الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

أحمد البوز: يسلط الضوء على الفوائد الأربع لكتاب «البرلمان وحقوق الإنسان»

أحمد البوز: يسلط الضوء على الفوائد الأربع لكتاب «البرلمان وحقوق الإنسان» أحمد البوز، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية - السويسي بالرباط
صدر مؤخرا كتاب: «البرلمان وحقوق الإنسان: مرجعيات وممارسات» للباحث عبد الرزاق الحنوشي، وقد حظي المؤلف باهتمام لافت عكسته اللقاءات المتعددة التي نظمت في عدة مدن (نحو 20 لقاء في ظرف أربعة أشهر)، وكذا القراءات النقدية والتحليلية التي أنجزتها العديد من الفعاليات الأكاديمية والحقوقية. وسبق لنا في «الوطن الآن» و«أنفاس بريس» أن نشرنا بعضها. ومواكبة للدخول الثقافي الجديد، نواصل نشر مساهمات جديدة. في هذا العدد ننشر مساهمة للأستاذ أحمد بوز، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية - السويسي بالرباط
 
 
سعيد أن أشارك في تقديم هذا الكتاب المهم للصديق عبد الرزاق الحنوشي، باعتباره كاتبا محترفا، انطلاقا من تجربته البرلمانية والجمعوية وكذلك التجربة الصحفية التي لا تذكر كثيرا، وطبعا الكتابة الصحفية في قلب الاهتمام بحقوق الإنسان. اعتبر بأن قارئ هذا الكتاب سيخرج بأربعة أو خمسة فوائد أساسية سأحاول أن أذكر بها بدون الدخول في تفاصيل كثيرة.
 
الفائدة الأولى: تتمثل في البحث في هذا الموضوع في حد ذاته، ليس مسألة سهلة، قضية البرلمان وحقوق الانسان، سيما عندما تخوض فيه، إذ يمكن القول بأنه لأول مرة يبحث بهذه الطريقة في شكل كتاب مطول نسبيا. فالدراسات والأبحاث التي حاولت أن تنبش في هذا الموضوع تناولته في حدود مقالات منشورة في مجلات علمية أو مداخلات في ندوات علمية، لذلك أعتبر هذا الكتاب هو أول عمل مستفيض، نسبيا، في تناول موضوع حقوق الإنسان والبرلمان، وذلك لأن هناك علاقة وطيدة باعتبار البرلمان هو الحارس الأمين لحقوق الإنسان، او هكذا ينبغي ان يكون ،ولو أنني اعتبر ان القضاء هو خط الدفاع الأول في حماية حقوق الانسان.
 
البرلمان وحماية حقوق الانسان
 
لكن مع ذلك البرلمان له دور مهم جدا في حماية حقوق الإنسان لأنه يلتقي مع حقوق الانسان في ثلاثة أو أربعة أمور:  تتجلى في صناعة القوانين بما فيها تلك المتعلقة بحقوق الإنسان، صناعة القوانين المؤطرة لحقوق للمنظمات والمؤسسات المعنية بحماية حقوق الإنسان، ثم صناعة القوانين المعنية بالجمعيات والهيئات ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة في مجال حقوق الإنسان، ثم قضية الرقابة لأن البرلمان يلعب دورا كبيرا في مجال الرقابة على  مدى إعمال حقوق الإنسان لاسيما في تتبع عمل السلطة التنفيذية لأنها متهمة بانتهاكات حقوق الإنسان إلا أن يثبت العكس.
فالبرلمان له هذه الوظيفة للمراقبة وله أيضا وظيفة التقييم، ولو أنها حديثة وتختلط في كثير من الأحيان مع المراقبة، لكنها وظيفة في صلب الحماية والنهوض بحقوق الإنسان، وهذا هو الفرق بين القضاء والبرلمان. ويمكن للبرلمان أن يكون له دور سلبي أيضا في موضوع حماية حقوق الإنسان وفي المس بحماية حقوق الإنسان خاصة إذا كانت الأغلبية لديها تصور إنتقائي وضيق لحقوق الإنسان أو لا تؤمن بكونية حقوق الإنسان أو لا تؤمن بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، لذلك البرلمان له دور مهم لكن في بعض الأحيان يمكن للبرلمان أن يزيغ عن هذا الدور النبيل.
مثلا التجربة البرلمانية المغربية على ضوء النصوص التشريعية التي يحيل عليها الدستور فالبرلمان قام بإخراج عدد من النصوص المهمة لا من حيث القوانين التنظيمية ولا النصوص التشريعية، ولكن مع ذلك في بعض الاجتهادات البرلمانية، لم يكن متلاءم مع روح الدستور ومع الضمانات الهامة التي كرسها.
ويمكن أن أقدم بعض الأمثلة "القانون التنظيمي للأحزاب السياسية، والقانون التنظيمي للعرائض" ولو أن التعديلات الأخيرة حسنت منه بشكل كبير والأهم من هذا والنقطة الأكثر إثارة هو قانون الحق في الحصول على المعلومات الذي يمكن القول أن عمل البرلمان لم يكن عمل جدي بالشكل الذي يدفع بقضية الحق في الحصول على المعلومة الى أبعد مدى، مع ذلك لا يمكن أن نستسهل دور البرلمان وأهميته خاصة في بعض البلدان التي بها دساتير تمنع إمكانية التفويت التشريعي في مجال حقوق الانسان، مثلا في الحالة المغربية فالبرلمان يمكن له التفويض للحكومة للتشريع في مجال اختصاصاته، وفي بلدان يستثني من ذلك حقوق الانسان ويحصنها من إمكانية التفويض لكي يتم التشريع فيها بمراسيم قوانين وهذه أعتبرها مسألة مهمة.
 
