السبت 20 إبريل 2024
فن وثقافة

الكزولي بمعرض الفرس الدولي: التبوريدة تراث لا مادي وهذه هي مقوماته وعناصره وإشراقاته (1)

الكزولي بمعرض الفرس الدولي: التبوريدة تراث لا مادي وهذه هي مقوماته وعناصره وإشراقاته (1) الزميل أحمد فردوس وشيخ الملحون محمد الكزولي

تشرفت يوم الخميس 21 أكتوبر 2022، بتسيير عرض ثقافي تراثي تحت عنوان "التبوريدة تراث لا مادي"، ألقاه الباحث في تراث فنون التبوريدة، شيخ الملحون محمد الكزولي، بقاعة الندوات بمعرض الفرس الدولي، حيث تتبع هذا الطبق الدسم بالمعلومات ذات القيمة التاريخية والفنية والتراثية، ثلة من الفرسان وعلامة السَّرْبَاتْ، بحضور نساء ورجال الإعلام وفعاليات المجتمع المدني ذات الأهداف التي تنتصر لسنابك الخيل والبارود.

ونظرا لقيمة وأهمية المعلومات التي وردت في المحاضرة تنشر جريدة "أنفاس بريس" الحلقة الأولى في الموضوع.

حيث أن المناسبة شرط، وبعد غياب عروض التبوريدة مدة سنتين بسبب وباء كوفيد 19، فقد استهل الكزولي عرضه الثقافي بأبيات زجلية تلخص مدى اشتياق كل عاشق ومهتم بتراثنا المغربي الأصيل، لفعاليات وأنشطة المعرض الدولي للفرس .

(بِسْمِ الله خَيْرْ كُلْ مَبْدَا /  وبِسْمِ الله هِيَ مِفْتَاحْ كُلْ بَابْ

دَازَتْ ايَّامْ الضِّيقْ والشَّدَّةْ  /  والْمَحْنَةْ وُفْرَاقْ لَصْحَابْ

بَعْدْ طَالَتْ الْغَيْبَةْ هَادِي مُدَّةْ  /  جَاتْ سَاعَةْ الْخَيْرْ وُمْلَـﯕَى لَحْبَابْ)

اعتبر المحاضر الدورة الخامسة للجائزة الكبرى للملك محمد السادس عرسا وطنيا، على اعتبار أن معرض الفرس ومنذ إنطلاق فعالياته سنة 2008، فقد حرص على التعريف بالتراث والثقافة المغربية، سواء من خلال الأروقة أو العروض أو المسابقات؛ بل شدد على أنه عرس عالمي نظرا للحضور الدولي المهم الذي يشهده المعرض، سواء على مستوى فئة العارضين أو المشاركين، أو الجمهور الذي يحج من مختلف بقاع العالم.

 

تعريف مفهوم التراث اللامادي

أوضح المتدخل بأنه اعتمادا على التعريف الذي قدمه المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، في دورته الثانية والثلاثين التي عقدت بباريس في الفترة الممتدة بين 29 شتنبر إلى 17 أكتوبر 2003؛  في المادة 2؛ حيث عرَّف التراث اللامادي بأنه يشمل كل "الاستخدامات والتمثيلات وأشكال التعبير والمعرفة والتقنيات جنبًا إلى جنب مع الأدوات والأشياء والمصنوعات والأماكن الثقافية المتأصلة فيها. والتي تعتبرها الجماعات والمجموعات والأفراد في بعض الحالات جزء لا يتجزأ من تراثهم الثقافي...هذا التراث الثقافي غير المادي، الذي ينتقل من جيل إلى جيل، يتم إعادة إنشائه باستمرار من قبل المجتمعات والجماعات بناءً على بيئتهم وتفاعلهم مع الطبيعة وتاريخهم، وغرس فيهم الشعور بالهوية والاستمرارية وبالتالي المساعدة على تعزيز احترام التنوع الثقافي والإبداع البشري".

 

فن التبوريدة تتحقق فيه كل شروط التراث اللامادي بجميع مكوناته

حسب نفس المتدخل فإن الموروث الثقافي يتجلى بالأساس في مجموعة من المكونات من بينها التقاليد وأشكال التعبير الشفهي، بما في ذلك اللغة كوسيلة للتراث الثقافي غير المادي. بالإضافة إلى فنون الأداء. ثم الاستخدامات الاجتماعية والطقوس والاحتفالات، فضلا عن المعرفة والاستخدامات المتعلقة بالطبيعة والكون، علاوة عن تقنيات الحرف التقليدية.

