الأربعاء 24 إبريل 2024
فن وثقافة

الكزولي بمعرض الفرس الدولي: التبوريدة تراث لا مادي وهذه هي مقوماته وعناصره وإشراقاته (2)

الكزولي بمعرض الفرس الدولي: التبوريدة تراث لا مادي وهذه هي مقوماته وعناصره وإشراقاته (2) الزميل أحمد فردوس وشيخ الملحون محمد الكزولي

تشرفت يوم الخميس 21 أكتوبر 2022، بتسيير عرض ثقافي تراثي تحت عنوان "التبوريدة تراث لا مادي"، ألقاه الباحث في تراث فنون التبوريدة، شيخ الملحون محمد الكزولي، بقاعة الندوات بمعرض الفرس الدولي، حيث تتبع هذا الطبق الدسم بالمعلومات ذات القيمة التاريخية والفنية والتراثية، ثلة من الفرسان وعلامة السَّرْبَاتْ، بحضور نساء ورجال الإعلام وفعاليات المجتمع المدني ذات الأهداف التي تنتصر لسنابك الخيل والبارود.

ونظرا لقيمة وأهمية المعلومات التي وردت في المحاضرة تنشر جريدة "أنفاس بريس" الحلقة الثانية من موضوع المحاضرة.

 

لغة وثقافة ألوان الخيل (الِّليـﯕَـةْ)

 

على مستوى ثقافة ألوان الخيول، أو ما يطلق عليه في قاموس تراث التبوريدة بـ "الِّليـﯕََةْ"، فقد أوضح الأستاذ محمد الكزولي بأن عددا من مناطق المغرب تفضل بعض الألوان عن غيرها، سواء في مجال تربية الخيول أو امتطاء صهواتها؛ حيث أورد على سبيل المثال: بأن مناطق الأطلس تفضل الخيول ذات اللون الأبيض، أي "الْخَيْلْ الَـﯕُمْرِيَةْ"؛ في حين يحبذ فرسان المنطقة الشرقية ممارسة التبوريدة على صهوة الخيول الرمادية، أي "الْخَيْلْ الزَّرْﯕَةْ"؛ أو كما يسمونها أهل الشرق بـ "الَخَيْلْ الشَّهْبَةْ".

 

هذا الإختلاف الثقافي التراثي ـ حسب نفس المتدخل ـ يساهم في صناعة وخلق لوحات من الأداء الفلكلوري المتميز بالإضافة إلى استعمال ألوان أخرى وإن قل تواجدها إلا أنها تبقى حاضرة في مختلف جهات المملكة؛ كاللون "الصْنَابِي"، واللون "النَّمْرِي" واللون "الَحْبَارِي"، و اللون "لَشْخَمْ"، و اللون "الرَّوْشْ"، و اللون "السْلِيمَانِي".

 

وقد ورد ذكر هذه الألوان في التراث الشعبي المغربي، حيث استشهد محمد الكزولي بمتون من نظم وغناء عبيدات الرمى:

 

(لَدْهَمْ سُلَطَانْ الْخَيْلْ ـ كِي الظَّلْمَةْ فِي لِيلْ طْوِيلْ ـ گاعْ غَابُو جَمْلَةْ نَجْمَاتُو)

(الْبَرْگِي الْمِحْرُوگْ وْزِيرْـ فِي النَّوْضَةْ يْگَطَّعْ الدِّيرْـ مَا يْحَكْمُو فَارَسْ بِلْجَامُو)

 

أو كما جاء في متن العيطة السَّمْعْلِيَةْ:

 

(تْهَلَّاوْ فِي لْدْهُمْ ، لَا تْبِيعُوهُمْ ـ الْخَيْلْ لَبْرَاگَا ـ گَاعْ سَبَّاگَةْ)... (لَزْرَگْ الْمَشْقُوقْ ، مَا يَدْخُلْ لِلسُّوقْ ـ لَزْرَگْ بُو شَمَّامَةْ ، دْيَالْ الْعَلَّامَةْ).

 

أما في شعر الملحون فقد جاء ذكر هذه الألوان في العديد من القصائد التي يعود تاريخها لقرون خلت. وفي هذا السياق قال الشيخ المغراوي رحمه الله في قصيدة الربيعية الثانية، وهو شاعر من العصر السعدي:

 

(والادهم والگمري كالليل والنهار

والبرگي فايق الگدار

وصنابي كالغزال جفال

وذهبي فاتح الشگور)

 

أو كما قال الشيخ عبد القادر بوخريص رحمه الله؛ في قصيدة الربيعية:

 

آشْ رَا فَـزْمَانُو مَنْ لَا ازْهَى بْلخْيولْ / من ادْهمْ واحْبَارِي وشْگـر والزْرگْ صالْ