الكتاب مادة توثيقية مهمة
 
الفائدة الثانية: يقدم لنا  عبد الرزاق الحنوشي في كتابه مادة توثيقية مهمة جدا وقدم لنا أيضا فهرس (catalogue) حقيقي للمصادر والمراجع والينابيع المعيارية لحقوق الانسان سواء في بعدها الدولي أو في بعدها الإقليمي وحتى في بعدها الوطني. ويمكن للطلبة والباحثين والنشطاء الرجوع لهذا الكتاب من أجل اكتشاف عدد من المرجعيات والنصوص والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، والمبادئ كمبادئ بلغراد ومبادئ باريس.
أما بالنسبة للذين ليس لهم تكوين حقوقي والذين ينشغلون بالتدقيق في المفاهيم المرتبطة بالجانب المعياري المتعلق بحقوق الانسان، فنحن إزاء رحلة حقيقية في ثنايا  "المنظومة الدولية لحقوق الانسان"، التي توجد بها الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، أي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذا عدد من الاتفاقيات الدولية الموضوعاتية مثل سيداو واتفاقية مناهضة التمييز واتفاقية مناهضة التعذيب…. الخ، ثم المراجع الوطنية بما فيها الدستور وعدد من التشريعات سواء التشريعات المؤسسية التي وضعت في بداية الاستقلال أو التشريعات التي وضعها المشرع المغربي لاحقا واغنت منظومة  حقوق الإنسان.
 
توفير قاعدة احصائيات ومعطيات
 
الفائدة الثالثة: وتتعلق بما يقدمه الكتاب من احصائيات وأرقام ومعطيات مرتبطة بمجهود شخصي ويمكن القول ليس في موضوع حقوق الانسان فقط ولكن ليس بالعمل البرلماني الذي لدينا فيه بنك معلومات حقيقي فيما يتعلق بقضايا محددة بسياسيات العمومية كالمؤسسة التشريعية والمرأة والسياسة العمومية الحقوقية.
أنا شخصيا اشتغلت على جوانب ليس على حقوق الانسان، لكن على جوانب أخرى واعرف المجهود المطلوب بالنسبة للباحث والمهتم عند اشتغاله على المادة البرلمانية ومن الوهلة الأولى فالمادة غير متوفرة وخاصة عندما يتعلق الامر بموضوع حقوق الانسان لأن التساؤل المطروح ما الذي يعتبر في المنتوج البرلماني حقوق الانسان وما لا يعتبر حقوق الإنسان كيف يمكن أن نفرز المنتوج التشريعي والمنتوج الرقابي المتعلق بحقوق الإنسان والمنتوج الرقابي والتشريعي الذي لا يتعلق بحقوق الإنسان.
كل الأشياء والقضايا التي يتم تداوله داخل البرلمان سواء في بعدها الخارجي المرتبط بالسياسة الخارجية أو الديبلوماسية أو السياسة الوطنية متصلة بكيفية مباشرة وبكيفية غير مباشرة بموضوع حقوق الإنسان.  الكاتب كان واعيا بهذه المسألة وأشار اليها في كتابه، رغم صعوبة الفرز لأنه لا يمكن ان تقدم احصائيات دقيقة دون أن تكون عملية التدقيق والتصنيف مضبوطة. لذلك اعتبر بأنه هذا جانب مهم وهو الجانب الاحصائي الذي قدم فيه الكاتب مجهودا كبيرا.
صحيح أن هناك بعض المعطيات في السنوات الأخيرة كالتقارير التي تنجزها وزارة العلاقة مع البرلمان والتقارير التي يصدرها البرلمان نفسه بمجلسيه، لكن في بعض الأحيان لا تكون دقيقة، وخاصة ما يلاحظ من تفاوت في مدة الولاية بين مجلس المستشارين وبين مجلس النواب وهو ما يطرح صعوبة في تحديد المنتوج التشريعي والرقابي للبرلمان هل هي ولاية نيابية او ولاية برلمانية لذلك الباحث يجد نفسه أمام صعوبات كبيرة، ومع ذلك اعتقد كقارئ لهذا الكتاب وكمهتم ومدرس لحقوق الإنسان فنحن أمام معطيات يمكن لنا الاعتماد عليها ويمكن التعاطي معها على الرغم من كونها مجهود شخصي لكنها تقدم  لنا مادة اساسية يمكن أن نستند عليها ونعتمد عليها كبنك معلومات بالنسبة لنا كأشخاص وباحثين وطلبة نريد أن نشتغل على المادة الحقوقية في علاقتها بعمل المؤسسة البرلمانية.
 
