الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

الصديق معنينو: قرارات مؤلمة

الصديق معنينو: قرارات مؤلمة الصديق معنينو
حضرت الأسبوع الماضي حفل تكريم الصديق الراحل عبد الله الستوكي نظمته أكاديمية المملكة وزمرة من أصدقاءه... لم يقتصر الحفل على كلمات تأبين، كنت أحد المساهمين فيها، بل انطلق اليوم التكريمي بندوة عالجت جملة من المشاكل التي يعاني منها قطاع الإعلام والمتسم بهجرة القراء إلى وسائل التواصل الاجتماعي وللتذكير فقط، أود الإشارة إلى أن مبيعات الصحف اليومية في بداية هذا القرن بلغت 350 ألف نسخة يوميا، وهو عدد كنا نعتبره ضعيفاً نسبة لعدد السكان، أما اليوم فإن مبيعات اليوميات الثمانية عشرة لا تتعدى 30 ألف نسخة، أي عشر ما كان يقتنيه المغاربة منذ عشرين سنة، إنه تراجع مخيف أثر بشكل قوي على التوازن المالي للناشرين من أحزاب وشركات ومؤسسات.
 
تدخل الدولة
ولمواجهة هذه الإشكالية تدخلت الدولة في مناسبات عديدة... فقد قرر الحسن الثاني في تسعينيات القرن الماضي تخصيص مليار سنتيم لدعم الصحافة، وعملت الدولة، في المدة الأخيرة، على تخصيص عدة ملايير لإنقاذ المنظومة الإعلامية من الانهيار... بل تحملت خلال أزمة «كوفيد» رواتب الصحافيين إضافة إلى دعم الناشرين مما جعل الدولة الممول الرئيسي إن لم يكن الوحيد. وتختلف المقتربات لتحليل أسباب انهيار مبيعات الصحافة الورقية، فمنها من يتهم وسائل التواصل الاجتماعي بالهيمنة عبر اكتساح المجال والسرعة في الإخبار، ومنهم من يرجع ذلك إلى الأزمة المالية وقلة المبيعات وبالتالي قرار الإشهار إضافة إلى ارتفاع تكاليف الورق والمداد... وأخيرا هناك من يرى أن اليوميات فقدت بريق الثمانينيات، حين كانت صاحبة رأي وكانت افتتاحياتها ومقالاتها تحظى بالصدى الواسع لدى السلطة وعند الرأي العام.
 
اختلاف في التحليل
ولمواجهة هذه الأزمة اختلف المحللون، وشبه المختصين، في طرح مجموعة اقتراحات للخروج من هذه الورطة... ومنها «الاعتماد على التعليق والتحليل للأحداث وفتح المجال بكل حرية أمام هموم الناس ومشاغلهم اليومية واهتماماتهم الأساسية» ويضيفون بأنه «لابد من فتح صفحة إليكترونية لكل يومية أو أسبوعية مخصصة للخبر مع الاهتمام بكل ما هو اجتماعي وثقافي وجهوي....
 
وترى مجموعة أخرى أن عهد اليوميات الورقية قد انتهى، ولابد من الاستعداد لذلك، وتركيز الجهد على مواقع للتواصل تتسم بالمهنية والجدية يلجها من يشترك فيها، أي أن تكون مدفوعة الثمن... ويقدم أصحاب هذا الرأي مثالان على ذلك... أولا بجريدة «لوموند» الفرنسية، التي اكتسبت ملايين القراء عبر نافذتها الإلكترونية، ثانياً موقع «ميديا بارط» الفرنسي الذي اتسم بالمهنية والجرأة ولا يلجه إلا المشتركون.
 
مراجعة عميقة
وأرى شخصيا أن مجال الإعلام في بلادنا في حاجة إلى مراجعة عميقة وقرارات قد تكون مؤلمة... فلا يعقل أن نظل البلاد الوحيدة التي تتولى فيها الأحزاب إصدار جرائد لا يقرأها أحد... هناك يوميات لا تبيع سوى عشرات النسخ، وأخرى وهي الأقوى ! «لا تبيع إلا بضع مئات»... فهل من المفيد الاستمرار في هذا العناد، والاعتقاد أن مصير الحرية والديمقراطية في بلادنا مرتبط بهذه
الإصدارات الكثيرة وغير المقروءة، تتحمل فيها الدولة مصاريف الإنتاج ورواتب الصحافيين.
 
نداء واقتراح
وأخيرا وأمام عدم مواجهة الواقع، والاسترح دم كرم الدولة، والاستمرار في إنتاج غير مؤثر بل والمطالبة بمزيد من الدعم... أمام هذه الوضعية لابد من تحرك جماعي لعقد ندوة وطنية، شبيهة بندوة التسعينيات، يتم فيها النقاش والإقناع وبلورة سياسة إعلامية جديدة، تأخذ بعين الاعتبار كل المعطيات الموضوعية المرتبطة بالتحولات العميقة في التواصل مع الرأي العام.