في نفس السياق أورد الشاعر محمد الكزولي في قوله: "من هذا التعريف الأممي للتراث اللامادي، ومن خلال ارتباطي الوثيق بتراث التبوريدة والإهتمام به ممارسة وبحثا وتوثيقا؛ أستخلص أنه تراث تتحقق فيه كل شروط التراث اللامادي بجميع مكوناته".  مشددا على أنه "شكل من أشكال التعبير الشفهي الممارس من طرف مجموعات، ويمثل أحد التقاليد المغربية العريقة التي كان ولا يزال المغاربة يعبرون بها عن طقوسهم الإحتفالية، بالإستعانة بمجموعة من الحرف والصناعات التقليدية".

وأكد المحاضر بأن "التبوريدة ظلت متوارثة من جيل إلى جيل عبر عقود، بل عبر قرون؛ كما يتجلى فيها التنوع الثقافي الذي تزخر به المملكة، بشكل يحفظ لكل منطقة خصوصيتها دون تقليل أو تمييز". مؤكدا على أن "تراث التبوريدة إستحق الإعتراف الأممي والإدراج ضمن لائحة التراث اللامادي".

 

التوثيق الفني للموروث الثقافي الشعبي

في سياق حديثه عن تراث التبوريدة ومقوماتها اللامادية فقد استعان المحاضر بالتوثيق الفني للتراث الشعبي المغربي الغني والمتنوع، ما بين متون الزجل وأشعار الملحون وفن العيطة وعبيدات الرمى والْهِيَّاتَةْ؛ على اعتبار أن هذه الأنماط الفنية والشعرية الشعبية، ساهمت بشكل كبير في حفظ مجموعة من المكونات اللامادية لتراث التبوريدة، عبر الخوض في ثقافة الخيل، مع ذكر مقوماتها الجمالية، وإرتباطها بالثقافة المغربية، بالإضافة إلى الإشارة لمجموعة من الطرق والتقاليد المرافقة لهذا التراث، وجرد الحرف والصناعات التقليدية التي تُتمِّمُ تشكيل اللوحة الفنية لعروض تراث التبوريدة؛ بل وساهم التراث الشعبي بشكل كبير جدا في الحفاظ على التبوريدة وتوثيقها من خلال التناقل الشفهي للنصوص والْمَايَاتْ والمرددات والأمثال الشعبية، بين الأجيال على مر العصور.

 

التبوريدة هي الرياضة الأولى في المغرب

وأورد الأستاذ محمد الكزولي في حديثه بإن التبوريدة تعد إضافة إلى ما سبق ذكره، الرياضة الشعبية الأولى بالمغرب، فهي في نظر العديد من الباحثين والمهتمين، إمتداد لعروض الفروسية التقليدية التي كانت تقام طقوسها قديما بالرماح والسيوف داخل المسارح الرومانية والبيزنطية؛ ثم تطورت مع تطور صناعة الأسلحة وظهور مادة البارود التي اشتقت منها تسمية التبوريدة.

وأشار نفس المتدخل بأن أقدم تأريخ وتوثيق لعروض تراث التبوريدة، هو المُوَثَّق في لوحات الرّسام الفرنسي "دولاكروا"، الذي أورد في مذكراته الخاصة عن رحلته إلى المغرب الأقصى، حيث يَظهر في إحدى لوحاته، عرضا لفن التبوريدة خلال حفل إستقبال للبعثة الفرنسية في عهد السلطان مولاي عبد الرحمن. وأضاف موضحا بأن "تاريخ نشأة التبوريدة ورغم غياب المراجع الرسمية الموثوقة، يبقى أقدم من ذلك بكثير، فلوحة (دولاكروا) تُظهر جلياً أن التبوريدة في تلك الفترة كانت قد قطعت أشواطا كبيرة، وليست وليدة ذلك الإستقبال الإحتفالي، بل أنها تبدو قائمة بذاتها ومكتملة لا من حيث الاستعراض واللعب والزي التقليدي، ولا من حيث الإنتشار في مختلف ربوع المملكة، كما جاء في مذكراته عن عروض استقبال بالقرب من مدينة طنجة وبنواحي مدينة القصر الكبير وبمدينة مكناس.