اتصال البرلمان بالمادة الحقوقية منذ 1963
 
الفائدة الرابعة: في تقديري أن الباحث تناول الموضوع في مدة زمنية محدودة وهي الولاية التشريعية العاشرة، لكن بطبيعة الحال القول أن اتصال البرلمان بالمادة الحقوقية ارتبط بوجود البرلمان مند 1963، ولذلك من أجل دراسة البرلمان في علاقته بحقوق الانسان، ينبغي علينا أن نقطع هذه المسافة كلها. عبد الرزاق الحنوشي رمى حجرة في بركة من الماء ونبهنا لموضوع يتطلب منا مجهود أكبر لكي نشتغل ونوسع دائرة اشتغالنا ودائرة اهتمامنا بالعلاقة بين البرلمان وحقوق الإنسان، لأن حقوق الإنسان شاملة وموضوع كبير جدا، حقوق الإنسان ليست من نوع القضايا المحسومة أو القضايا التي تكرر نفسها، فليس هناك اتفاق دقيق حول مضمون كل الحقوق هناك عدد من الحقوق موضوع نقاش، كحقوق الإنسان في علاقتها بالعالم الرقمي، وكذلك هناك نقاش حول الجيل الرابع لحقوق الإنسان في مخاض عسير الولادة يمكن له ان يولد عاجلا أم اجلا لذلك موضوع حقوق الإنسان فهو موضوع حساس وموضوع مفتوح يعتبر ملتقى الطرق في عمل المؤسسة البرلمانية وفي عمل المؤسسات الأخرى الوطنية لحقوق الإنسان. لذلك اعتبر الفائدة المهمة جدا بالنسبة للبحث الذي قام به  عبد الرزاق الحنوشي، هو أنه نبهنا ونبه الحقل الجامعي لموضوع مهم لم يشبع بحثا.
إذن نحن في حاجة للمزيد من التوسيع ويمكن من زوايا أخرى، أنا أفكر مثلا في المقاربة النقدية لعلاقة حقوق الإنسان والبرلمان، لأنه ربما لا ينبغي علينا ان نقسو على البرلمان ولا تكون لدينا صورة مسبقة سلبية أو حكم مسبق عليه، أو العكس، و في نهاية المطاف فإن البرلمان إنعكاس للمجتمع ومكوناته.
إن البرلمان في حقيقة الأمر انعكاس للمجتمع وانعكاس كذلك للحقل الحزبي وانعكاس أيضا للحق الجمعوي والحقل الجامعي وانعكاس للمشاكل والقضايا الموجودة في المجتمع والتي تنعكس في هذا المجتمع المصغر هو المؤسسة التشريعية، التي يمكن لها أن تصيب في بعض الجوانب، ويمكن ان تخطأ في بعض الجوانب، ولذلك فدور الباحث وأنا لا أؤمن بالباحث المحايد وليس هناك شيء اسمه الباحث المحايد، الباحث له رأي ولا يعبر عليه انطلاقا من أحكام مسبقة أو انطلاقا من (ولو طارت معزة) هناك أشياء يمكن أن تقف عليها إيجابية واخرى سلبية.
من المؤكد أن هناك عملا إيجابيا في المؤسسة البرلمانية، لكن هناك مناطق ظل تحتاج تسليط الضوء عليها والتي تقع تحت أضواء مراقبة الاعلام والمجتمع المدني والباحثين. وأعتقد نحن في حاجة لأبحاث من أجل تسليط الضوء أكثر تعطي مزيد من القيمة المضافة للأشياء التي قدمها الباحث في المستقبل من زوايا متعددة وانطلاقا من مقاربات متعددة لأن تعدد هذه المقاربات لا يفسد للود قضية.