والَحْمَرْ وُاصْنَابِي نَحْكِيهْ بْرَگْ مَرْسُولْ / والسّْمَاوِي وَشْهَبْ تَمْثِيلْ رِيحْ عمّالْ

والَكْمَاثِي والنّمْرِي كُنْ مْثِيلْ زَهْلُولْ / والرّْوُشْ و الشُّخْمِي وامْبيّضْ الربع فالْ

والَبْلَقْ والرْمَادِي يجري افْكل علفاتْ / والْصفر بُوغَشْوَةْ جْمَعْ الَعْدَا انْكاها

والنّْحَاسِي والْحَجْلِي فايْتُو ابْميّاتْ / بِالسْرُوجْ اللّي مَطْرُوزَةْ لْمنْ مْطَاهَا.

 

وذكر الشاعر محمد الكزولي بأن هذه الخيول المغربية قد استطاعت الحفاظ على مكانتها ضمن هذا التراث العريق، بفضل تظافر مجهودات كل المتداخلين في القطاع من مربي الخيول وفرسان وجمعيات وجهات وصية؛ وكذلك بفضل حب المغاربة للخيل والتنافس في تربيتها والعناية بها، حتى في أقصى الظروف: كسنوات الجفاف، والأوبئة، والإستعمار.

ولعل من أجمل مظاهر العناية بهذه الخيول الأصيلة، من طرف الممارسين و المولوعين بها، هو تسميتها بأسماء ذات دلالة عميقة، تدل على قوة العلاقة بينهم وبين خيولهم. حيث نصادف اسماء ذاع صيتها على الصعيد الوطني والمغاربي؛ كالفحل "سلطان" والفحل "صدام" والفحل "فهد الأصيل "و الفحل "تاج الشاوية" والفحل "شامخ" والفحل "قيصر" وغيرها من باقي أسماء الفحول التي باتت عنوانا لجمال وروعة الخيول المغربية الأصيلة.

 

 

 

طرق وعادات وتقاليد

 

بعد تقديمه وتفصيله لعلاقة الخيل بالتراث اللامادي، انتقل الأستاذ المحاضر إلى ذكر العنصر البشري، الذي يعد أساس قيام وتوارث واستمرار تراث التبوريدة، حيث أشار إلى أن عروض التبوريدة تمارس بشكل جماعي، ضمن فرق تسمى "السَّرْبَاتْ" ومفردها "سُرْبَةْ"، وتتكون كل سربة من مجموعة من الفرسان، يترأسهم قائد يطلق عليه إسم: "الَمْقَدَّمَ" أو "الْعَلَّامْ" أو "النَّدَّاهْ".

 

وشدد في حديثه عن رئيس كتيبة الفرسان (علام السربة) على أن هذا الأخير في الغالب يتم إختياره من طرف كبار القبيلة وفرسانها ليقود الفريق، لكن هذا الإختيار لا يأتي من فراغ، يقول المحاضر موضحا ذلك بقوله: "بل لا بد أن يسلك ويخضع لطقوس وعادات تراثية، يتدرج فيها من فارس مبتدئ، إلى فارس متمرس، ثم يصل إلى درجة (مَقَدَّمْ) بعد أن تتحقق وتجتمع فيه مجموعة من الشروط، من أبرزها، التعلم على يد أحد الشيوخ المتضلعين في هذا التراث، فينهل منه كلَّ أبجديات التبوريدة، من تربية وأخلاق، وشروط السلامة، وطرق وكيفيات الركوب، وكيفيات التعامل مع الفرس، وكذا سياسة تسيير السربة والتعامل مع الفرسان، سواء قبل الركوب، أو أثناء تقديم العروض في ملعب التبوريدة الذي يسمى بـ "المحرك"، وتسمى هذه المراحل والتدرج في التعلم والتكوين بـ "مَشْيَخَةْ التّْبَوْرِيدَةْ".

 

ومن بين مقولات شيوخ التبوريدة التي تبين مدى أهمية هذا النوع من المشيخة:

(سَعْدَاتْ مَنْ عَنْدُو شِيخْ / والشْيَاخَةْ بِمْيَاةْ كِيسْ وُكِيسْ

وَالِّلي مَا عَنْدُو شِيخْ / شِيخُو هُوَ إِبْلِيسْ)

 

أو كما جاء في ديوان شيخ الملحون عبد العزيز المغراوي؛ عن المشيخة عامة؛ وعن ضرورة النهل والتعلم على يد الشيخ المتمرس:

(شِيخْ بْلَا شِيخْ / مَا فِيهْ فَايْدَةْ قَالُو نَاسْ زْمَانْ لُو عْمَرْ جَبْحُو خَاوِي)

 

يتبع