الخميس 18 إبريل 2024
فن وثقافة

الزرهوني يجيب عن سؤال: هل "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ هي نفسها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ (10)؟

الزرهوني يجيب عن سؤال: هل "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ هي نفسها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ (10)؟ الفنان حسن الزرهوني مع الزميل أحمد فردوس

بساحل "الكاب" بشاطئ البدوزة، ومن فضاء محرابه الفني الذي يعكس مدى عشقه للثقافة والفن والموروث التراثي المتعدد والمتنوع، استقبل الموسيقي والفنان التشكيلي حسن الزرهوني جريدة "أنفاس بريس" بابتسامته العريضة التي تحكي عن مسار رجل طيب وإنساني، مواظب على خلق الحركة والنشاط والحيوية داخل مرسمه الفني.

حسن الزرهوني الذي خبر ركوب البحر وأمواجه، وامتطى صهوة الريشة والألوان الزاهية، ليترجم أحاسيسه إلى أنغام بأوتار تروي سيرة الإنسان والمجال في علاقة مع أحداث ووقائع التاريخ المحلي والوطني، التي كتبت بطولاتها وملاحمها فرسان أرض الحصبة في زمن الظاهرة القايدية.

في هذا السياق نقدم للقراء سلسلة حلقاتنا مع ضيف الجريدة الذي سيجيب من خلالها عن أسئلة تروم تصحيح الخلط الذي وقعت فيه المنابر الإعلامية وامتد إلى الإنتاج الدرامي والمسلسلات والأفلام والمسرحيات التي كتبت نصوصها وتم إنتاجها وتسويقها ارتباطا بشخصية وعيطة "خَرْبُوشَة"؟

لقد تحدثت منابر الإعلام السمعي والبصري والمكتوب عن "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ والمغنّية بإطناب، وتناولت علاقتها بالقائد الكبير عيسى بن عمر العبدي التمري البحتري، وانتفاضة أولاد زيد ضد نفس القائد، حيث تم إسقاط قصيدة بأكملها على أن الشِّيخَةْ "خَرْبُوشَةْ" هي صاحبتها، وامتد هذا الخلط والإسقاط إلى بعض المسلسلات والأفلام والمسرحيات التي تناولت الموضوع، حتى أصبح المتلقي يؤمن بأن "خَرْبُوشَةْ" هي صاحبة هذا الكلام. وقبل تصحيح هذا الخلط والإسقاط لابد أن نطرح مجموعة من الأسئلة الجوهرية ذات الصلة:

هل فعلا "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ هي نفسها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ؟ وهل عيطة "خَرْبُوشَةْ" هي من إنتاج الشِّيخَةْ خَرْبُوشَةْ؟ وهل الأبيات الشعرية التي ألّفتها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ هي نفسها المذكورة في عيطة "خَرْبُوشَةْ"؟ وكيف تم تأليف عيطة خَرْبُوشَةْ؟ ومن هي حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ؟ ومن هي خَرْبُوشَةْ اَلشِّيخَةْ أو اَلْعِيَّاطَةْ أو اَلْمُغَنِّيَةْ؟

يقول مطلع قصيدة عيطة خربوشة: "خَرْبُوشَةْ واَلْحَمْرَةْ وزَرْوَالَةْ ولَكْرَيْدَةْ وُهُمَا رَبْعَةْ مَحْسُوبِينْ أَعَبْدَةْ جِيبُوا الزِّينْ يَا سِيدِي".

إن سبب هذه الأحداث كان محركها القبائل والعشائر التي خرجت عن الشرعية وانساقوا لأهوائهم ينهبون ويدمرون ممتلكات الغير، خصوصا ممثلي المخزن المركزي، لذلك ارتكبوا أعمالا وسلوكات غير مقبولة تستحق العقاب، ونلمس هذا من خلال شكاية عيسى بن عمر إلى الجنرال "لْيُوطِي" بعد وضعه في الإقامة الإجبارية بمدينة سلا وذلك سنة 1919 بسبب تصرفات القائد محمد الزرهوني حيث ورد في رسالته:

"حين توفي المولى الحسن، شق العصى ولد الحاج محمد بن ملوك على المخزن (أي الحاج محمد بن محمد بن ملوك الزرهوني). وقَوَّمَ الفتن نحو الْعَامَيْنِ، وتعلم سعادتك أن ذلك الوقت خْلَاتْ فِيهْ دْيُورْ عُمَّالْ المخزن كلهم، وخصوصا دار الحاج سعيد العمراني، وذبحوا فيها الفُسَّادْ من المخزن ستون رقبة، وُخْلَاتْ دار القايد هَرْمَةْ بَنْ الضَّوْ الْحَمْرِي، وهتكوا الفُسَّادْ في حريمهم، وباعوا أنجالهم، ونحن قاسينا الشْدَايْدْ في ذلك الوقت، وضيعنا أموالنا بَاشْ تسببنا في نجاة أولادنا وُبْقَاوْ مستورين".