 

التنوع والتعدد في التراث والثقافة الشعبية المغربية

لقد ساهم التنوع الثقافي والإمتداد الجغرافي للمملكة، في تنوع هذا التراث وتعدد أشكال وطرق ممارساته، وكذلك في تعدد أنواع ومميزات الخيل المستعملة. يضيف محمد الكزولي الذي شدد على أن المتعارف عليه والمتوارث منذ عقود، وربما منذ قرون "أن خيول منطقة تِيسَّةْ؛ وخيول سهول تادلة وبني ملال؛ وخيول مناطق دكالة، لها شهرة واسعة جدا؛ كما لها قيمة كبيرة لدى المربين والفرسان، نظرا لما وفرته هذه المناطق الجغرافية من عوامل أهمها، المناخ والتربة والماء؛ الأمر الذي ساهم إيجابا في تجويد تربية الأفراس والمهور، وتحسين النسل؛ وهذه العوامل هي ما تسمى بلغة مربي الخيل بـ  "اَلْمَرْﯕَدْ". بحكم أنه يمثل المجال الجغرافي والبيئي، فضلا عن تمثيله (أي "اَلْمَرْﯕَدْ")، القيمة التراثية والثقافية، التي تساهم في مد تراث التبوريدة بأحد أهم عناصر قيامها وهو الفرس.

وحسب المحاضر فقد جاء ذكر خيل "اَلْمَرْﯕَدْ" الْمَلَّالِي في عدة قصائد لشيوخ تراث الملحون؛ كقول الشيخ محمد بن علي رحمه الله في قصيدة الطَّرْشُونْ: (كنت مادا لي / فصل الربيع نخرج بكرة وأصيل / فُوقْ مَلَّالِي / دْهَمْ كِالدْجَا فَاقْ عْتَاقْ الْخَيْلْ). أو الشيخ عبد القادر العلمي في قصيدة الإدريسية: (فِيدِي مَدْفَعْ قْيَاسْ/ رَاكَبْ شَلْوِي مَلَّالِي / والِّلي قَابَلْنِي مَنْ الَعْدَا يستبشر ببلاه / عظم ابدانه نبري). أو قصيدة الجولة: (شُوفْ الْفُرْسَانْ حَارْكَةْ عْلَ لَخْيُولْ تْشَالِي / تَمْثِيلْ امْوَاجْ هَايْجَةْ فِلْيَالِي حِيَّانْ/ كِشْوَاهَقْ شَامْخَةْ وُ گدَّارْ مْثِينْ وُمَالِي / مَنْ صيل سْهُولْ تَادْلَةْ حُوشْ بِنِي مَعْدَانْ / لَمْكَاحَلْ صَايْلَةْ سْخِيَةْ وُسْرُوجْ تْلَالِي / والْبَارُودْ يْلُوحْ مَنْ جْعَابُو نَارْ وُدُخَّانْ).

في سياق متصل استشهد المحاضر أيضا بما جاء في العيطة الْمَلَّالِيَةْ حول "مَرْﯕَدْ" عبدة ودكالة وجودة خيولها: (خَيْلْ عَبْدَةْ مْهَيْجِينْ الْكَبْدَةْ / حُرَّةْ مْيَصْلَةْ مَرْگدْهَا مَعْرُوفْ). وفي متن آخر: (حَيْكُو بْزِيوِي وُالشَّدْ حْرِيرْ/ وُالْبَلْغَةْ زِيوَانِي / عَوْدُو بَخْلَاخْلُو يْشَالِي. أَصْلُو دُكَّالِي  / تَمَّا نَبْتُو خْيُولْ سِيدِي وُخْيُولْ اَلْگادَةْ).

