكر علال الفاسي فكر مغربي من أروع ما يكون ، وشعر أنه حين يقرأ كتب علال الفاسي مثل "الحركات الاستقلالية"  و " حديث المغرب في المشرق" ، أو كتاب "النقد الذاتي"  وهو عمدة كتبه،  أو حين يقرأ له مقالات متفردة، يرى أن كل ذلك يشكل في قمة الاجتهاد والاعتدال،  وأكثر من ذلك نكتشف تسامح علال الفاسي، بدليل استشهاده بالفلسفة الماركسية حين  كتب يقول  ما مضمونه أن "الحركات الوطنية على الرغم من كل ما قامت به، كانت تعوزها النظرية"، بمعنى غياب التصور والرؤية.
واعتبر امحمد مالكي أن استشهاد علال الفاسي بالماركسية، وهو وقتئذ أحد أساطير السلفية في المغرب بالماركسية، يجسد قمة التسامح . 
 
■ ذكريات عن عبدالله إبراهيم وهشام جعيط ومحمد أركون وهشام شرابي:
وإلى ذلك  كله، أثار الاعلامي عبدالاله التهاني مع الدكتور مالكي  بعضا من ذكرياته مع  الأستاذ المرحوم عبد الله إبراهيم الذي أشرف له على أطروحته حول الحركات الوطنية والاستعمار في المغرب العربي.
وفي ذات السياق، أفصح امحمد مالكي أنه فكر في كتابة شبه سيرة ذاتية للمرحوم عبدالله إبراهيم ، من خلال حواراته معه في جلسات طويلة ببيته، تم تسجيلها، ثم تفريغها بأكملها في حوالي 175 صفحة، تحدث فيها المرحوم الاستاذ عبدالله إبراهيم عن  حياته، وتجربته، وفكره،  وكتبه.

كما أدلى الاستاذ محمد مالكي في ختام هذه الحلقة من برنامج "مدارات"، بانطباعاته عن شخصيات فكرية عربية وتحديدا عن المفكر التونسي هشام جعيط والمفكر الفلسطيني هشام شرابي، إضافة إلى المفكر الجزاءري محمد أركون، والذي توفي بباريس ودفن بأرض المغرب، تنفيذا لرغبته ووصيته .