لا يمكن اعتبار هذا السبب جوهريا، بل شكليا و مظهريا، لأن الفساد والنهب والتدمير لأولاد زيد ليس في حد ذاته إلا نتيجة، أما السبب الرئيسي فيتمثل في علاقة القائد وجهازه المخزني بسكان القبائل، لأن انتفاضة سكان قبائل عبدة مقرونة بوفاة السلطان المولى الحسن الأول، سنة 1894. فهذه الوفاة قد تكون رمزا لسقوط قداسة مترسخة في نفوس هؤلاء الفلاحين، ثم أن الجهاز المخزني يكون منشغلا بتبعات هذه الوفاة حتى تتوفر شروط الاستقرار السياسي. وهذه فرصة للإنتفاضة قصد الثأر من سلوكات وممارسات القائد وجهازه المخزني (أي المخزن المحلي).

هناك أسباب أخرى يمكن إجمالها في الضرائب التي كانت تؤديها هذه القبائل، ويمكن اعتبارها المحرك الأساسي لتمردها، حيث تكاثرت تلك الضرائب كمّا وكيفا حسب الظرفية السياسية والاقتصادية التي عاشها الجهاز المخزني من جهة، والضغوط الأوربية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لذلك ارتفعت ضرائب عبدة ما بين ستني 1894 و 1895.

وحسب الدكتور جيرمان عياش في كتاباته حول الأزمة المالية بالمغرب خلال القرن التاسع عشر، فقد ارتفعت الضرائب من 30 ألف مثقال إلى 50 ألف مثقال، (أي بزيادة قدرها 65 في المائة). وأصبحت تدفع نقدا عوض أن تدفع بضاعة.

هكذا أصبح الفلاح لا يدفع قدرا محددا من إنتاجه، بل صار يدفع النقود التي كان ملزما بدفعها بدون مراعاة الظروف المناخية المتقلبة، وأصبح قدر الضرائب يعيّن حسابيا، ثم يقسم وفقا لجدول قار، حيث أصبح القواد يأخذون 30 في المائة من ثمن الماشية أي أكثر من ثلاثين مرة وفق ما تأمر به التعاليم القرآنية، ولم يلبث هذا الأمر أن أحدث عواقب خطيرة، لأنه أتقل كاهل السكان.

"زِيدْ زْيَادَةْ إِلَا أَنْتَ بْغَيْتِي لَقْيَادَةْ"

من جهة أخرى فقد كان القائد عيسى بن عمر يحمل هدايا إلى خليفة السلطان بمراكش، وللسلطان في فاس، خلال مناسبات عيد الأضحى وعيد الفطر وعيد المولد النبوي، ومناسبات أخرى، حيث كانت هذه الهدايا مكلِّفة بالنسبة للقبائل.

في سياق متصل يحكى أن القائد عيسى بن عمر كان في أية مناسبة رسمية أو غير رسمية، يزور فيها مراكش، حيث كان ينتقل بعدد كبير من الهدايا على شكل أكياس من الذهب (اللّْوِيزْ) وبعض الهدايا النفيسة، تختلف أحجامها، من الأكياس الصغيرة إلى المتوسطة ثم الكبرى، محملة فوق ثلاثة بغال، وعند وصوله إلى باب القصر بمراكش يقوم بتوزيع الأكياس الصغرى على الَمْخَازْنِيَةْ والَمْشَاوْرِيَةْ والَحَرَسْ، ثم الأكياس المتوسطة يقوم بتوزيعها على المسؤولين الكبار من مستشارين وغيرهم، أما الأكياس الكبرى فهي التي كانت تقدم كهدايا لزوجات خليفة السلطان بمراكش. ونفس الطريقة تكرر عند توجهه إلى القصر الملكي بفاس. وفي هذا السياق نذكر ونستحضر المتن العيطي القائل: "زِيدْ زْيَادَةْ إِلَا بْغَيْتِي لَقْيَادَةْ".

إن القبائل التي كانت مطالبة هي الأخرى بإرسال الهدايا إلى القائد عيسى بن عمر، فقد كان الأمر مرهقا لها ويشكل ضغطا قويا يفوق طاقتها، لذلك فالقائد وجهازه المخزني يمتص سكان القبائل، وهذا ساعد على إفقارهم التدريجي حسب الكاتبة "فْرَنْسِيسْ مِيكْنِيبْ"، حين أوضحت أن "الفقر والشقاء أصبح يعم الناس، بسبب طغيان القواد الذين يشعرون بصغر سن السلطان ويمكنهم من فرصة ذهبية لتكديس الثروات".