 

خيول التبوريدة الأصيلة

وأكد محمد الكزولي في محاضرته بأن فرسان التبوريدة يمارسون عروضهم وطقوسهم الفنية على صهوة خيول مغربية أصيلة، لها تاريخ وارتباط بهذا التراث؛ و تتوفر فيها مجموعة من المؤهلات، أهمها: (قوة بنيتها، وسرعتها وقدرتها على التحمل، وكذلك استجابتها السريعة للتدريب). بالإضافة إلى عدد من المواصفات التي كان ولا يزال يحبذها الفرسان والكسّابة في خيول التبوريدة، مثل: (علو القامة؛ وقصر الظهر؛ وصغر الرأس؛ وقصر الأذنين؛ وارتفاع الرقبة؛ مع إتساع في الصدر؛ وقوة في القوائم؛ إضافة الى الرشاقة والنخوة والجمال...). وقال موضحا بأن من بين أجمل الإشارات لعلو قامة الخيول المغربية منذ قرون؛ نجد في ديوان الشيخ النجار قوله: (جْيُوشْ رَاگبْةْ عَطَّابَةْ / بِخْيُولْ كن عْمَاهَجْ وُسْيُوفْ عْطِيبَةْ / صَارْ الدَّمْ سْكِيبْ). أو في نظم الشيخ بن العلوي (والَخَيْلَ الصَّايْلَةْ صْهِيلَةْ / بِتْمَامْ الزِينْ والْعْلُو فِ لَمْحَارَكْ تْشَالِي / فَاقَتْ كُلْ مْلِيحْ).

مواصفات الخيول المغربية، في متن ديوان الزجال محمد الكزولي:

1ـ الرأس: (الرَّاسْ، فِالَقْيَاسْ صْغِيرْ / والَمْقَامْ، بِالدْرَاعْ كْبِيرْ / خَلَّاوْ لَجْدُودْ قْيَاسِو، زُوجْ شْبَارْ عْبَارْ) ثم قول: (رَاسْ كِيفْ الْكَاسْ / فِالَحْرُوفْ وُالَقْيَاسْ / مَا يْخَيِّبْ شُوفَةْ، مَا يَخْنَگْ بِالْخَنْشَةْ لَعْدَارْ)

2 ـ الأذنين: (زْنَادْ بِالْعَدَّةْ رُومِيَّةْ / مْطَلَّعْ الْقَرْصْ / عَسَّاسْ، حَارَسْ بِالنِّيَةْ / مَا يْغَدْرُو حَسْ.

وَلَّا تْنَوَّى، وُ شَافْ الْغَاشِي / بِيْن وَدْنِيهْ، حُطْ النِّيشْ. وَخَّا الْغَاشِي فِ الظَّلْمَةْ مَاشِي / نْوِي، وُضْرُبْ تْقَيَّسْ)

3 ـ الرَّﯕْبَةْ: (والرَّگْبَةْ رَگْبَةْ . عْلَاتْ فِ الْمَدَّةْ. فِ الشُّوفَةْ غْزَالْ . إِلَا غَارَتْ، وُعْطَاتْ بِالظْهَرْ. والرَّگْبَةْ رَگْبَةْ . مَالَتْ فِ الْهَدَّةْ، فِالتَّقْوِيسَةْ هْلَالْ . زَادْهَا الْعُرْفْ، سَرْ فِ سَرْ)

4 ـ الظْهَرْ: (الظْهَرْ. قْيَاسْ النَّخْوَةْ مَعْزُوزْ . مَدْ دْرَاعْ، بِينْ لَكْفَلْ، وُلَكْتَافْ. الظْهَرْ. شْرِيفْ، مَا يْرَدَّفْ زُوجْ. وْسَاعْ الصْدَرْ وملا، حَدْ لَغْرَازْ. حَازَمْ لِلْبَارُودْ گْصَاصُو ـ حَاشَا يْخِيبْ، وَلَّا يْحَنَّثْ مُولَاهْ. إِلَا صْغَى لِلنَّدْهَةْ، وْرَامْ الْمَهْمَازْ. شَدْ لِلدِّيرْ خْرَاصُو ـ مَدْ دْرَاعُو، وُتْسَرْسْبُو لَخْيُولْ وْرَاهْ)

5 ـ الْحَوَافِرْ: (لَاگْيَا لَمْـﯕَارَطْ وُاحْجَارْ. مْكَوْرَةْ فِ الْقَالَبْ، كِالْمَحْزَمْ لِلخْصَامْ. الصْفِيحَةْ وَالْمَسْمَارْ. تْمُوتْ عَلْ الْحَافَرْ، وُتْجِيهْ بِالَقْيَاسْ رْوَامْ).

 

يتبع