الأربعاء 24 إبريل 2024
مجتمع

شوارع الدارالبيضاء تتحول إلى مرحاض كبير

شوارع الدارالبيضاء تتحول إلى مرحاض كبير

في الوقت الذي أصبحت فيه مدينة الدار البيضاء شبه "سناك" كبير لما تحتويه من آلاف المطاعم ومحلات "البوكاديوس" ودكاكين بيع "الراس المبخر" و"التقلية" و"السكفكف" و"الحوت كواري"، يلاحظ وبشكل يثير الاستغراب والحسرة إغفال الجهات التي تمنح تراخيص فتح تلك المحلات، إنشاء مراحيض عمومية قادرة على استيعاب ما تفرغه بطون ومتانات أولئك الزبناء المفترضين. وحتى إن كانت مبادرات في هذا الاتجاه، فإنها لا تعدو أكثر من محاولات ترقيعية، ولا ترقى إلى الخصاص المهول التي تعانيه ساكنة المدينة وزوارها.

 

إعداد: المهدي غزال

 

لو أنهم امتلكوا شجاعة الكشف عن عوراتهم في الشارع العام، إلا أن الكثير منهم لم تكن لهم نفس الجرأة للإدلاء بتصريحات تخص ما ضبطوا متلبسين باقترافه. ومع ذلك كانت هناك بعض الاستثناءات التي لم يجد أصحابها حرجا في اعتبار تصرفاتهم أقل ما يمكن أن يعبروا به عن احتجاجهم ضد انعدام المراحيض العمومية بالبيضاء، وأنسب ردة فعل عن الإهمال الذي يطالهم من قبل المسؤولين في هذا المجال. لذلك، يقول عبد الكريم (29 سنة) "نحن من يجب أن نعلن استياءنا وتذمرنا من هذا الواقع، وليس أولئك الذين يتهموننا بالإساءة إلى المنظر العام والبيئة وإلى غير ذلك من الخطابات التوجيهية التي توحي وكأننا نجهل هذه الأمور، ويريدون تعليمنا إياها. فالذين يحتاجون إلى دروس التوعية هم المسؤولون عن تدبير الشأن المحلي، لأنهم برهنوا عن فشلهم في تلبية أبسط حقوق المواطن وهم يتبجحون بخدمته في وسائل الإعلام وأمام الميكروفونات". ومن جهته لا يرى سمير (40 سنة) في الموضوع أي مجال لإدانة المواطن، وإنما تحصيل حاصل لتراكمات تدبيرية سيئة، اهتمت بما هو ثانوي على حساب الأولويات، متسائلا "من يرضى لنفسه أن يعري نفسه أمام الملأ لقضاء حاجته إن لم يكن مضطرا لذلك بعد أن استنفذ كل محاولات إيجاد مرحاض عمومي على مقربة منه؟ وإذا كان هذا حال المواطن المعافى، فماذا عن المرضى خاصة المصابين بداء السكري والقصور الكلوي الذين نعرف حاجتهم المتزايدة للتبول في ظرف وجيز؟". مضيفا بأن ما يزيد الوضع إرهاقا هو اتجاه أرباب المقاهي إلى الإجماع حول منع غير زبنائهم من استعمال مراحيض تلك الفضاءات. ولهم العذر في ذلك، يعتقد المتحدث، لكونهم ليسوا ملزمين بأداء مهام المجالس الحضرية، وتحمل تبعات الأضرار المترتبة عن الأوساخ والاستخدام السيئ لدورة المياه ككل من لدن الوافدين الغرباء.

 

للنساء معاناة من نوع خاص

كما أوضح سمير معاناة مرضى السكري والبروستات والقصور الكلوي بدرجة أكبر من هذا النقص الكبير في أعداد المراحيض العمومية، صنفت مليكة (31 سنة)، العنصر النسوي كأول المتضررين من هذا الوضع، مبرزة أنه ومهما كانت شكوى الرجال مليئة بالمبررات وأسباب الإقناع، غير أن لا شيء يوازي المواقف المخجلة التي تتعرض لها النساء حين يجدن أنفسهن وهن حائرات بين البحث غير المجدي عن مرحاض عمومي وتفادي الانهيار أمام إكراه تلك الحاجات البيولوجية. الأمر الذي يتيح الفرصة لانتظار كل التوقعات مع أننا نعلم جميعا طبيعة المرأة المغربية المحافظة، وحرصها الدائم على حفظ كرامتها وسمعتها، لكن حينما تفقد ذلك الحق تكون عرضة للنيل من تلك الكرامة والسمعة. وتزيد مليكة بأنه مهما يكن ضرر الرجل، فإن هذا الأخير يجد المخرج أخيرا في أراضي وحيطان الخلاء، على عكس النساء اللاتي لا ينظرن إلى هذا الخيار كخلاص مناسب في ظل مجتمع يتربص أغلب ذكوره من أجل اختلاق فرص التلصص على جسد الأنثى، فبالإحرى إن خولت لهم هذه الأخيرة الفرجة من تلقاء ذاتها.

 

مراحيض للمبيت بـ 10 دراهم لليلة الواحدة

من خلال زيارة "الوطن الآن" لمجموعة من المراحيض العمومية، سواء تلك التي ما زالت تقاوم من أجل البقاء، أو من تخلت عن دورها لسبب أو لآخر، إن بملتقى "أوروبا" في شارع الزرقطوني أو في شارع محمد الخامس أمام السوق المركزي أو بزاوية شارع رحال المسكيني أو مدار مرس السلطان أو بساحة وادي المخازن، تبين أن جميع هذه المراحيض بنيت خلال النصف الأول من القرن الماضي إبان العهد الاستعماري. وحسب مصدر من الجماعة الحضرية لسيدي بليوط، فإن مسألة تسيير هذه المراحيض من قبل الخواص تعتريه عدة مشاكل، من بينها تدهور الحالة التي توجد عليها، حيث تعاني من مشكلة اختناق مجاري المياه، الأبواب المكسرة، وأيضا افتقارها لمياه النظافة والكهرباء. مضيفا أن أغلب مسيري هذه المراحيض يستغلونها أحيانا في أغراض غير التي أنشئت لها، كالمبيت بها، أو كراء بهوها بالليل لفائدة الأشخاص دون مأوى بمقابل لا يتعدى 10 دراهم لليلة الواحدة؟

 

علي الشعباني، باحث في علم الاجتماع

تفريغ قيم النظافة من محتواها أهم أسباب التبول بالشوارع

لا توجد هناك معطيات ميدانية ولا إحصائيات حتى يمكن تحديد الفئات الاجتماعية التي تتبول في الأماكن العامة. إنما الأكيد هو أن السبب يعود بدرجة عالية إلى انعدام أو غياب الوعي بخطورة مثل هذا السلوك، وكذا تفريغ قيم النظافة من محتواها وتحويلها إلى مجرد شعارات، إذ لم ترق بعد إلى إجراءات عملية وسلوك يومي وتلقائي لدى المواطنين. ناهيك عن عامل تراجع قيم المواطنة والاعتراف بالآخر. ذلك أن الذي يتبول ويتغوط في الفضاء العام لا يعترف ضمنيا بالآخر. وعلى مستوى تشخيص المسؤوليات، أرى بأن الجميع له يد فيها، بدءا بالدولة والمجالس المنتخبة التي لا تفكر في هذا الموضوع ولا تخصص في تصاميمها المعمارية ولا في تصاميم تهيئة المدن أماكن عامة للنظافة وإنشاء المراحيض العمومية، مرورا بالمنعشين العقاريين، وأخيرا المواطن العادي.