لقد كان هذا هو سبب هروب عدد كبير من سكان القبائل، حيث بقيت هذه الأحداث راسخة في أذهان الكثير من ساكنة أولاد زيد ويسمونها بـ "أَعْاوَامْ الْهَرْبَةْ"، (بعد عام الرَّفْسَةْ أتت أَعْوَامْ الْهَرْبَةْ). فكلما عجزت قبيلة عن أداء القدر المطلوب من الضرائب يخرج سكانها باكرا من قراهم ودواويرهم ومساكنهم (النْوَايْلْ. جمع نْوَالَةْ) إلى أبعد مكان خوفا من ملاحقتهم من طرف أعوان القائد، ونستشف هذا الواقع المؤلم من "بَرْوَالْ" غنائي تم نظمه في نفس السياق التاريخي والذي يقول فيه الشاعر البدوي:

(رَفْدِي شْطَايْطَكْ لَا تْبَاتِيشْ هْنَا

تْخَرْشِيشْ فِ النْوَالَةْ والْفَارْ يْطُلْ

طُلْ أَخُويَا طُلْ

أَرْسَى وُ أَرْسَى حْتَى طِّيبْ الْـﯕُرْصَةْ

نَعْطِيكْ نُصْهَا والله لَا ذَقْتِيهْ

كُونْ مَا لَحْسَدْ

آشْ جَابْ حَدْ فِ حَدْ

كُونْ مَا لَحْسَدْ

فِ الزْمَانْ كَ يَتْبَدَّلْ).

ونستنبط من خلال هذا "الْبَرْوَالْ" الغنائي، المعاناة التي كان يعيشها أولاد زيد، وهاجس الخوف الذي كان يداهمهم في حياتهم اليومية، المتمثل في الخوف والرعب من جبروت القائد، وممارساته السلطوية القاسية مع (عصابته)، حيث جردهم من الأسلحة والخيول، ودمر بيوتهم، وخيمهم (النْوَايَلْ)، وصادر الممتلكات، وقام بسبي النساء والأطفال، إذ يعتبر هذا "الْبَرْوَالْ" الغنائي ذو حمولة تاريخية واجتماعية، تعبر عن "أَعْوَامْ الْهَرْبَةْ"، وزمن السيبة ومعاناة ساكنة أولاد زيد من جبروت القائد عيسى بن عمر وأعوانه.

لقد خاطب الشاعر/الناظم في بداية هذا "الْبَرْوَالْ" المرأة، حيث قال لها: (رَفْدِي شْطَايْطَكْ لَا تْبَاتِيشْ هْنَا)، على اعتبار أن المرأة هي المسؤولة عن جمع الشَّتَائِتْ المتعلقة باللباس وأواني الطبخ، المتواجدة بـ "النْوَالَةْ"، أما الرجل فسيتحمل مسؤولية الماشية وتأمينها ليلا لمغادرة الدوار تحت جنح الظلام قبل مداهمة (عصابة) القائد.

وبخصوص المتن التالي القائل: (تْخَرْشِيشْ فِ النْوَالَةْ وُالْفَارْ يْطُلْ)، فإنه يدل على هاجس الخوف والرعب، حيث يتم الإسراع بجمع حاجيات الأسرة بعشوائية، في حين أن الفأر فهو رمز للخوف، وهو تعبير مجازي له بعد اجتماعي، حيث أفرغت "النْوَايَلْ" من أصحابها واستقر فيها الخوف والرعب ليلا ونهارا.

أما على مستوى المتن الثالث الذي يقول: (أَرْسَى وُ أَرْسَى حْتَى طِّيبْ اَلْـﯕُرْصَةْ نَعْطِيكْ نُصْهَا والله لَا ذَقْتِيهْ) فله نفس المعنى، أي أنه رغم الجفاف الذي عرفته سنوات 1895 و 1896، والمجاعة التي تولدت عليه، فإن هاجس الخوف يطارد ساكنة أولاد زيد ولا يترك لهم فرصة لسد رمقهم. حيث ينهي الشاعر هذا "الْبَرْوَالْ"، بقوله: (كُونْ مَا لَحْسَدْ، آشْ جَابْ حَدْ فِ حَدْ. كُونْ مَا لَحْسَدْ فِ الزْمَانْ كَ يَتْبَدَّلْ). حيث يعكس مضمونه المعاناة والتعذيب والتشتيت والنهب والسلب الذي مورس على ساكنة أولاد زيد، وهي كلها عوامل بنيوية ساهمت في عدم استقرار وتشريد العائلات والعشائر، ومصادرة ممتلكاتهم وتوسيع إيالة القائد عيسى بن عمر.

رسالة القائد عيسى الموجهة إلى قائد الربيعة العسال بن الطاهر السحيمي

ونستشف هذا من خلال إحدى مراسلات القائد الموجهة إلى قائد الربيعة (بجمعة سحيم) المسمى العسال بن الطاهر السحيمي والتي جاء فيها ما يلي:

(محبنا الأبر، الأرضى.

من خادم مولانا الأجل

إلى حضرة القائد العسال بن الطاهر السحيمي.

وفقك الله، ورعاك، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته بوجود مولانا وبنصره.

وبعد. مجاملة للسيد الحاج لَحْسَنْ لَغْنِيمْ، فَسَرَقَ لَهُ اَلْبَعْضْ مِنْ أَوْلَادْ زِيدْ أَمَةً وَيَتَسَوَّقُونْ هُمَا سُوقْ الجَّمْعَةْ. وعليه فإن وجدوها فأحب أن تقبض عليها بارك الله فيك. وعلى المحبة والسلام. في جمادى الأولى عام 1313. وَكُلُّ مَنْ هُوَ زَيْدِي تَسَوَّقَ قَبْضُو. عيسى بن عمر التمري).